عناصر الخطبة
1/ إنفاق المال حربا للدين يعود حسرة على الكافرين 2/ وفرة المال للكفار هو نقمة واستدراج 3/ توضيح مدلول الإرهاب 4/ الإرهاب الصليبي العدواني 5/ نصائح للحجاجاقتباس
لا غرابة إذن إذا شاهدتَ الكفار والعصاة والظلَمة يرزقون أموالاً كثيرة من منقولة وغير منقولة، فإن ذلك من قبيل الاستدراج، فهي بلا شك نقمة عليهم، لا نعمة لهم، لقوله -سبحانه وتعالى- في سورة الأعراف: (وَ?لَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـ?تِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:182].
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْولَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ * وَلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36-37].
أيها المسلمون: هذه الآية الكريمة من سورة الأنفال، وهي مدنية، ولها سبب نزول، فقد ذكرت كتب التفسير ما حصل قبل بدء معركة بدر، فإن اثني عشر رجلاً من قريش -ومنهم أبو جهل- قد كان الواحد منهم يقدم عشراً من الإبل، أي في كل يوم ينحرون مائة وعشرين جملاً، بهذا الإسراف والتبذير كان أهل قريش يتباهون للوقوف في وجه الدعوة الإسلامية.
وماذا كانت النتيجة؟ لقد كان ما قدموه ندامة وأسفاً لفوات هذه الأموال من غير فائدة، وفي غير محلها. أي كانت أموالهم عليهم حسرة لأنهم قصدوا الصد عن سبيل الله وقصدوا محاربة المسلمين، والحسرة كما يقول علماء اللغة هي أشد درجات الندم والغم على ما فات.
أيها المسلمون: هل الأموال والثروات والطاقات التي بأيدي الكفار والظُـلّام والمتكبرين والمتغطرسين، هل هي نعمة لهم أم نقمة عليهم؟ وما الحكمة في أن الله يرزقهم أرزاقاً متعددة ومتنوعة يسيطرون بها على العالم؟.
والجواب: أولاً: إن الله -عز وجل- يرزق من يشاء بغير حساب، فهو يرزق الناس جميعاً من مؤمن وغير مؤمن، ويرزق الصالح والطالح على اعتبار أنهم جميعاً بشر من مخلوقات الله، وهذه سنة الله في خلقه، والله لا يُسأل عما يفعل.
ثانياً: إن هذه الأرزاق إما أن تُنفق في وجهها المشروع المفيد لصالح العباد والبلاد، وإما أن تنفق في أوجه محرّمة غير مشروعة، وفيها دمار وخراب وهلاك للعباد والبلاد.
ثالثاً: إن الله سبحانه وتعالى يحاسب الإنسان على أقواله وأفعاله الإرادية، إن كانت خيراً فخير، وإن كانت شراً فشر، وما يصدق على الأفراد فإنه يصدق على الحكام والشعوب والدول.
أيها المسلمون: لا غرابة إذن إذا شاهدتَ الكفار والعصاة والظلَمة يرزقون أموالاً كثيرة من منقولة وغير منقولة، فإن ذلك من قبيل الاستدراج، فهي بلا شك نقمة عليهم، لا نعمة لهم، لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: (وَلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:182]، وقوله في سورة القلم: (فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهَـاذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) [القلم:44]. ولقول رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية الكريمة: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44].
أيها المسلمون: ومعنى: "على معاصيه" الواردة في الحديث الشريف أنه عاص لله إلا أن الله يعطيه ما يحب ويريد. ومعني الآية الكريمة: حينما ينسى المترفون والظالمون والكافرون النصائح والمواعظ التي ذُكِّروا بها فإن الله -عز وجل- قد يفتح عليهم أبواب كل شيء من الأرزاق، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أتاهم عقاب الله فجأة بغتة فإذا هم مبلسون، أي يائسون قانطون من رحمة الله.
أيها المسلمون: ماذا نشاهد في هذه الأيام على الساحة العربية والعالمية؟ وما علاقة ما يجري بالنصوص الشرعية التي أشرنا إليها؟ والجواب: إن وتيرة العدوان ضد العراق أخذت تتزايد وتتصاعد في هذه الأيام، وإن ما يبيت للعراق سيشمل أقطاراً إسلامية أخرى، وما يقال خلاف ذلك هو للخداع والمراوغة، كل ذلك بدعوى وادعاء محاربة الإرهاب.
ومصطلح الإرهاب بالمدلول الغربي أصبح قميص عثمان، يردده الغرب بمناسبة وغير مناسبة، والغرب بحقد يحاول إلصاق الإرهاب بديننا الإسلامي العظيم، حسب ما يفسره الغرب على مزاجه.
أيها المسلمون: لابد إزاء ذلك من توضيح مدلول الإرهاب كما ورد في سورة الأنفال، فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60]، المراد بالإرهاب في هذه الآية الكريمة هو إخافة العدو، ومنعه من الاعتداء على المسلمين؛ أي: إن القرآن الكريم يدعو في هذه الآية الكريمة إلى منع العدوان على المسلمين، وذلك بالاستعداد المطلوب.
أما المراد بالإرهاب -حسب ما يدعيه الغرب- هو العدوان والظلم على الآخرين بدون سبب؛ لذا فإن الغرب يرفض الإرهاب ويحاربه، والسؤال: هل الغرب يلتزم بما يفسره ويدعيه أم يعكس الصورة والحكم؟ أليس الاعتداء على أفغانستان وقتل آلاف الأبرياء هو إرهاب بمفهومهم؟ أليست الاستعدادات للاعتداء على العراق إرهاباً؟ لماذا لا تسمح أمريكا أو بريطانيا لأحد أن يعارض سياستها؟ أليس هذا إرهاباً فكرياً؟ أليس هذا استخفافاً بالأمة الإسلامية.
أيها المسلمون: لقد حان الوقت لجميع العرب والمسلمين في العالم، حكاماً ومحكومين، أن يقفوا صفاً واحداً، متضامنين متكافلين متكاتفين لمنع العدوان الأمريكي البريطاني على العراق، وعلى أي قطر في العالم الإسلامي.
الاعتداء على أي قطر إسلامي هو اعتداء على الأمة الإسلامية جمعاء، وعلى الأمة الإسلامية أن تفيق من سباتها، ولات ساعة مندم، كما يحرم شرعاً على أي مسلم أي يعين على حرب العراق، فالمسلم أخو المسلم، وإن ديننا الإسلامي العظيم يحرم الظلم والعدوان فيقول -عز وجل-: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف:165].
أيها المسلمون: إن الثروات الهائلة الموجودة في حوزة أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول العالم ينبغي أن توجه لصالح البشرية وإسعادها واستقرارها، لا إلى دمارها وخرابها، وينبغي أن توجه الاختراعات لما يفيد البشرية، وليس بالاختراعات التي تقتل وتزهق الأرواح.
والأموال التي ستنفق بالقتل والخراب والدمار والصد عن سبيل الله ستكون بإذن الله حسرة على منفقيها، وعلى المسلمين في العالم أن لا ينخدعوا وأن لا ينبهروا بقوة الدول الكبرى، وأن لا يستسلموا لها، الله أكبر من هذه القوى العالمية الطاغية الظالمة، والله -عز وجل- يقول: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى الْبِلَـادِ * مَتَـاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران:196-197]. جاء في الحديث الشريف: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين!.
الخطبة الثانية:
نحمد الله رب العالمين، حمْد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة وسلاماً دائمَيْن إلى يوم الدين.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المصلون: إخوانكم في جبل المكبر المطل على الأقصى المبارك ينتظرونكم بعد الصلاة، فإنهم سيتمون إقامة مسجد مصعب بن عمير، فبارك الله في المتطوعين المتبرعين لإقامة بيوت الله.
أيها المسلمون: في هذه الأيام تودعنا قوافل حُجَّاج ضيوف الرحمن ميممين شطر البيت الحرام بمكة المكرمة، إنهم يتوجهون من بلاد مباركة، من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، من مسرى الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-، إلى بلاد مباركة، إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، إنهم يتطلعون شوقاً لرؤية البيت العتيق ومشاهدة الكعبة المشرفة، وتهفو قلوبهم ويزداد حنينهم لزيارة مسجد ثم قبر حبيبنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
أيها المسلمون: إني إذ أنصح الحجيج أن يتزودوا بتقوى الله أولاً، ثم أن يصحبوا معهم الكتب والنشرات التي تتعلق بمناسك الحج، وأن يحضروا دروس العلم، وأن يسألوا العلماء وذوي الخبرة والتجربة عن هذه المناسك، حتى يتمكن الحاج من أدائها أداءً صحيحاً سليماً، وأن يكونوا على اتصال مباشر مع المرشدين، وأن لا يضيعوا أوقاتهم بالأسواق وشراء الهدايا والحاجات، وأن يتحلوا بالصبر، وعدم الزحام، وعدم الضجر ،وعدم الإيذاء؛ فالحج ليس رحلة ترفيهية، بل رحلة عبادة، ولا تخلو من المشقة والتعب.
أيها الحجاج: يا ضيوف الرحمن، إن زيارة المسجد النبوي من أرفع السنن في الإسلام، فحين يدخل المسلم المسجد النبوي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك، ويصلي فيه ركعتين لله سبحانه وتعالى تحيةً للمسجد، دون مزاحمة، دون ضجيج، دون إزعاج الآخرين.
ثم يتوجه المسلم إلى قبر سيدنا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأدب وهدوء غاضاً الصوت، وحين تقترب من القبر تقول بصوت خافض: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خير خلق الله من خلقه، يا إمام المتقين، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده.
ثم تخطو باتجاه اليمين خطوة أو خطوتين حتى تحاذي قبر أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قائلاً: السلام عليك يا أبا بكر، يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً.
ثم تخطو -أخي المسلم- باتجاه اليمين أيضاً خطوة أو خطوتين حتى تحاذي قبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قائلاً: السلام عليك يا عمر بن الخطاب، ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً.
يا حجاج فلسطين المباركة! صحبتكم السلامة، نودعكم على تقوى الله -عز وجل-، على أن نلقاكم على خير إن شاء الله، نستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، فحج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، وتجارة لن تبور إن شاء الله.
ادعوا الله هناك أن يجمع شمل المسلمين، وأن يوحد كلمة المؤمنين، وأن يرفع راية الموحدين، وأن يفرج الكرب عن المكروبين، وأن ينصرهم على أعدائهم أعداء الدين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم