النظافة - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

أثبتت العلوم الحديثة أن غالبية الأمراض التي تصيب الإنسان ناتجة عن قلة النظافة، وعدم مراعاة النظافة العامة في البدن والطعام والجو المحيط بالإنسان، وهذا في مجمله باب من أعظم أبواب إعجاز هذا الدين الذي يوجب على...

 أيها المسلمون: النظافة قيمة حضارية من قيم الحضارة الإسلامية، حثنا عليها دين الإسلام قبل أن نراها ماثلة في الحضارات الحديثة، بل جعلها الإسلام قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، يُثاب فاعلها ويأثم تاركها في بعض مظاهرها؛ قال الله -تعالى-: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4]، ومن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ" (متفق عليه).

 

فما ترك الإسلام شيئاً مما تستوجبه النظافة في صورة من صورها إلا وأمر به، وهذا تأكيد على أن النظافة ضرورة وليست ترفاً، أو أنها من الكماليات التي يُلتفت إليها بعد الفراغ من الشواغل، لكنها شغل هام يزاحم الشواغل الأخرى على أوقاتها.   ولم تكن النظافة والطهارة يومًا ضربًا من الترف أو الكماليات في الإسلام، بل إنها إحدى الأخلاق المهمة التي لا يستغنى عنها؛ كُلِّف بها الجميع رجالاً ونساءً كبارًا وصغارًا؛ فهي مظهر جميل وخلق نبيل لا يستغني عنه أحد، وهي من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا تقبل النفوس البشرية إلا الطهارة ولا تحب وتنسجم إلا معها، بل تنفر من ضدها ويؤذيها منظر القذارة وصور الاتساخ؛ فضلاً عن الروائح الكريهة التي يتأذى بها الناس والملائكة الكرام؛ حيث نهى النبي في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ -وَقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ- فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".   ومن أجل ذلك حثت الشريعة على التنظف المستمر؛ سواء ذلك في البدن أو اللباس أو المكان، ورغب في التطيب بالروائح الطيبة كالبخور وما شابه، ودعا إلى التزين قدر الإمكان، قال الله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:32].  

 

والنظافة -أيها الأخيار- سمة من سمات الرجال التي نالوا بها محبة الله -تعالى-، قال الله: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبه:108]، كما أنها -سبحانه وتعالى- شرط لإقامة عمود الدين -الصلاة-، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرضى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6]. وأمر بالتزين عند كل مسجد للقاء العبد ربه في يومه وليلته، قال -سبحانه-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * [الأعراف:31، 32].  

 

ولا شك أن الطهور لكل صلاة والزينة المطلوبة عند كل مسجد تجعل العبد على طهارة ونظافة لفترة طويلة من يومه وليلته؛ فكأن الأصل في يوم المسلم أن يكون متجملاً متطيبًا، وهذا من شأنه يجعله متهيأ تهيئة دائمة ليكون الأصل في حياته هو النظافة والبعد عن الأوساخ والقذارة. كما ينعكس ذلك كقيمة مجتمعية فاضلة؛ فإذا كان هذا ديدن الفرد في الجماعة المسلمة، أن ينظف أطرافه صباحًا ومساءً، وأن يغتسل ولو مرة في الأسبوع، كما قال عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: "حقٌّ للَّهِ واجِبٌ علَى كلِّ مُسلمٍ في كلِّ سبعةِ أيَّامٍ يغتَسلُ ويَغسِلُ منهُ كلَّ شيءٍ ويَمسُّ طيبًا إن كانَ لأَهْلِهِ" (مسلم)؛ فمتى حرص الفرد على ذلك صارت ثقافة مجتمعية وحينها يتعدى الأمر إلى أن يصبح سلوكا حضاريا يمتد من طهارة البدن واللباس إلى نظافة البيئة والعمران.   أيها المسلمون: والطهارة الظاهرة شرط لتحقق طهارة النفس، لذلك رأينا أن التشريعات القرآنية ركزت أيما تركيز على الطهارة والنظافة الشخصية وقد تجلى ذلك في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحثه على الاهتمام بها دون غلو أو تكلف، ويمكن تلخيص ذلك في السطور التالية: نظافة الجسم وطهارته: وذلك بالحفاظ عليه من الأقذار والنجاسات، والمبادرة إلى إزالتها منه ولأنه قد لا يعطي البعض الجسم ما يستحقه من النظافة فنبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ضرورة الاغتسال ولو مرة في الأسبوع، بقوله: "حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ".  

 

إكرام الشعر: والمراد أن يحرص على مظهره بترجيله والمحافظة عليه؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص على الشعر بترجيله ودهنه ويوجه أصحابه لذلك، كما في حديث جابر أنه قال: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرا في منزلنا؛ فرأى رجلا شعثا، فقال: "أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره".   التطيب: أي استخدام الطيب وخاصة عند ملاقاة الناس كالاجتماع لصلاة الجمعة؛ فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى".  

 

نظافة الأسنان: فقد  كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يظهر حرصا خاصا بنظافتها وتسويكها عند الوضوء والصلاة وإذا قام من نومه وإذا دخل بيته؛ فقد روى أَبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ".   قص الأظافر: وهي من سنن الفطرة وقد حافظ النبي -عليه الصلاة والسلام- على إبقائها قصيرة وحث على ذلك؛ فقد أخرج البيهقي في شعب الإِيمان بسند حسن عن أبي هريرة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة".  

 

نظافة الثياب: فإن من نعم الله -تعالى- على الإنسان أن خلق له ما يصنع منه ثيابه؛ فيستر عورته ويجمِّل مظهره، ويتقي به الحر والبرد، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) [الأعراف: 26]. وغير ذلك كثير مما ينبغي على المسلمين الالتزام به والاتصاف به مما هو داخل في الذوق الرفيع والسلوك السوي والمنظر الجميل والرائحة الطيبة والأناقة الملموسة؛ في مساكننا وطرقاتنا ومكان أعمالنا وتواجدنا وكذا متنزهاتنا وحدائقنا وكل مكان نجلس فيه أو نمشي عليه أو نشاهده؛ فالله جميل يحب الجمال وحسن يحب الحسن ولطيف يحب اللطف، ومن الإيمان بهذه الأسماء الاتصاف بهال وتفعيلها في حياتنا.  

 

عباد الله: حسب الطهارة أنها تورث صاحبها محبة الله ومحبة الناس، وهي سبب لمغفرة الخطايا والذنوب، كما أن النظافة تبعث في جسد صاحبها النشاط والقوة والصحة.   وقد أثبتت العلوم الحديثة أن غالبية الأمراض التي تصيب الإنسان ناتجة عن قلة النظافة وعدم مراعاة النظافة العامة في البدن والطعام والجو المحيط بالإنسان، وهذا في مجمله باب من أعظم أبواب إعجاز هذا الدين الذي يوجب على أتباعه أن يتنظفوا بصورة مستمرة، وأن ينظفوا بيئتهم من حولهم، وأن يبعدوا عن أي مظهر من مظاهر القذارة والوسخ، لاسيما إن كان جعل هذه المسؤولية مسؤولية فردية تضطلع بكل إنسان على حدة لا على هيئة وجهة مسؤولة فقط، فالمسؤولية الفردية تتيح عملاً مجتمعيًا متكاملاً نحو مجتمع نظيف.  

 

لقد سبق الإسلام النظم البشرية كلها في الطهارة والنظافة والذوق والأناقة، وأثبت الطب الحديث صدق ما جاء به الإسلام -ولله الفضل والمنة- مما يجعل حضارة الإسلام وتقدمه لا توازيها حضارة مدعاة، وتقدمٌ مزعوم كان من انقلاب الموازين عند أفراده، من التنافس في القذارة وعمل الأوساخ، والتسابق إلى أعمالٍ تنفر منها الطباع السليمة، والأذواق الحسنة، مما يخالف فطرة الله السوية، وتعاليمه السمحة.   وإن دينًا هذه تعاليمه ينبغي لأتباعه أن يكونوا حريصين على النظافة بُكل أبعادها، ليكونوا أقوى الأمم عقيدةً وإيمانًا، وأسلمهم فكرًا وعلمًا، وأصلحهم قلوبًا وأعمالاً، وأصحهم أجسادًا وأبدانًا، وأحسنهم هيأةً وأشكالاً؛ ليجمعوا بين صلاح الباطن وجمال الظاهر، وحسن المنظر وسلامة المخبر، وعند ذاك تحصل لهم القوة المادية والمعنوية، حيث يقوى الإيمان والعلم، ويحسن الخلق والمعاملة، وتصح الأبدان والعقول، فيكون لهم من الشوكة والهيبة والقوة ما يرهب أعداءهم بإذن الله.   خطباؤنا الكريم: سعينا في هذه المقدمة أن نذكر عناية الشرع الحنيف بالنظافة واهتمامه بها مذكرين إخواننا بأهميتها، وفضلها في حياتنا عامة، مشيرين إلى نتائج عدم اهتمام الإنسان بنظافة بدنه وبيئته، وبرفقها مجموعة من الخطب لنخبة من الخطباء؛ نسأل الله النفع والفائدة.  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
النظافة 2011/03/07 291 87 0
عناية الإسلام بالنظافة العامة 2022/08/25 3154 770 0
المرفقات
بوست033-النظافة-01.jpg
بوست033-النظافة-02.jpg
مهم.txt
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life