النظافة

سامي بن عبد العزيز الماجد

2011-03-07 - 1432/04/02
عناصر الخطبة
1/ عناية الإسلام بالنظافة 2/ صور لاعتناء الفرد بنظافة نفسه

اقتباس

النظافة قيمةٌ حضارية من قِيمِ الحضارةِ الإسلامية، حثنا عليها ديننا قبل أن نراها ماثلةً في الحضارات الحديثة. بل هي في حضارة الإسلام أشملُ وأدقُ وأوفى، فما ترك الإسلام شيئاً مما تستوجبه النظافة في صورة من صورها إلا وأمر به، وحين تغيب بعض معالم النظافة بين أبناء الإسلام فذلك محسوب من صور ضَعف الاقتداء بنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، إمامِ التوابين والمتطهِّرين ..

 

 

 

 

أيها الأحبة المتطهّرون: النظافة ضرورة وليست ترفاً، وهي ليست محسوبةً من الكماليات التي يُلتفت إليها بعد الفراغ من الشواغل، بل هي شغلٌ هامٌ يزاحم الشواغل الأخرى على أوقاتها.

النظافة قيمةٌ حضارية من قِيمِ الحضارةِ الإسلامية، حثنا عليها ديننا قبل أن نراها ماثلةً في الحضارات الحديثة. بل هي في حضارة الإسلام أشملُ وأدقُ وأوفى، فما ترك الإسلام شيئاً مما تستوجبه النظافة في صورة من صورها إلا وأمر به، وحين تغيب بعض معالم النظافة بين أبناء الإسلام فذلك محسوب من صور ضَعف الاقتداء بنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، إمامِ التوابين والمتطهِّرين.

إن عنايةَ الإسلامِ بالنظافة أعمُّ وأوفى؛ لأنه جمعَ للنظافة جميع أسبابها، ولأنه ألمَّ بأطرافها، فاعتنى بالنظافتين: نظافةِ الفرد في نفسه، ونظافة المجتمع في مُدنِه وبيئته، ولم يَدَعْ للفرد خِياراً أن يُبقيَ ما تقتضي النظافةُ إزالتَه، أو يهملَ ما تقتضي النظافةُ معالجتَه وتعاهدَه، وهو الاعتناء الذي لا تجده في الحضارات المادية اليوم، حيث عُنيتْ بالنظافة المدنية، وأهملت جوانبَ من النظافة الفردية، فتركَتْها لصاحبها يأخذ منها بقدر ما يقنعه، ويهمل منها ما يعارض مزاجه ونـزعتَه، فَلَهُ أنْ يُطيلَ أظفارَه، ويعفيَ شاربَه، ويطيلَ ما شاء من شعور بدنه؛ لأن المسألة عندهم داخلةٌ في حدود الحرية الشخصية.

وليس الأمر كذلك في ديننا، فما يراه الإسلام داخلاً في معنى القذارة يجب أن يُزال، ولا يُترك للأمزجة الشخصية؛ ويمضي الإسلام في تتبع ما توجب النظافةُ إزالته أو تعاهده من أعضاءِ الجسد وغضونه حتى لا يصبحَ مَباءَةً للأوساخ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، وحلق العانة، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط". الفطرة: السنة القديمة التي أمر بها الأنبياء، وكأنها أمر جِبِلِّي فُطروا عليها.

وعن أنس بن مالك قال: "وقَّتَ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط أربعين يوماً".

وفي البدن أعضاء لا بد أن تُغسل مرَّاتٍ كلَّ يوم وليلة. والغُسل من الجنابة واجبٌ، وأقل الغسل الواجب مرةٌ واحدةٌ في كل أسبوع: ‏"حَقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده" متفق عليه.

والتجمُّل بتوفير شعر الرأس مشروع، ولكن بشرطه، وهو أن يتعاهدَه غَسلاً وتسريحاً، وإلا فليحلِقْه أو ليُقصِّرْه، ولا يتركه مَباءة للأوساخ والأقذار. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- جالساً مرة بين اصحابه في مسجده، فدخل عليهم رجلٌ ثائرُ الرأسِ واللحيةِ، فأشار إليه -صلى الله عليه وسلم-‏ ‏بيده أن اخرج، ‏كأنه‏ ‏يعني إصلاحَ شعرِ رأسه ولحيته،‏ ‏ففعل الرجلُ، ثم رجع، فقال -صلى الله عليه وسلم-‏: "‏أليس هذا خيراً من أن يأتيَ أحدُكم ثائرَ الرأس كأنه شيطانٌ" أخرجه مالك في الموطأ.

وللفم حظُّه من هذه القيمة الحضارية في الإسلام، فمن السنةِ المبالَغةُ في المضمضةِ والاستياك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تسوكوا؛ فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، ولقد أوصاني جبريل بالسِّواك حتى خشيت أن يفرض عليَّ وعلى أمتي"، فأخذ -صلى الله عليه وسلم- بالوصية، فكان لا يقوم من الليل إلا تسوك، ولا يقوم لصلاة ولا لوضوء إلا تسوك، وكان لا يدع السواك حتى وهو صائم، فكان يستاك وهو صائم ما لا يُحصى كثرةً.

ويدخل في معنى السواك كل ما يُنقي من أدوات تنظيف الأسنان، إذ المقصود تنظيفها وتطهيرُ الفم.
ومن أكلَ شيئاً حتى وُجدتْ منه رائحةٌ كريهةٌ يتأذى منها الناسُ فهو ممنوع من حضور الصلاة في المسجد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربنّ مسجدنا حتى يذهبَ ريحُها؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس". وفي حكم الثوم والبصل كلُّ ما له رائحة كريهة، فالعبرة بتأذِّي الناس. على أنه من أكل شيئاً من ذلك تحايلاً لإسقاط وجوب الجماعة، فهو آثم بتحايله، منهيٌ عن حضورها بفعله.

هذه بعضٌ من صور عناية الإسلام بنظافة الفرد في نفسه، وهي وإن كانت فروع من فروع، دون الأصول والأولويات بمراتب؛ إلاَّ أنه ينبغي ألا يمنعنا الحياء أن نتعلم هذه الدقائق من الآداب، ونعلِّمها أولادنا وأهلينا، ولو لَـمَزَنا بها الآخرون؛ أخرج مسلم عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن بعض المشركين قال له: علَّمكم نبيكم كل شيء حتى الخِراءة؟ أي: قضاء الحاجة. قالها استهزاءً وسخريةً، فقال: "أجل! لقد نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، وأن نستنجيَ باليمين، وأن نستنجي برجيعٍ أو عظم".

وفي الوقت متسع لكل تشريعات الإسلام: إصولِه وفروعه، ثم تنفرد الأصول بالجهد الأكبر، والوقت الأوسع، والاهتمام الأَوْلَى.

بارك الله لي ...

 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات