الرفق بالحيوان - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

والرجل والمرأة الأولى قد رحما حيوانًا حيًّا فرحمهما الله، أقول، بل يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ومن رحمه ميتًا رحمه الله كذلك، ففي الحديث: "من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة...

 سألوه: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟! فأجابهم -صلى الله عليه وسلم-: "نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر"، هكذا قرر رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- مبدأ الرفق بالحيوان في هذه الكلمات القلائل، فإن الإسلام دين تتسع دائرة الرحمة فيه فتشمل جميع المؤمنين ثم جميع البشر مؤمنين وكافرين، ثم ما تزال تتسع دائرة رحمته حتى تتخطى الجنس البشري لتشمل الحيوان الأعجم وجميع الخلائق أجمعين.   فتمام هذا الحديث الذي ذكرنا نهايته يرويه أبو هريرة فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له" قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: "نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر"(متفق عليه)، فسقياه لكلب رحمه، أوجبت له رضا الله عنه وغفرانه له.  

 

وهذه امرأة آثمة؛ كانت زانية تسعى بفرجها، لكنها رقَّت -هي الأخرى- لكلب ظمآن كما رقَّ له ذلك الرجل، فكان أن تاب الله عليها وغفر لها برحمتها ذلك الحيوان، يقص علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- قصتها فيقول: "بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به"(متفق عليه)، وهذه البغي لم تتعن كما تعنى الرجل؛ فقد نزل إلى البئر ليسقي الكلب، أما هي فلم تنزل، بل ربطت خفها بخمارها ثم دلته إلى البئر فملأته، ففي إحدى روايات البخاري: "غُفر لامرأة مومسة؛ مرت بكلب على رأس ركي يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك"، ومع ذلك فقد تقبلها الله في التائبين، فمغفرة الله لها متعلقة بما في قلبها من الرفق بالحيوان والرحمة به، لا بسبب المجهود البدني.   وهذه امرأة أخرى لكنها على العكس من الأولى؛ قد نزعت الرحمة من قلبها فحبست قطة بدون طعام ولا شراب حتى ماتت، فكان جزاؤها جهنم، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"(متفق عليه).   والرجل والمرأة الأولى قد رحما حيوانًا حيًّا فرحمهما الله، أقول، بل يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ومن رحمه ميتًا رحمه الله كذلك، ففي الحديث: "من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة"(رواه البيهقي في شعب الإيمان).  

***  

إن الحيوان ضعيف لا يستطيع التعبير عن نفسه ولا عما يحتاجه ولا ما يؤذيه... تمامًا كالطفل في شهوره الأولى، فهو كالأسير بين أيدينا... لذا فقد اهتم به الإسلام أيما اهتمام ورعاه أيما رعاية، فمن يطالع كتب السنة والسيرة يجد قائمة طويلة من المأمورات والمحظورات تخص الحيوانات وحدها بمختلف أنواعها، وهاك نماذج لتلك المحظورات:   فمحظور اتخاذ ظهورها مقاعد يُجلس عليها، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم"(رواه أبو داود)، بل لقد وقعت واقعة تكلمت فيها بقرة واعترضت بلسان فصيح على ركوب الرجل على ظهرها، فيروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أيضًا، فيقول: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس، فقال: "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث..."(متفق عليه).   ومحظور تجويعها وإتعابها وتحميلها ما لا تطيق، فعن عبد الله بن جعفر أن جملًا لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حن إليه، وزرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفرته فسكن، فقال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" قال: فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه"(رواه الحاكم في المستدرك).  

 

ومحظور إيذاؤها بوسمها في وجهها، فعن جابر قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه"(رواه مسلم)، وفي لفظ لمسلم أيضًا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر عليه حمار قد وسم في وجهه، فقال: "لعن الله الذي وسمه"، والوسم: أثر كية بالنار.   ومحظور أن يقام الحيوان ليُتعلَّم عليه الرماية، فعن هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: دخلت مع جدي أنس بن مالك دار الحكم بن أيوب، فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها، قال: فقال أنس: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُصْبَر البهائم"(متفق عليه)، قال العلماء: صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه... وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضا"(رواه مسلم)؛ وغرضًا: هدفًا يرمى عليه... وفاعل ذلك ملعون -والعياذ بالله-، فعن سعيد بن جبير قال: مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: "من فعل هذا؟ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من فعل هذا"(رواه مسلم).

  ***  

وهذه قائمة أخرى من المأمورات الخاصة براحة الحيوانات والرحمة بالحيوانات، فمنها: إحسان ذبحها بإحداد السكين، وليس أمام أعينها، وإضجاعها وإراحتها، فعن شداد بن أوس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته"(رواه مسلم)، وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلًا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتريد أن تميتها موتات؛ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها"(رواه الحاكم).   ومنها: أن يقلِّم من أراد حلب بهيمة أظافره كي لا يخدش ضرعها، فعن سوادة بن الربيع قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر لي بذود، قال: "إذا رجعت إلى بيتك، فقل لهم فليحسنوا أعمالهم، ومرهم فليقلموا أظفارهم، ولا يخدشوا بها ضروع مواشيهم إذا حلبوا"(رواه الطبراني في الكبير)، فسوادة أتى من سفر مع رفاقه فمكثوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أيامًا يتعلمون دينهم، فلما أرادوا العودة إلى ديارهم أراد أن يوصيهم، فانظر بما أوصاهم الرحمة المهداة -صلى الله عليه وسلم-، لقد أوصاهم بحيواناتهم.   ومنها: أن يهتم بإطعام بهائمه وبصحتها، فعن سهل ابن الحنظلية قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة"(رواه أبو داود).  

***  

وننطلق الآن من الرفق بالحيوان إلى الرفق ببني الإنسان، فننادي على بلاد تعتني بالحيوان وتنافح عنه، وتملأ الأرض بكاءً وعويلًا على ظبي قد علقت ساقه بين غصنين فتأذَّى!... ننادي على حكومات ترسل بالطائرات والفرق المجهزة لإنقاذ بقرة وحشية في جوف غابة كادت أن تسقط من على قمة جبل!... ننادي على جمعيات أقيمت للرفق بالحيوانات ورُصدت لها الآلآف والملايين!... ننادي على الشعوب والحكومات والرؤساء والملوك والأمراء... أنْ ارفقوا ببني البشر كما ترفقون بالحيوانات.. إن من المسلمين من يبادون بالقنابل والدبابات.. إن من المسلمين من يموت جوعًا وعطشًا وعريًا.. إن من المسلمين من ينتحب حزنًا وكمدًا على عزيز مات أو على ساق بترت أو على كرامة امتُهنت... إن من المسلمين من يبيت في العراء تنزف منه الدماء... ألا ليتكم ترحمونهم كما ترحمون الحيوانات.  

 

 وها هي مجموعة من الخطب جمعناها لنرى كيف يرفق الإسلام بالحيوان، ثم نتأمل ونتساءل: إن كانت هذه رحمة ديننا بالحيوان، فكيف تكون رحمته بالإنسان؟! فإليك هذي الخطب.  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
العنوان
الرفق بالحيوان 2015/01/21 18410 734 49
الرفق بالحيوان

مهما رفعَ العالَمُ الغربيُّ والشَّرقيُّ شعارَ حقوقِ الحيوانِ وجعلوا لها الجَمعيَّاتِ .. فلن يجدوا مثلَ الإسلامِ ضمنَ للحيواناتِ حُقوقَها كما ضمنَ لكلِّ شيءٍ حَقَّه .. فها هو نبيُّ الإسلامِ والإمامُ الأعظمُ يسمعُ لشكوى جَمَلٍ، ويمسحُ عنه العَرقَ، ويُعاتبُ صاحبَه، ويحفظُ له حقَّه في الأكلِ وفي الرَّاحةِ .. ومنه ما ذَكَرَه سَهْلُ بنُ عمرو -رضيَ اللَّهُ عنه-: أن رسولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- مرَّ ببعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ ببطْنِهِ فقالَ: "اتَّقُوا اللَّه في هذه الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكبُوها صَالِحَةً، وكُلُوها صالحَةً" .. فلم يتقِّ اللهَ –تعالى- من لم يُحسنْ إلى هذه الدَّوابِ التي خلقَها –سبحانَه- لمنافعَ عظيمةٍ ...

المرفقات

بالحيوان

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life