هجر ما نهى الله عنه ورسوله - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

والمهاجر الحق هو الذي ضحي وبذل الغالي والرخيص دون منة أو تردد أو توان؛ فراراً بدينه طالباً العِوَض من الله -تعالى- فيما ترك وخلف وراءه من تنازل عن دنياه ووطنه؛ لأجل دينه وعقيدته، كما صنع سادة المهاجرين اللذين فروا بدينهم من مكة إلى المدينة؛ فتنازل صهيب الرومي عن ماله، وكما تنازل أبو سلمة عن قبيلته، وكذا تنازل الجميع عن ديارهم وأموالهم طلبا في...

أنزل الله دين الإسلام وبين فيه الشرائع والأحكام والحلال والحرام، وميز فيه الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والتوحيد من الشرك، والكفر من الإيمان، والسنة من البدعة، والطيب من الخبيث؛ ومع هذا النور المبين والحق المتين؛ أرسل لتبليغه وتعليمه رسله؛ ليكونوا إلى الخير داعين ومبلغين، ومن الشر محذرين ومنذرين، وقد جاءت الرسل حاملة لواء الحق داعية إلى  الاستقامة عليه ولزومه، كما أنها حذرت من الباطل بشتى صوره وأشكاله، وأرشدت إلى وجوب هجره كافة، والابتعاد عنه عامة، قال الله -تعالى- (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].

كما أن الله رتب على من تعدا هذه الحدود واقترف تلك المعاصي وزاول ذلك الباطل العقوبة العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة، قال الله: (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج: 9].

ومن هنا كان لزاما على العباد تجنب المعاصي والبعد عنها، ولعلنا في هذه السطور نذكر بعضاً من مظاهر ذلك الاجتناب وصورٍ من ذلك الهجر، وذلك ما يلي:

أولا: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضًا في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان؛ فإن بقي في بلاد الحرب عصى، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].

 

ثانيا: ومن ذلك؛ هجر المجالس التي يخاض فيها في آيات الله وشرعه بغير علم ولا هدى ووجوب الخروج منها؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره؛ فتول عنه، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68]، وقال عن إبراهيم -عليه السلام- حين قال لقومه اللذين رفضوا دعوته والاستجابة للدين الذي جاء به: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: 48].

 

ثالثا: فرار العبد من الأذية في الدين والنفس، والمال، والعرض، وهذا فضل من الله أن أرخص فيه؛ فإذا خشي المسلم على دينه ونفسه وماله وعرضه فله أن يهاجر؛ فقد أذن الله له في الخروج والفرار حتى يحمي عقيدته وينجو بنفسه وأهله وماله وعرضه؛ يقول الله -تعالى- في محكم آياته على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام-: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي  إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [لعنكبوت:26]، كما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ فارين بدينهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وطيبة الطيبة التي شاء الله أن تلد الأنصار والأخيار.

 

وهكذا في كل زمان ومكان يجب على المستضعفين والمضطهدين في دينهم أن يهاجروا في أرض الله الواسعة، قال سبحانه منكرا على من بقي في دار الهوان والذل، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 97].

 

وقد أحسن من قال:

إذا شاع في أرض فساد ومنكر****وليس بها ناه مطاع وزاجر

ففر ولا تصبح مقيما ببلدة **** يقل بها عرف وتفشو المناكر

فإن عقاب الذنب عند خفائه****يخص وإن يظهر يعم المجاور

 

رابعا: ومن الصور -كذلك- هجر ما نهى الله عنه ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وقد أخبر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن المهاجر الحق هو من: "مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"، ويقتضي هجر ما نهى الله عنه؛ هجر الشرك إلى التوحيد، وهجر الضلال إلى الهدى، وهجر الباطل إلى الحق، وهجر الكفر إلى الإيمان، وهجر النفاق وسوء الأخلاق والزور والفواحش والغيبة والنميمة، وسائر الذنوب والمعاصي والمحرمات القولية والعملية والاعتقادية، وهذه الهجرة باقية حتى طلوع الشمس من مغربها، ولا تنقطع حتى تنقطع التوبة، قال:  -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (رواه ابو داود).

 

خامسا: ومن صور هجر الباطل؛ البراءة من أهل الشرك والكفر ومما يدعون إليه، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) [الزخرف: 26]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة: 23]، وقال سبحانه :(وَالرُّجْزَ فَاهْجُر).

 

أيها المؤمنون: بعد أن عرفنا الهجر بشتى صوره وأشكاله، وما يجب على المسلم هجره ومفارقته، لابد في هذا المقام أن نتطرق إلى أوصاف المهاجر الحق؛ حتى نحرص عليها والقيام بفعلها، وإليكم بعضا من ذلك:

أن المهاجر الحق هو من أخلص القصد، واكتسب الخبرة والمهارة التي تؤهل المسلمين لمستقبل التمكين في الأرض، أخذا بالأسباب التي أمروا بها، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الانفال: 60].

 

والمهاجر من أقلع عن المحرمات وندم على ما اقترف من الخطيئات وعزم على أن الا يعود لفعل المنكرات، وتاب إلى رب البريات القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8].

 

والمهاجر الحق هو الذي ضحي وبذل الغالي والرخيص دون منة أو تردد أو توان؛ فراراً بدينه طالباً العِوَض من الله -تعالى- فيما ترك وخلف وراءه من تنازل عن دنياه ووطنه؛ لأجل دينه وعقيدته، كما صنع سادة المهاجرين اللذين فروا بدينهم من مكة إلى المدينة؛ فتنازل صهيب الرومي عن ماله، وكما تنازل أبو سلمة عن قبيلته، وكذا تنازل الجميع عن ديارهم وأموالهم طلبا في علو دينهم ومرضاة ربهم -عز وجل-.

 

عباد الله: ذلكم هو الهجر وتلكم هي أوصاف المهاجرين؛ فلنحرص على هجر المعاصي كبيرها وصغيرها وأماكنها وأربابها حتى لا نقع في بؤر الشرور ومستنقعات المبطلين، مستعينين بالله -تعالى- مخلصين له النية طاهري الطوية؛ لنبلغ رضا الله عنا وقبوله منا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".

 

خطباؤنا الأفاضل: وضعنا بين أيدكم استهلالاً يسيراً عن معنى الهجرة وصورها، والمواطن والأحوال التي يجب على المسلم أن يهاجر منها إلى مواطن السلامة والعافية والنجاة في الدنيا والآخرة؛ كما جمعنا لكم مجموعة من الخطب المنتقاة لتكون عوناً لكم في تذكير الناس بهذه الفريضة، لا سيما وأهل الحق يعيشون غربة مطبقة، وظلاماً دامساً، وحرباً شعواء؛ فلا يخفاكم حكمها وفضلها، وقصص المهاجرين من الأنبياء والمصلحين؛ سائلين المولى أن يوفقنا وإياكم للهجرة من كل ما يغضبه إلى ما يرضيه.

(المجاهرة بالمعاصي..استهانة بالله وترويج لها بين خلقه) خطب مختارة
العنوان

الهجرة هجر الذنوب والخطايا

2015/08/12 15685 567 14

الهجرة خصلتان: هجرة تامة فاضلة لا يساويها ولا يوازيها شيء، وهي الهجرة من مكة وغيرها إلى المدينة، وهذه انقطعت وانتهت بفتح مكة. وهجرة دائمة مستمرة، وهي هجر المنكرات والمعاصي والسيئات...

المرفقات

هجر الذنوب والخطايا


العنوان

الهجرة؛ التضحية بالدنيا من أجل الآخرة والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه

2018/01/09 7972 776 12

كل واحد منكم وأنا معكم بإمكانه أن يهاجر؛ فهناك مجموعة أصدقاء لا ترضي الله تركهم هجرة، هناك لقاءات مختلطة تركها هجرة، هناك عمل فيه رزق وفير، لكن فيه شبهات كثيرة تركه هجرة، هناك أشخاص البعد عنهم هجرة، دائماً وأبداً والهجرة لها...

المرفقات

الهجرة؛ التضحية بالدنيا من أجل الآخرة والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه


العنوان

الهجرة

2018/01/09 2359 424 7

وإذا كان باب الهجرة قد أغلق بين مكة والمدينة بعد الفتح؛ فباب الهجرة من المعصية إلى الطاعة مفتوحٌ على مصاريعه إلى يوم القيامة؛ لابدَّ من التحرُّك، الهجرة تعني التحرُّك، يجب أن أقيم علاقةً مع هذا الأخ المؤمن، ويجب أن أقطع هذا الصديق الفاسق، هذا تحرُّك، يجب أن أجعل من...

المرفقات

الهجرة


العنوان

الهجرة من المعاصي

2018/01/10 3332 319 2

ومطلوب من المجتمع؛ أن يهجر، العقائد الفاسدة التي تغزو الآن ديار المسلمين باسم الحرية والأفكار، وأن كل إنسان يقول ما يريد، كيف يترك هذا؟ ولا يحفظ على الناس دينهم؟ وهو أولى من حفظ أبدانهم ومعاشهم؛ لأنهم بلا دين لا يساوون شيئا كالأنعام بل الأنعام أفضل، لأنها تذكر...

المرفقات

الهجرة من المعاصي


العنوان

هجر المعاصي إلى الطاعات

2018/01/09 8022 431 17

الهجرة مقصورة على هجرة الأوطان، ولكن الهجرة كما بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله، "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"؛ فالهجرة هي هجر الكفر إلى الإيمان، وهجر الضلال إلى الهدى، وهجر المعاصي إلى الطاعات، والهجرة...

المرفقات

هجر المعاصي إلى الطاعات


العنوان

هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة

2018/01/11 11444 737 56

عاهد ربك بصدق على الهجرة من المعاصي إلى التوبة، عاهد ربك على الهجرة بكل مفرداتها ومعانيها التي ذكرت، عاهد ربك الآن على الهجرة، واعلم بأن العبادة في زمن الفتن الذي نحن فيه أجرها، كأجر صحابي هاجر من مكة إلى المدينة لرسول الله؛ فلا تحرم نفسك من هذا الأجر العظيم من أجر الهجرة من مكة إلى المدينة إلى رسول الله بالعبادة في زمن الفتن الذي نعيش فيه...

المرفقات

هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة


العنوان

المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

2018/01/11 41321 461 48

وهذه الهجرة لك بها أجر المهاجرين، أتدري ما أجر المهاجرين؟ في الحديث عندما جاء أحدهم يبايع النبي -صلى الله عليه وسلم-، أحد الأصحاب؛ فلما أراد أن يبايع توقف: قال له: يا رسول الله، أريد أن أشترط أنا أبايع على الإسلام ولكن أريد أن أشترط، أن يغفر الله لي ما مضى، انظر ماذا قال، قال: أولم تعلم أن الهجرة تهدم ما...

المرفقات

المهاجر من هجر ما نهى الله عنه


العنوان

الهجرة

2018/01/09 9265 357 14

والحكمة من الهجرة المحافظة على الدين، وألا يفتن المسلم في دينه وأن يتمكن المؤمن من الطاعة بلا مانع ولا وازع، ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة، والأفعال الشنيعة"...

المرفقات

الهجرة


العنوان

هجرة إلى الله ورسوله

2018/01/09 1680 295 6

المهاجر إلى الله؛ من يستحي من الله في جميع أحواله، حياء من يعلم أن الله مطلع عليه وناظر إليه؛ فحفظ جوارحه ومنعها من الحرام، واشتغل بطاعة خالقه ومولاه، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استحيوا من الله حق...

المرفقات

هجرة إلى الله ورسوله


المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات