اقتباس
إن استعراض مشاهد التاريخ التي ظهرت فيها يدُ الله تعالى قويةً، وإرادتُه نافذةً على عباده، لتبعث الأمل في نفوس المستضعفين من المؤمنين، أن الله تعالى يكيد لهم ليكبت عدوهم وينصرهم على الصادِّين عن سبيله، فمهما قلّت أعدادهم، ومهما ضعفت إمكاناتهم، فليعلموا أن الله تعالى معهم، ينصرهم ويؤيدهم بملائكته التي تجاورهم في ميدان المعركة، وليعلموا أنه -عز وجل- يكيد ويدبر لهم ليورثهم الأرض ومن عليها ..
منذ فجر التاريخ الإسلامي والأعداء لا يكلُّون ولا يملون من التخطيط لقمع هذا الدين والصد عن سبيله وفتنة معتنقيه، وفي سبيل ذلك يجمعون أموالهم ويبذلونها بطريقة هستيرية لمحاربته والكيد لأهله واجتثاثهم من بلدانهم وقتلهم وسجنهم، ورغم ذلك لم يُكلَّل سعيهم بالنجاح إلا بشكل نسبي، فكلما سددوا ضرباتهم إلى الصدر الإسلامي ازداد قوة وانتشارًا بين ربوع العالم، ورغم أنه قد تمر بالإسلام فترات يعاني فيها من حالات ضعف أو انزواء، إلا أنه يعاود الخروج للعالم بقوة، ينشر تعاليمه ويفرض احترامه حتى على غير المؤمنين به.
إن المنهج الإسلامي يستمد قوته من الله تعالى رب هذا الكون وخالقه، نعم قد تكون العصابة المؤمنة قليلة العدد والعدة والعتاد، ضعيفة التجهيزات العسكرية، محدودة الإمكانات الحربية، ولكنها تأوي إلى ركن شديد، تحتمي به، وتلقي عليه حمولها، ترتبط به ارتباطًا وثيقًا ليحقق لها النصرة والمنعة، تضع بين يديه أرواحها رخيصة فيحفظها ويعينها ويسدد خطاها، يدبر الله تعالى لها، ويمكر بأعدائها، ويفتك بمناوئيها، وينتقم منهم شر انتقام؛ ذلك أنهم عادوا أولياء الله الذين تكفل بحفظهم ونصرتهم.
إن الله تعالى يعلم مدى مكر الماكرين، ومدى خبثهم ودهائهم، يراه ويسمعه ويطلع عليه ويحيط به، فيمكر بهم بما لا يدور في خلدهم، ولا يخطر على قلبهم، فيأتيهم من حيث لم يحتسبوا، فيقذف في قلوبهم الرعب؛ ليكون الرعب جندًا من جنده -عز وجل-؛ يزهق به أرواح الأعداء، ويزلزل به كيانهم، ويقوّض به أركان ملكهم، وهذا من كمال تدبير الله تعالى ومكره بالأعداء.
ليس أكبر سلاح يحارِب اللهُ -عزّ وجل- به أعداءه ما في أيدي أوليائه من دبابات أو راجمات صواريخ أو مدافع أو غيرها، وإنما أكبر سلاح يقهر به العدو هو ما يعتمد عليه العدو نفسه من أدوات يظن أنها مانعته من الله ومن أوليائه، فكثيرًا ما سلط الله على أعدائه مطرًا يظنون فيه رحمة ونعمة، وكثيرًا ما سلط عليهم سلاحهم الذي يحتمون به فيكون سببًا في هلاكهم، وكثيرًا ما قُتل الأعداء بسلاحهم الذي يغنمه منهم المسلمون في حروبهم، وكثيرًا ما سلط عليهم عدوًا من أنفسهم فيخربون بيوتهم بأيديهم، وكثيرًا ما سلط عليهم الريح التي يفترض أن تحمل لهم الخير، وكثيرًا ما أنفق الكفار أموالاً ليصدوا بها عن سبيل الله ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون.. وهذا كله من مكر الله تعالى بأعدائه؛ ليثبت لهم أن معاداتهم للمؤمنين ليست معاداة شخصية، وإنما هي محاربة لله تعالى ورسوله.
إن استعراض مشاهد التاريخ التي ظهرت فيها يدُ الله تعالى قويةً، وإرادتُه نافذةً على عباده، لَتبعث الأمل في نفوس المستضعفين من المؤمنين، أن الله تعالى يكيد لهم ليكبت عدوهم وينصرهم على الصادِّين عن سبيله، فمهما قلّت أعدادهم، ومهما ضعفت إمكاناتهم، فليعلموا أن الله تعالى معهم، ينصرهم ويؤيدهم بملائكته التي تجاورهم في ميدان المعركة، وليعلموا أنه -عز وجل- يكيد ويدبر لهم ليورثهم الأرض ومن عليها، وعدًا عليه حقًّا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ). ومن أوفى بعهده من الله!!
إننا في مختاراتنا لهذا الأسبوع جمعنا من الخطب ما يرسخ الأمل في نفوس الناس، ويقوي العزيمة في قلوبهم، ويؤكد مدى العناية والاهتمام التي أوكلها الله -عز وجل- لعباده الصالحين، وتعهده لهم بالنصرة والمساعدة والمعونة، فهو سبحانه لا يترك عباده نهبًا لأعدائه وإن كانوا يفوقونهم في القوة والعتاد، ولكنه يعين عباده ويمدهم بمدده، ويحبط مخططات أعدائه بما ليس في حسبانهم، لذلك نؤكد في مختاراتنا هذه على هذا المعنى، سائلين الله تعالى أن يجعلنا ممن يستحقون دعمه وعونه، وأن يستخدما في نصرة دينه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم