عناصر الخطبة
1/كثيرة هي نعم الله ومن نعمه الأنعام والحيوان وتسخيرها للإنسان 2/ضوابط الانتفاع بالحيوان وبعض الآداب والأحكام المتعلقة بها.اقتباس
ومن تعذيب الطير والحيوان المحرم اتخاذها وهي حية وسيلة للتدريب على الإصابة بالسلاح؛ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
أمتن الله علينا بأن أباح لنا ما على ظهر الأرض؛ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)[البقرة: 29]، ومن ذلك الحيوانات؛ سواء كانت تمشي على الأرض أو تطير في السماء أو تسبح في الماء فكل ما في الكون مسخر لأبني آدم تشريفا لهم وإظهارا لقدرهم على بقية المخلوقات؛ (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ)[يس: 72].
فالحيوان الضخم كالإبل يقوده الطفل الصغير ويتحكم فيه؛ (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)[النحل: 80].
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 14]، وحينما سخر الحيوان لبني آدم لينتفعوا به جعل ذلك محكوما بضوابط شرعية وفي هذه الدقائق أتناول بعض المسائل المتعلقة بالحيوان:
الإحسان إلى الحيوان عبادة وقربة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر"(رواه البخاري (2363) و مسلم (2244).
حتى حين الذبح أمرنا بالإحسان إليها وعدم تعذيبها؛ فعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"(رواه مسلم (1955).
والإساءة إلي الحيوانات والتسبب في موتها بغير حق معصية؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"(رواه البخاري (3318) ومسلم (2242).
فليحذر من يطارد الكلاب والقطط ويعتدي عليها بغير حق بالضرب أو القتل وليحذر الآباء حينما يشترون لأولادهم الصغار طيورا أو حيوانات أليفة ثم لا يتابعونهم في رعايتهن فربما ماتت جوعا أو عطشا؛ فالإثم على الأبوين المكلفين وليس على الصغار.
ومن تعذيب الطير والحيوان المحرم اتخاذها وهي حية وسيلة للتدريب على الإصابة بالسلاح؛ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا"(رواه البخاري (5514) ومسلم (1958).
لكن يجوز تدريب الطيور الصيادة كالصقر على صيد الحيوان الحي لأنه لا يمكن تعليمها إلا بذلك؛ سئل الشيخ محمد العثيمين في لقاء الباب المفتوح (182/ 21):
هل يجوز تدريب الصقور على حمام حي؟
فأجاب: إذا كان لا يمكن الوصول إلى الانتفاع به إلا بهذه الطريقة وهي حية فلا بأس، أما إذا كان يمكن ولو بطريقة بعيدة فلا يجوز إيذاؤها...لا بأس به إذا لم يكن إلا بهذا.
والأصل هو حرمة الاعتداء على الحيوانات وإنما أباح الشارع قتل حيوانات معينة لأن طبعها الإفساد والأذى؛ فعن عائشة رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ - أي الذي يجرح -"(رواه البخاري (1829) ومسلم (1198).
فهذه الحيوانات تقتل مطلقا؛ لأن طبعها الإفساد وأذى الآدميين وتقاس عليها بقية الحيوانات المؤذية التي تعتدي على الناس وتأكل حيواناتهم كالذئب، وكذلك وورد الأمر بقتل الكلب الأسود فعن جابر -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنْ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ"(رواه مسلم (1572).
فالحيوان الذي لا يؤذي ولا ينتفع به في الأكل نهى الشارع عن قتله؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ"(رواه الإمام أحمد (3057) وغيره بإسناد صحيح).
وإذا آذى الحيوان كالقط مثلا يأكل الحمام ولا يمكن دفع أذاه إلا بالقتل جاز قتله، وكذلك النمل إذا أذى سواء كان الأذى بإفساد الطعام أو بحفر المساكن لكن يقتل المؤذي فقط؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً"(رواه البخاري (3319) ومسلم (2241).
الخطبة الثانية:
الحمدلله .....
ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اقتناء الكلاب من غير حاجة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ"(رواه البخاري (2322) ومسلم (1575).
وإذا كان الباعث على اقتنائها التشبه بالكفار؛ فالإثم أعظم يزد على ذلك إثم التشبه لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(رواه الإمام أحمد (5093) بإسناد حسن).
ويحرم بيع الكلب ولو كان معلما وكذلك القط؛ فعن أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ قَالَ: "زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ"(رواه مسلم (1569)؛ فمن استغنى عنهما بذلهما من غير مال.
يجوز أن يستمتع الصغار المميزون بالطيور الحية بخلاف غير المميز؛ لأنه ربما تسبب في موت الطائر وسواء كان الطير في قفص أو خلي بين الصغير وبينه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَلَهَا ابْنٌ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ وَكَانَ يُمَازِحُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَزِينًا فَقَالَ مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينًا فَقَالُوا مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ قَالَ فَجَعَلَ يَقُولُ أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"(رواه الإمام أحمد (12545) واللفظ له والبخاري (6129) ومسلم (2150).
قال ابن القاص في شرحه لهذا الحديث ص27: تركُ النبي -صلى الله عليه وسلم- النكير بعد ما سمع ذلك دليل على الرخصة في اللعب للصبيان... وفيه دليل على إمساك الطير في القفص.
ومن لطائف الفوائد التي ذكرها ابن القاص في شرحه لهذا الحديث قوله: وفيه دليل على أن إنفاق المال في ملاعب الصبيان ليس من أكل المال بالباطل... إذا لم يكن من المناهي المنهية.
البعض يأوي إلى بيته حمام ولا يعرف مالكه والفقهاء ينصون على أن ما يمتنع من صغار السباع بطيرانه كالطيور كلها حكمه حكم الإِبل؛ فيحرم التقاطه لكن إن حصل منها ضرر كتلويث البيت والجدران ولم يمكن طردها يجوز أخذها، ويضمن صاحب البيت قيمتها.
قال الشيخ محمد العثيمين ثمرات التدوين ص228: الحمام الشارد الذي يأوي إلى البيوت ولا يعلم صاحبه، أرى أن يقدر قيمته ويتملكه ويتصرف فيه بما شاء، ويتصرف بقيمته عن صاحبه فهو إلى لقطة الإبل أقرب.
لمخالطة الحيوان أثر على سلوك الشخص؛ فربما اكتسب من مخالطتها غلظة وقسوة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ"(رواه البخاري (3499) ومسلم (52).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (1 /204): الفدادون المكثرون من الإبل الذين يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف، يقال للرجل: فداد إذا بلغ ذلك وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء. أهـ.
وإذا قصد بجمع الحيوان وتكثيره التفاخر على الناس والاستعلاء عليهم؛ فهي وزر عليه يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ... وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ..."(رواه البخاري (7356) ومسلم (987).
وربما اكتسب الإنسان من مخالطته لبعض الحيوانات رقة وحلما وعودته على الصبر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ"(رواه البخاري (2262).
فالغنم فيها ضعف فهي بحاجة إلى حماية وعناية فيتعلم من يتعامل معها الرحمة والصبر والحلم، ولذا كانت بداية الأنبياء برعي الغنم لتأهيلهم لرعية أممهم والله أعلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم