عناصر الخطبة
1/ عجز البعض عن أداء فريضة الحج 2/ فضل الحج والعمرة 3/ أعمال بديلة لمن عجز عن الحجاقتباس
فموضوعنا اليوم إذًا هو رسالة إلى من فاته الحج هذا العام، رسالة تذكرة، تذكر المسلم ببعض الأعمال التي يمكن أن يعملها، ويحصِّل من ورائها أجورًا تماثل أو تساوي أجر الحج والعمرة، إلى أن يمن الله عليه بزيارة بيته الحرام. ولكي نعرف قيمة هذه الأعمال، التي قد يستصغرها أو يستهين بها كثير من الناس، نذكـّر أولاً بما للحج والعمرة من ثواب؛ حتى ندرك قيمة هذه الأعمال ..
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: لم يبق إلا أيام معدودات، ويبدأ شهر ذي الحجة في العد التنازلي، تاركًا وراءه ذكريات غالية، سواء لمن حج أو لمن لم يحج، فمن وفقه الله لأداء فريضة الحج، يزداد اشتياقًا لمعاودة زيارة بيت الله الحرام، ومن لم يحج يعيش على أمل أن يبلغه الله -عز وجل- البيت في موسم قادم، إن كان في العمر بقية.
وكل هذا استجابة لدعوة إبراهيم الخليل -عليه السلام-، تلك الدعوة التي سجلها رب العزة -سبحانه وتعالى- في قرآن يتلي إلى يوم الدين: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم: 37].
لذا كانت النفوس المؤمنة تتوق إلى الحج، لما جعل الله في القلوب من الحنين إلى بيت الله الحرام، تهواه القلوب، وتشتاق له النفوس، ولما كان كثير من الناس يعجز عن بلوغ هذا المراد، خاصة في هذه الأيام، نجد من رحمة الله -سبحانه وتعالى- أنه شرع لعباده أعمالاً يسيرة، تبلغ في أجرها أجر الحج، فيعتاض بذلك العاجزون عن أداء الحج والعمرة، أعمال إن عملها المسلم بإخلاص، وهو في بلده، دون جوازات، ودون تأشيرات، بعيدًا عن استغلال شركات السياحة التي اتخذت من الحج تجارة رابحة، لدرجة أنهم أسموه سياحة دينية، وأصبح أمر الحج من الصعوبة بمكان بحيث لا يستطيع أداءه إلا القليل.
نسأل الله -عز وجل- أن يهدي المسؤولين عن تنظيم أمور الحج إلى سواء السبيل، أو أن يبدلنا بهم خيرًا منهم، ويريح منهم العباد.
فموضوعنا اليوم إذًا هو رسالة إلى من فاته الحج هذا العام، رسالة تذكرة، تذكر المسلم ببعض الأعمال التي يمكن أن يعملها، ويحصِّل من ورائها أجورًا تماثل أو تساوي أجر الحج والعمرة، إلى أن يمن الله عليه بزيارة بيته الحرام.
ولكي نعرف قيمة هذه الأعمال، التي قد يستصغرها أو يستهين بها كثير من الناس، نذكـّر أولاً بما للحج والعمرة من ثواب؛ حتى ندرك قيمة هذه الأعمال.
أولاً: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه". وفي رواية: "غفر له ما تقدم من ذنبه".
إذًا فالحج طبقًا لهذا يغسل المسلم من ذنوبه السابقات، سواء الصغائر منها والكبائر والتبعات، فيرجع من حجه عاريًا من الذنوب كيوم ولدته أمه، أي صار مشابهًا لنفسه في البراءة من الذنوب كيوم خرج من بطن أمه.
ثانيًا: وفى سنن النسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".
فهذا ظاهر في فضيلة العمرة، وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين، وأن الحج المبرور -وهو الحج المقبول، وهو الذي لا يخالطه إثم- من علامة قبوله أن يرجع خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي، فإن رجع خيرًا مما كان عرف أنه مبرور، ومعنى "ليس له جزاءٌ إلا الجنة": أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخل الجنة بفضل الله -عز وجل-.
ثالثًا: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سأل رجلٌ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أي الأعمال أفضل؟! قال: "الإيمان بالله"، قال: ثم ماذا؟! قال: "الجهاد في سبيل الله"، قال: ثم ماذا؟! قال: "ثم الحج المبرور".
فالحج طبقًا لهذا الحديث من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه -عز وجل- حيث -في سياق واحد- ربط بينه وبين التوحيد وبين الجهاد في سبيل الله، وهو أهم العبادات البدنية والمالية، وذروة الأمر وسنامه.
رابعًا: ومن فضائل الحج أيضًا أن المتابعة بينه وبين العمرة، تبعد عن المسلم الفقر، وتمحو عنه الذنوب صغيرها وكبيرها، ولا حرج على فضل الله، وهذا يستفاد من الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثوابٌ إلا الجنة".
خامسًا: أما الفضيلة الخامسة، فهي أن الحج والعمرة جهاد المرأة المؤمنة، فقد روى ابن ماجه عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: هل على النساء من جهادٍ؟! قال: "نعم، عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة".
وهذه الفضيلة هي في نظري من أفضل الفضائل وأكبرها في وقتنا الحالي، فبعد أن أوصدت قوى الظلم في وجوهنا جميع أبواب الجهاد، لم يعد أمامنا سوى "جهاد كل ضعيف"، الحج والعمرة، روى النسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة".
وروى ابن ماجه عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحج جهاد كل ضعيفٍ".
والمراد بالضعيف هنا الذي لا يقوى على الجهاد لعذر شرعي، فيحصل له بالحج ثواب المجاهدين، إذا أخلص في عمله، بل أكثر من ذلك، فإن الحج أحسن الجهاد وأجمله؛ لما رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: قالت: قلت: يا رسول الله: ألا نغزو ونجاهد معكم؟! فقال: "لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج: حج مبرورٌ"، فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا بعض ثواب الحج والعمرة: يهدم ما قبله من الكفر والذنوب والخطايا كبيرها وصغيرها.
يبعد الفقر عن صاحبها.
يبلغ في ثوابه ثواب الجهاد في سبيل الله، وما أدراك ما الجهاد في سبيل الله؟! إنه ذروة الأمر وسنامه، إنه أسـمى عبادة في الإسلام.
كل هذا يستطيع المسلم الذي حبس عن الحج لعذر شرعي، أن يتحصل على مثله وهو قابع في بلده، فهيا نقف معًا على بعض الأعمال التي لها مثل أجر الحج والعمرة، والتي جاءت بها الأدلة الصحيحة، على أن نضع في اعتبارنا أنها لا تغني عن حج الفريضة، وهذه الأعمال إما يومية أو موسمية أو سـنوية:
أول هذه الأعمال اليومية: التأمين خلف الإمام؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أمَّن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه...".
وعنه -رضي الله عنه- أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافق إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذ قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، فقولوا: آمين، يجبكم الله...".
هذه الأحاديث وغيرها في الباب ترتب إجابة الله -سبحانه وتعالى- للدعاء، ومغفرة ما تقدم من ذنوب المؤمن على شروط ومقدمات أربع:
الأولى: تأمين الإمام.
الثانية: تأمين المأمومين.
الثالثة: تأمين الملائكة.
الرابعة: موافقة التأمين، أي موافقة تأمين المأموم لتأمين الإمام والملائكة.
والسنة النبوية المشرفة تعرِّف الموضع الذي تقال فيه: آمين، وهو إذا قال الإمام: (وَلاَ الضَّالِّينَ) آمين؛ ليكون قولهما معًا، ولا يتقدموه بقول: آمين، تنفيذًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمّن الإمام فأمنوا"، بمعنى إذا شرع الإمام في التأمين، فلا يقولها المأموم إلا أن يسمع الإمام يقول: "آمين"؛ وذلك لما ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) قال: "آمين"، حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد.
المهم أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده؛ حتى يستجيب الله دعاءه، ويغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا حثّ عظيم على التأمين، الأمر الذي يتأكد معه الاهتمام به.
الثاني: الخروج على طهارة من البيت لصلاة الفرض، أو إلى صلاة الضحى؛ فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبةٍ فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاةٌ على أثر صلاةٍ لا لغو بينهما كتابٌ في عليين".
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ وهو متطهرٌ، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى، فأجره كأجر المعتمر".
فالإنسان قد يعجز عن أداء الحج مرة واحدة في العمر، لكنه يستطيع أن يحصل على أجر خمس حجات في اليوم الواحد، إذا هو توضأ في بيته ثم ذهب إلى المسجد بنية أداء الصلوات المكتوبة.
ثالث هذه الأعمال اليومية التي تعدل في أجرها أجر الحج: الجلوس في المسجد لذكر الله بعد صلاة الفجر؛ فعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعةٍ ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ". قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تامةٍ تامةٍ تامةٍ".
فمن صلى الفجر في جماعة وقعد في مسجده يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين بعد أن ترتفع الشمس قدر رمح حتى يخرج وقت الكراهة، وهذه الصلاة تسمى صلاة الإشراق، وهي أول صلاة في الضحى، "كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ، تامةٍ تامةٍ تامةٍ". كررها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا للتأكيد
فسبحان الله من فضل الله على العباد، يستطيع المسلم أن يحصل علي أجر ثلاثين حجة وعمرة في الشهر الواحد، بمعدل ثلاثمائة وستين حجة وعمرة في العام، لو أنه واظب على هذا العمل القليل يوميًا.
هذه أمثلة على بعض الأعمال اليومية التي جعل الله ثوابها يعدل ثواب الحج والعمرة، وهناك الكثير لمن يفتش، ولكن يحكمنا وقت الخطبة.
وهناك أعمال أخرى موسمية أو سنوية لها نفس الأجر والثواب؛ فقد انتهينا بالأمس غير البعيد من صيام رمضان، وقد أعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وأن من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وأن من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وغفران ما تقدم من الذنب يعني أنه خرج من الصيام والقيام كيوم ولدته أمه دون ذنوب، يعني أنها تعدل ثواب الحج المبرور.
ومن النفحات الموسمية أيضًا يوم عرفة؛ فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده". ولما كانت "العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما...". وصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين، فمعني هذا أن صيامه يعدل أجر ثلاث عمرات علي مدار عامين، فعلى المسلم -إن كان في العمر بقية وأحيانا الله للعام القابل- أن نحرص علي صيام يوم عرفة.
وأيضًا يوم عاشوراء نفحة موسمية أخرى، يتفضل الله بها علينا بعد أيام، فبعد انصرام شهر ذي الحجة، يظلنا -إن شاء الله تعالى- شهر المحرم بأيامه العشر الأوائل التي تنتهي بيوم عاشوراء، الذي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. أي إنه يعدل أجر عمرتين: الأولى في أول العام، والثانية في آخره.
هذه باقة من الأعمال اليسيرة، من يحرص عليها يحصل على مثل أجر الحج والعمرة في اليوم الواحد مرات ومرات، والعاقل من يستثمر هذه النفحات من أجل آخرته، فعلى من فاته الحج وعجز عنه، أن يحرص على أداء تلك الأعمال التي يبلغ أجرها أجر الحج والعمرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم