الغضب - ملف علمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

فيا أيها المسلمون: اغضبوا لمآسيكم، اغضبوا لجراحكم النازفة، اغضبوا لنسائكم المغتصبة، اغضبوا لأراضيكم المحتلة، اغضبوا لكرامتكم المبعثرة، اغضبوا لإسلامكم الملوثة سمعته، اغضبوا وثوروا، لتتقد عيونكم شررًا، ولتنفجر حناجركم صياحًا، أَخْرِجوا إلى العلن ما كُتِم في صدوركم دهرًا من قهر وكمد وكبت على ظلم وعدوان وتجبر!...

إن حال المسلمين اليوم مع انفعال "الغضب" لحال عجيب؛ يغضب أحدهم لموقف سيارته أن يقف فيه غيره بسيارته، ولا يغضب إذا ما احتل كافر بلدًا كاملة من بلاد المسلمين! ينفعل ويغضب ويثور إذا ما ضرب ولدُ جاره ولدَه، ولا تهتز منه شعرة وهو يرى الآلاف من أبناء دينه يذبحون ويقتَّلون في بلاد الكفر والإلحاد! تثور ثورته ويغضب ويقذف بالزبد إذا ما أخذ أحد دوره في صف (طابور) خبز أو ما سواه، ثم هو لا يغضب ولا يتأثر وهو يسمع استغاثات أخواته المسلمات وهن يهتك عرضهن ويعتدي على شرفهن مجرمٌ غاشم كافر ظالم! ينزعج وينفجر غاضبًا إذا ما رفع جاره صوت مذياعه فأيقظه من نومه، ولا يطرف له طرف وهو يعلم أن من إخوانه المسلمين من يوقظه تساقط القنابل والبراميل المتفجرة وصوت الطائرات وهي تُغِير على حيه وتدمر مسكنه!  

يغضب على مسلم مثله ويغضب على جاره وعلى ولد جاره وهو مأمور في هذه المواقف أن يحلم ويصبر ويكظم غيظه ويعفو ويصفح! ثم هو لا يغضب على عدو دينه على كافر معتدٍ على محتل بغيض مع أنه مأمور في هذه الحال أن يثور ويقاوم ويغضب ويدافع ويرد الاعتداء بمثله!   فما لكم -أيها المسلمون- قد قلبتم الموازين ووضعتم الحلم في موضع الغضب واقحمتم الغضب في موضع الحلم!  

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى 

 

مع إخواني المسلمين يكون الصفح والعفو والمودة والحلم والصفاء والأخوة والرحمة والتجاوز والإغضاء مطلوبًا ومستحبًا ومندوبًا إليه، بل وقد يكون -في بعض الأحوال- واجبًا وفريضة ولازمًا، وإن فضل العفو عمن ظلمك من المسلمين وكظم الغيظ عند الغضب من مسلم مما يدخل صاحبه الجنة؛ فعن معاذ بن أنس الجهني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء"(الترمذي).   بل إن الحلم عن أخطاء وإساءات إخوانك هو مما أمر الله به - وكذا أمر به رسوله صلى الله عليه وسـلم-، فأما القرآن الكريم فقد قال في موضع مدح: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134].  

 

وتمالك النفس عند الغضب علامة وأمارة على القوة والجلد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنـه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(متفق عليه).   وهو طريق إلى العز والرفعة والظفر: فعن أبى هريرة أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"(مسلم).   والله -عز وجل- يجزي على العفو والصفح بأجر عظيم لا يعلم قدره إلا هو -سبحانه وتعالى- فهو القائل: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: 40]، ثم قال -عز من قائل- بعدها: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43] ثم إن فضائل وبركات العفو والصفح وكظم الغيظ لا تكاد تنحصر.

 

 وموضع الغضب الشرعي الواجب هو على الظالمين المعتدين وعلى الكافرين الملحدين الجائرين، فيُمدَح ها هنا الغضب، ويذم ها هنا الخنوع، ويصير الصبر ذلة، والحلم مهانة، وخفض الجناح رضا بالدون، والصفح جبن وخور...   فهل منطقيٌ وطبيعيٌ أن يضع المحتل حذاءه على رؤوسنا وسيفه على رقابنا ويتسلط على أعراضنا، ثم نرفع له غصن الزيتون ونطلق له حمام السلام!! هل من النخوة والشرف أن يوسعنا سبًا ويلهب ظهورنا سوطاً ويبعث علينا جلاديه ثم نلوح له بالرضى والتعايش.  

 

نكرر: إن للغضب موضعًا وإن للحلم موضعًا آخر، فإذا ما وضع الغضب في موضع الصفح، قلنا: "الشيطان مع الغاضبين"، ودليلنا: ما رواه أبو هريرة أن رجلًا شتم أبا بكر والنبي -صلى الله عليه وسـلم- جالس، فجعل النبي -صلى الله عليه وسـلم- يعجب ويتبسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي -صلى الله عليه وسـلم-  وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت!! قال: "إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان"، ثم قال: "يا أبا بكر ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله -عز وجل- ألا أعز الله بها نصره..."(أحمد).  

 

والعكس بالعكس؛ فإنه إن استُخدِم الحلم والعفو والصفح في موضع يجب فيه استعمال الغضب والثأر والقوة، فساعتها نقول: "إن الشيطان مع القاعدين"، ودليلنا حينئذ قول رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال، فعصاه فجاهد"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن فعل ذلك كان حقًا على الله -عز وجل- أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقًا على الله -عز وجل- أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقًا على الله أن يدخله الجنة"(النسائي).   

فيا أيها المسلمون: اغضبوا لمآسيكم، اغضبوا لجراحكم النازفة، اغضبوا لنسائكم المغتصبة، اغضبوا لأراضيكم المحتلة، اغضبوا لكرامتكم المبعثرة، اغضبوا لإسلامكم الملوثة سمعته على أيدي المجرمين الطغاة.   ويا أيها الموحدون: توازنوا، فقد آن الأوان أن نصحح نصاب الأمور؛ فنضع الحلم في موضعه والغضب في موضعه، آن الأوان أن ينطبق علينا قول الله -عز وجل-: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29].   

 

ولست أنا أول من يقول ذلك، ولست آخر من سيقوله، وإنما أنا مجرد مقرر لما قاله علماؤنا، ومكرر نادى إليه خطباؤنا، ومؤكد على ما أصَّله كُتَّابنا، وقد جمعت بعضًا من ذلك كله بين دفتي هذا الملف العلمي الذي أسأل الله -تعالى- أن ينفع به..

المحور الأول: الغضب وأسبابه، وأنواعه:
المحور الثاني: الآثار السيئة للغضب المذموم:
المحور الثالث: وسائل معالجة الغضب:
المحور الخامس: إحالات وكتب ومراجع:
المحور الرابع: مسائل متعلقة بالغضب:
العنوان
خطب لا تغضب 2011/02/22 387 91 0
خطب ساعة الغضب 2013/04/07 3058 621 174
خطب آفة الغضب 2014/04/17 264 92 0
خطب لا تغضب 2014/04/24 11542 742 35
خطب الغضب أنواعه ومخاطره وسبل الوقاية منه 2017/04/29 4877 310 6
خطب الغضب بين الذم والمدح 2017/10/14 3470 18 3
مقالات الغضب أنواعه ومخاطره وسبل الوقاية منه 2019/03/18 403 0 1
مقالات أنواع الغضب وأحكامه 2019/03/18 870 0 0
مقالات حقيقة الغضب‏ 2019/03/18 928 0 0
مقالات من يبيعني غضبا فأشتريه؟! 2019/03/18 573 0 2
فتاوى الغضب المحمود والغضب المذموم 2019/03/18 1071 0 0
فتاوى حكم الغضب والمشاجرة من أجل منع أخذ المال بغير حق 2019/03/18 777 0 0
فتاوى حكم رمي المصحف على شخص بسبب الغضب منه 2019/03/18 825 0 0
فتاوى نوبات التوتر والغضب الشديد أثرت على حياتي.. فكيف أتخلص منها؟ 2019/03/18 1112 0 0
صوتيات وفديوهات الغضب المحمود والغضب الغير محمود - الشيخ د. عثمان الخميس 2019/03/18 0 0 0
صوتيات وفديوهات آفة الغضب 2 : مظاهر الغضب وأسبابه وكيفية علاجه - الشيخ سعيد رسلان 2019/03/18 0 0 0
صوتيات وفديوهات أنواع البشر عند الغضب - د. عمر عبد الكافي 2019/03/18 0 0 0
صوتيات وفديوهات ما هو الغضب المحمود والغضب المذموم؟ - الشيخ ابن عثيمين 2019/03/18 0 0 0
ندوات وحوارات الغضب - الشيخ إبراهيم الحارثي 2019/03/18 0 0 0
ندوات وحوارات أسباب الغضب - الشيخ سعد اين عتيق العتيق 2019/03/18 0 0 0
ندوات وحوارات الغضب - الشيخ محمد سعيد رسلان 2019/03/18 0 0 0
ندوات وحوارات لا تغضب - لفضيلة الشيخ سعد أبو عزيز 2019/03/18 0 0 0
دراسات وأبحاث 40 موقف غضب فيها النبي 2019/03/18 827 840 3
دراسات وأبحاث الغضب 2019/03/18 305 0 0
دراسات وأبحاث حديث لا تغضب- دراسة حديثية دعوية نفسية 2019/03/18 731 0 0
دراسات وأبحاث لا تغضب 2019/03/18 746 0 0
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life