اقتباس
يا باني الأجيال: إن لنا أمل في صلاح أمتنا، وصلاحها يبدأ من عندك، وحلمنا: أن تعود حضارتنا، وعودتها لا بد أن تبدأ بك، وأمنيتنا: أن تتحقق نهضتنا ورفعتنا ولا يكون ذلك بدونك، فإن أول كل إصلاح ونشأة كل حضارة وبداية كل نهضة لا تكون إلا بالعلم، ومن لدنك يبتغي أولادنا العلم، ومن عندك تستقي أجيالنا العلم، فبالعلم يعود مجدنا وعزنا ومُلكنا...
رحمك الله يا شوقي يا أمير الشعراء يا من أطلقتها أبياتًا يتغنى بها الخطباء في كل محفل:
قم للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولًا
أرأيت أعظم أو أجلَّ من الذي *** يبني وينشئ أنفسًا وعقولًا؟!
إن المهندس المعماري يبني وينشئ العمارات والقصور الفارهات، وإن الفلاح والخبير الزراعي يبنيان التربة الصالحة التي تنبت الزرع والكلأ، وإن المدرب الرياضي يبني الأجساد القوية الفتية... لكن الأفضل والأجل من هؤلاء جميعًا هو المعلم المربي الذي يبني وينشئ القلوب والعقول ويشكِّل الوجدان والشعور... وقد يعترض معترض على قول شوقي: "كاد المعلم أن يكون رسولًا"؛ فيتعجب وأين منزلة المعلمين من منزلة المرسلين؟! ونجيبه: أوما علمت أن المعلم لا يكون معلمًا بحق ما لم يكن عالمًا! فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يعلِّم وهو غير عالم؟! فالمعلم غيره لا بد قبلها أن يكون عالمًا، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" (الترمذي)، فلا عجب أن تأتي منزلة العالم العامل المعلم بعد منزلة الأنبياء والرسل. لكن الناظر إلى حال كثير من المعلمين اليوم يتأسف ويتحسر؛ تُرى ماذا يُعلِّم النشءَ جاهلٌ؟! تُرى هل ينير الطريق للأجيال أعمى؟! تُرى هل يسابقهم إلى الهدى أعرج أو أشل؟! حتى لقد قسى أحدهم على معلمي اليوم فعارض شوقي قائلًا:
قم بالـمــعــلــــم واترك التبجيلًا *** كاد المعلم أن يضل سبيلًا
ضاقت عليه حياته وتكدرت*** بالله كيف ينير بعد عقولًا
ولهذا هو الآخر نقول: لا تنظر إلى نصف الكأس الفارغ فتكون متشائمًا محبطًا، ولكن انظر إلى نصفه الممتلئ لتصبح متفائلًا مستبشرًا، فإن من المعلمين من هم من العلماء الأفذاذ الفطناء الأذكياء المخلصين لله المتبعين سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-...
نقول له ذلك بألسنتنا -وهو حق وصدق-، لكننا في قرارة نفوسنا نتساءل: وما نسبة هؤلاء المعلمين المخلصين؟! ما عددهم إذا ما قورنوا بأكوام الغافلين المضيعين؟! لا شك أن المخلصين منهم في عصرنا هذا قليل قليل قليل! والأغلب لاهون سادرون في غيهم ما عندهم إلا قشور من علم! ولكأنها نبوءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تتحقق في عصرنا: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل" (متفق عليه)...
وهي رسائل صغيرة سريعة نوجهها إلى إخواننا المعلمين المربين ونحن نوقن أن فيهم بذور الخير مشتاقة أن تروى بماء التذكير فتنبت الأزهار والثمار اليانعة: أيها المعلم الفاضل: يا سعدك ويا هناءتك إن ربيت وعلَّمت لوجه الله -تعالى-، إنك إذًا لمن الفائزين الناجين الحائزين للأجور العظيمة من الله -عز وجل-، أليس قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" (مسلم)، فإنك إن ربيت طلابك وتلاميذك على الهدى والخير وعلَّمتهم سبل الحق وحذَّرتهم من الضلالة والغي وأقمتهم على صراط الله... كان لك مثل أجورهم طوال أعمارهم طالما عاشوا على ما علَّمتهم، بل ومثل أجور من علَّموهم الذي علَّمتهم إياه إلى يوم القيامة، فيا له من باب أجر لا ينقطع! وأعيذك -أيها المعلم الفاضل- من عكس ذلك؛ أن تكون لهم قدوة سيئة تدعوهم بفعلك أو بقولك إلى ضلال أو خنا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في نفس الحديث السابق: "ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" (مسلم)، وهو باب شر لا ينقطع كذلك!
أيها المربي القدير: إن هؤلاء الأطفال أمانة في عنقك، فهم أوعية فارغة قابلة أن تملء بخير أو بشر، أهلوهم قد ائتمنوك عليهم واضعين ثقتهم فيك، آملين أن يخرجوا من تحت يديك وقد ازدادوا هدى وإيمانًا ونورًا... فلا تخيب رجاءهم فيك، ولا تخن الأمانة التي استودعك الله إياها، وتذكَّر قول الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]. أيها المعلم المربي: إنك حين تُهمِل أو تُقصِّر فإنك لا تحمل إثم أفراد وإنما تحمل وزر أمة؛ فمن تحت يديك يخرج الطبيب الذي يعالج الأمراض بعلمه أو يقتل النفوس بجهله، ومن تحت يديك يتخرج المهندس الذي يشيد ويقيم المنشآت والجسور فتعيش قرونًا من الزمان إن راقب فيها الله، أو تنهار فتزهق الأرواح البريئة إن زرعت أنت في قلبه الغش والهوى! ومن تحت يديك يخرج الضابط الذي يحفظ الله به الأمن ويرد به كيد العدو إذا أغار على البلاد... هذا إن أحسنت أنت إعداده وراقبت الله في تربيته وتعليمه، وإلا كان الضابط الذي يُفسد عن قدرة، ويفر إذا ما هاجمنا الأعادي!... وهكذا... فهل دريت أنك إن خنت فقد خنت أمة لا أفرادًا! يا باني الأجيال: إن لنا أمل في صلاح أمتنا، وصلاحها يبدأ من عندك، وحلمنا أن تعود حضارتنا وعودتها لا بد أن تبدأ بك، وأمنيتنا أن تتحقق نهضتنا ورفعتنا ولا يكون ذلك بدونك، فإن أول كل إصلاح ونشأة كل حضارة وبداية كل نهضة لا تكون إلا بالعلم، ومن لدنك يبتغي أولادنا العلم، ومن عندك تستقي أجيالنا العلم، فبالعلم يعود مجدنا وعزنا ومُلكنا:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم *** لم يبن ملك على جهل وإقلال
فهيا: قم إذن، فضع يدك في أيدينا، واعقد العزم أن تنهض بالأمة فتصنع من أجيالها الناشئة أبطالًا في كل الميادين، مخبتين لله متعلقين بجنبه، متبعين للنبي -صلى الله عليه وسلم- مقتفين لآثاره، معتمدين العلم طريقًا والمعرفة سلاحًا، أحرارًا لا يرضون بالذل والهوان، أقوياء في الحق لا يخافون في الله لومة لائم... هيا لتنشئ جيلًا يحمل رسالة الإسلام ويبلَّغها إلى أنحاء الأرض، لقنهم حب الله فلا يبتغون إلا رضاه، وحب نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيتمنون لقياه، اسقهم كأس عزة بالله وبدينهم فلا يخجلون من شعائره ولا من شرائعه.
إننا جميعًا قد وضعنا أملنا -بعد الله- فيك؛ أن يحيي الله بك موتى، ويوقظ بك غافلين، ويبني بك ما انهدم من صرح حضارتنا... ومن أجلك، من أجلك أنت قد عقدنا هذا الملف العلمي؛ نذكِّرك بقيمتك ونؤسس لمكانتك، ونزودك بمواد تنشط عقلك وتشحذ همتك، وننادي في الناس كلها ليقدروا لك قدرك وينزلوك منزلتك، ونقدِّم لك نماذج للمربين والمعلمين الأفذاذ قديمًا وحديثًا... وقد جاء هذا الملف في أربعة محاور صوتها كالتالي: .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم