د. طه فارس
أولاً: الاهتمامُ بالأُسرة وعدمُ إهمالِهَا بسبب الانشغال بالتَّعلِيم:
لا ينبغي أن تدفع كثرةُ مُتَطلباتِ التَّعليم وأعباؤه المُعلِّمَ إلى التَّقصير بحقِّ أهلِهِ وأولادِهِ وزوجِه، مما قد ينعكس سلباً على حياته الاجتماعية، وتنشأ المشاكل الزوجيَّة نتيجةً لذلك، وقد تسوءُ تربيةُ الأولادِ بسبب الغياب الطويل للأب عن البيت، وانشغاله بمهامِّ عملِه.
فلذلك يجب على المُعلِّم (الزوجِ والأبِ) أن يُخصِّصَ لأسرته وأولادِه وقتاً مُحدَّدَاً في كلِّ يوم، يُلبِّي فيه حاجاتِهم الماديَّة والمعنويَّة، فيجلس معهم ويستمع منهم، ويحل مشاكلهم، ويبقى على علم وتواصل بكلِّ ما يدور في رِحاب أسرته[1].
ثانياً: ممارسةُ دورٍ فاعلٍ وبَنَّاءٍ في مسيرة الإصلاح للمجتمع:
المُعلم عضوٌ بارِز ومؤثِّرٌ في المُجتمع[2]، وهو مسؤولٌ أكثرَ من غيره عن بِنَاء المجتمع وتقدُّمِه وإصلاحِه، فلذلك ينبغي عليه أن يعمل ما في وِسعِه لتحقيق مطالبِ المجتمع الذي يعيش فيه، فيُقدِّمَ علمَهُ وخِبرَته في الحياة على أحسن وجه ممكن، ويعلم أنَّه مُعلِّمُ النَّاس مهما اختلفت أجناسُهُم وألوانُهُم ومعتقداتُهم.
كما ينبغي عليه أن يخالطَ النَّاس ويقيم معهم علاقات اجتماعية إيجابية نافعة، ويعيشَ همومَهُم وحاجاتهم ولا ينعزل عنهم، وأن يعاملهم بمكارم الأخلاق، وينمِّي فيهم حبَّ التَّعاون والعمل المشترك، ويبادلهم الرَّأي والمشورة، ويتشارك معهم في الأعمال الاجتماعيَّة والأنشطة الثقافيَّة والخيريَّة[3].
ثالثاً: بذلُ العِلمِ لكلِّ راغبٍ به من أبناء مجتمعه:
التَّربية والتَّعلِيم هما من أبرزِ وظائفِ ومهامِّ الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وقد أخبرنا اللهُ تعالى أنَّ بعثةَ النبيِّ الخاتم عليه الصلاة والسلام إنَّما كانت لتعليم النَّاس وتربيتهم، وإخراجِهم من ظُلمَة جهلهم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وأعلَنَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « إنَّ الله لم يبعثْنِي مُعَنتاً ولا مُتَعَنتاً، ولكنْ بعثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّرَاً»[4].
وقد أدَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رسالته في التعليم على أكملِ وجهٍ وأتمِّهِ، ولكي يضمن انتقالَ رسالته ومبادئه لأمته من بعده حَرَّم كتمانَ العلم وأخبر عن عقوبة ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِن نَّارٍ»[5].
ولذلك لا ينبغي للمُعلِّم أن يَكتُم عِلمَاً، ولا أن يبخلَ على سائل بإجابةٍ[6]، ولا أن يطلب مقابل علمه عِوضاً من الدُّنيا، خصوصاً إذا كان العلمُ ممَّا يتعلَّق بأمور الدِّين والعقيدة[7]، بل يَبُثُّ علمَهُ مُبتَغيَاً بذلك وجه الله تعالى[8]، فإن جاءه شيءٌ من الدُّنيا من غير مسألة منه ولا تَعَرُّضٍ أَخَذَهُ، فهو رزق ساقه الله تعالى إليه[9]، أمَّا أن يكون جمعُ المال والحصول على الرَّغبات دون بذلٍ وتضحيات غاية مطلبه، فهذا مما يَقدَحُ في إخلاصه وأمانته في أداء رسالته[10].
رابعاً: حَملُ هَمِّ أمتِهِ، ومشاركتُه الفاعِلَةُ في تحقيق آمالِهَا وتخيف آلامها:
أهميَّةُ المَوقع، وحَجمُ المسؤولية المُلقَاة على كاهل المُعلِّم، يُحتِّمَانِ عليه أن يدْرِكَ واقعَ أمتِهِ، فيسعى لتحقيق آمالها وتطلعاتها، كما يسعى لتخفيف آلامِهَا وأحزانِها، ولا ينفصل عن واقعه.
ولا يتحقق ذلك إلا ببذل ما يستطيعه من جهد لتسير أمتُهُ في طريق الإصلاح والارتقاء، ويبحث عن مكامن القوَّة في أمته فيبرزها ويغذيها ويقويها، وعن نقاط الضعف فيشارك في علاجها، التنبيه إليها، والتحذير من الوقوع فيها، وخاصة في مجال الأعمال الخيرية والدعوة إليها، والإسهام فيها[11].
[1] فقد قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت»، أخرجه أبو داود في الزكاة، باب: في صلة الرحم2/ 132برقم 1692 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ والحاكم في المستدرك 1/ 575 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وانظر كشف الخفاء 2/ 147.
[2] قد يكون الواقع خلاف ذلك، لأن بوصلة المجتمعات المتخلفة انحرفت عن مسارها الصحيح، إلا أن الحقيقة هي هذه، والمجتمعات إنما تعلو بقدر تحسن وارتفاع مستوى التعليم فيها. فليتأمل.
[3] فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر رضي الله عنهما ص140 برقم388؛ وأحمد في المسند 2/ 433 برقم5022؛ والترمذي في السنن 3/ 599 برقم 1308؛ وابن ماجه برقم 4032، وهو صحيح.
[4] أخرجه مسلم في الطلاق رقم 1478.
[5] أخرجه أبو داود في العلم برقم 3658؛ والترمذي في العلم واللفظ له، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ برقم 2649؛ وابن ماجه في المقدمة برقم 264.
[6] هذا في حال معرفته للجواب، وتأكُّده منه، وإلا فلا تجوز له الإجابة عما لا يعلم.
[7] فقد ذم الله تعالى علماء بني إسرائيل الذي أكلوا الدنيا بالعلم والدين فقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]، وقال يحيى بن معاذ: « إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما الدنيا» انظر: إحياء علوم الدين1/ 102، وقال ابن قيم في إعلام الموقعين 4/ 231: « أما أخذه الأجرة فلا يجوز له، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه، كما لو قال له: لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة، أو سئل عن حلال أو حرام فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة، فهذا حرام قطعًا ويلزمه ردُّ العوض ولا يملكه...».
[8] ولا يعني هذا أن لا يكون له وظيفة في ميدان تخصصه يتكسب منها ليكفي نفسه ومن يعول، بل المقصود هو ما يقدمه لمجتمعه في غير أوقات العمل من درس، أو استشارة، أو سؤال.
[9] ففي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ»، أخرجه الحاكم في مستدركه 2/ 71 برقم 2363 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 100 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير إلا أنهما قالا: من بلغه معروف من أخيه، وقال أحمد: عن أخيه، ورجال أحمد رجال الصحيح.
[10] « إن المعلمين الصالحين هم أولئك الذين يَعلَمُون ما لهم وما عليهم، بينما أهل الأهواء من المعلمين يعلمون فقط ما هو بصالحهم» انظر: نظم التعليم عند المسلمين لعارف عبد الغني ص160.
[11] وقد بيَّن لنا الحبيبُ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم أن أحب الخلق عند الله هو من ينفع عباده، فقال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أحب الناس إلى الله: « أنفعهم للناس، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً،..»، أخرجه الطبراني في الكبير والصغير والأوسط، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج برقم 36؛ قال الألباني عن الحديث في صحيح الجامع الصغير برقم 176: حسن.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم