محاربة الفقر والبطالة - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

قالوا: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"، وأقول: صدقوا؛ فإنه يستحق القتل ألف مرة؛ إذ هو يذل العالم الخبير للجاهل الحقير، ويضطر العزيز الكريم للخبيث اللئيم، وقد يكون سببًا في فتنة ضعيف الإيمان فيغريه بالسرقة أو الاختلاس وأكل الحرام، بل وقد يفكر إنسان ما تحت وطأة الفقر في قتل ولده: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)...

 هل يحب الإسلام الفقر؟... يجيب أحد الغافلين الجاهلين: بالتأكيد نعم، وكيف لا، وقد كان رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه فيقول: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين" (ابن ماجه)، ثم يتابع قائلًا: وها هو -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا بسبق الفقراء إلى الجنة فيقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا" (مسلم)، ثم يؤكد كلامه بقوله: بل وفي كتاب الله -عز وجل- تحذير واضح من الأموال وجمعها؛ فالله -تعالى- يقول: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15]، وبناءً على هذه المعطيات، فقد دعا صاحبنا الناس قائلًا: "فكونوا -عباد الله- فقراء"!!  

ونتعجب حين نسمع ذلك، ويحزننا هذا الفهم الأعوج الأعرج الأعور! ونقول -واثقين غير مترددين-: إن الإسلام يكره الفقر ولا يحبه، وقد كان رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله منه ويقرنه بالكفر، فعن مسلم بن أبي بكرة، قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر"، فكنت أقولهن، فقال أبي: أي بني، عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولهن في دبر الصلاة" (النسائي)، بل وفي حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقدم الاستعاذة من الفقر على الاستعاذة من الكفر، فكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وأعوذ بك من الفقر والكفر" (ابن حبان).  

 

وقد مدح رسولنا -صلى الله عليه وسلم- صاحب المال الذي يؤدي حقه، فعن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا عمرو اشدد عليك سلاحك وثيابك"، قال: ففعلت، ثم أتيته فوجدته يتوضأ، فرفع رأسه، فصعد في النظر وصوبه، قال: "يا عمرو إني أريد أن أبعثك وجهًا، فيسلمك الله ويغنمك، وأزعب [أقطع أو أدفع] لك من المال زعبة [قطعة؛ قدرًا من المال] صالحة"، قال: قلت: يا رسول الله لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك، قال: "يا عمرو، نعمًا بالمال الصالح مع الرجل الصالح" (الحاكم وابن حبان).  

 

وأما الاحتجاج على حب الإسلام للفقر بحديث: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين"، فنجيب: بأن أغلب العلماء قد ضعفوه، وعلى فرض صحته فمعنى المسكين هنا: المتواضع وليس الفقير، يقول ابن عبد البر: "والمسكين ها هنا: المتواضع كله، الذي لا جبروت فيه ولا كبر، الهين اللين السهل القريب" (الاستذكار)، ويقول ابن قتيبة: "ومعنى المسكنة في قوله: "احشرني مسكينا": التواضع والإخبات، كأنه سأل الله -تعالى-، أن لا يجعله من الجبارين والمتكبرين، ولا يحشره في زمرتهم" (تأويل مختلف الحديث).   وأما احتجاجه بدخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء على أن الإسلام يحبذ لأتباعه الفقر، فهو احتجاج في غير محله -كذلك-؛ فهل إذا نزلت مات ولد لمسلم، فجئته وعزيته وواسيته بأن له عند الله -إن صبر- "بيت الحمد" في الجنة، لأن الله يقول لملائكته في حق من قبض ولده فصبر: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد" (الترمذي)، فهل معنى هذا أن الإسلام يدعو الناس أن يتخلصوا من أولادهم ويسعوا في موتهم لينالوا "بيت الحمد" عند ربهم؟!!  

 

الإجابة: كلا، بل معناه الصحيح: أن الإسلام يحثه أن يصبر على مصيبته لينال الأجر في الآخرة... وكذا يقال لمن أصابته مصيبة الفقر: إن صبرت على ما ابتليت به من الفقر كان جزاؤك هو السبق إلى دخول الجنة.   وكذا يقال في الأحاديث التي تبين أجر المريض الصابر؛ فهل يحب الإسلام لأتباعه المرض! أم أنها دعوة للصبر إذا ما نزل البلاء ولم نجد منه مفرًا!   وأما احتجاجه بقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)، فقد قال الله في الآية التي قبلها مباشرة: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن: 14]، فهل نطَلِّق الزوجات ثلاثًا ونتخلص من الأموال ليرضى الله عنا؟! أم أن الإسلام يحذرنا أن تلهينا نعمه التي وهبنا إياها عن ذكره وشكره؟ وقد نطق القرآن بهذا المعنى صريحًا في قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].   

 

وقد قالوا: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"، وأقول: صدقوا؛ فإنه يستحق القتل ألف مرة؛ إذ هو يذل العالم الخبير للجاهل الحقير، ويضطر العزيز الكريم للخبيث اللئيم، وقد يكون سببًا في فتنة ضعيف الإيمان فيغريه بالسرقة أو الاختلاس وأكل الحرام، بل قد يفكر إنسان تحت وطأة الفقر في قتل ولده: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام: 151]!  

 

فكيف إذن يدعي مدعٍ أن الإسلام يحب الفقر! بل الإسلام يكره الفقر ويحاربه بشتى الوسائل، ومن تلك الطرق والأساليب التي حارب بها الإسلام الفقر ما يلي: أولًا: العمل والاحتراف والأخذ بالأسباب: فكثيرًا ما يكرر القرآن هذا المعنى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) [الملك: 15]، ولما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من الأنصار يسأله، قال له: "أما في بيتك شيء؟" قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما"، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، وقال: "من يشتري هذين؟" قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثًا"، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: "اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به"، فأتاه به، فشد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عودًا بيده، ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا"، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع" (أبو داود بسند ضعيف).  

 

وفي الصحيح من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" (البخاري).  

 

ثانيًا: فرض الزكاة على الغني حقًا للفقير: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج: 24-25]، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين بعثه يعلِّم الناس الإسلام: "فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" (مسلم).  

 

ثالثًا: -وحقه أن يكون أولًا-: الدعاء بالغنى والاستعاذة من الفقر: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى" (مسلم)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر..." (متفق عليه).   

 

ثم وسائل محاربة الإسلام للفقر لا تكاد تنتهي، وقد جمعنا هنا عددًا من الخطب المنبرية التي تناقش هذه المشكلة؛ مشكلة الفقر، وتقدم الوسائل الناجعة لحلها، فتلك هي:    

العنوان

علاج مشكلة الفقر (1) أسبابه وخطورته

2016/02/27 8889 464 17

الفقر مصيبة ضررها عظيم وخطرها جسيم، الفقر خطر على الدين، خطر على العقيدة، كم من إنسان انسلخ من دينه وخرج عن عقيدته بحثًا عن المال؛ لأجل أن يسد فقره، ويدفع حاجاته! كم من مسلم تنصَّر وكم من سُنِّي تشيع؟! وكم من إنسان خالف مبادئه وقيمه وخرج عن إيمانه لأجل حفنة من المال؟! ما دفعه إليها إلا الفقر والحاجة. فالفقر من أهم أسباب الجهل، من أهم أسباب الأمية، من أهم أسباب التخلف، الفقر سبب لمعظم المشاكل التي يعيشها الناس، سبب للمشاكل السياسية سبب للمشاكل الاقتصادية، سبب للمشاكل الاجتماعية، سبب للمشاكل الصحية، سبب للمشاكل التعليمية؛ فالفقر بلاء...

المرفقات

مشكلة الفقر (1) أسبابه وخطورته


العنوان

الحكمة الإلهية في الفقر والغنى

2014/05/04 27235 724 45

وإذا ابتُلِي العبدُ بالفقر فإن الصبرَ أجلُّ عبادةٍ في هذا المقام، ومن ضاقَ رِزقُه، وخشُنَت عيشتُه، فلا يضق صدرُه، ولا يتنكَّد في حياته؛ فإن معيشةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجُلِّ أصحابه كانت كفافًا، ومتاعُ الدنيا القليل الزائِل لا يستحقُّ الأسَى والحُزن على فواتِها، وحتى تهدأَ النفسُ وتعرفَ قدرَ نعمة الله تعالى عليها، وتُؤدِّيَ شُكرَ الله جاء التوجيهُ النبويُّ في قول رسولِنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نظر أحدُكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخلق فلينظُر إلى من هو أسفلَ منه ممن فُضِّلَ عليه". وزاد مسلمٌ في روايته: "فهو أجدرُ ألا تزدرُوا نعمة الله عليكم".

المرفقات

الإلهية في الفقر والغنى


العنوان

شبابنا بين البطالة والعمل

2018/05/09 4913 351 3

لدينا ناشئةٌ لا تعرفُ قيمةَ العمل ولا تأبَهُ له!! يريدون لقمةً تُوضعُ في أفواههم!!؛ فكيف يريد النهضة مَنْ هِمَّته في أكْلِه ولبسه ولا يَعرَقُ ولا يَتْعَب؟! تضيعُ مواهبُهم وطاقاتهم إلا من رحم الله في الاستراحات وعلى الطرقات، وتخسرهم أوطانهم في الأعمال والصناعات؛ فحاجاتُ الأمة من...

المرفقات

شبابنا بين البطالة والعمل


العنوان

علاج مشكلة الفقر (2) دور الفرد في علاج الفقر

2016/02/27 4363 524 22

إن الإنسان ينبغي له أن يعيش حياته بحسب قدرته، وبحسب ما أعطاه الله -سبحانه وتعالى- من المال لا أن يتجاوز حدوده، ويحاول أن يكون مثل غيره، فيؤدي ذلك إلى زيادة فقره وحاجاته. وأسوأ من ذلك أن تجد مثل هذه النفقات تُصرَف على ما لا فائدة منه، ولا نفع كالقات والسيجارة. كثير من الناس يشتكون من الفقر، يشتكون من ضيق الحال، يشتكون من قلة المال، وإذا نظرت إلى حال الواحد منهم تجده يشتري يوميًّا من السجائر بمبالغ لو جُمعت في آخر الشهر لكانت راتبًا شهريًّا يعادل راتبًا يأخذه كل شخص.

المرفقات

مشكلة الفقر (2) دور الفرد في علاج الفقر


العنوان

علاج مشكلة الفقر (3) دور المجتمع في علاج الفقر

2016/02/27 2564 488 8

الزكاة هي الفريضة التي أوجبها الله -تبارك وتعالى- على عباده المسلمين، وأمرهم أن يخرجوها من أموالهم، أوجب على الأغنياء أن يخرجوا من أصناف أموالهم جزءًا ونصيباً ومقداراً يعطونه للفقراء...

المرفقات

مشكلة الفقر (3) دور المجتمع في علاج الفقر


العنوان

علاج مشكلة الفقر (4) دور الأوقاف والدولة في علاج الفقر

2016/02/27 2775 418 4

سنتحدث في هذه الخطبة -بإذن الله- عن قضيتين: أما القضية الأولى، فهي: قضية الأوقاف، وأما القضية الثانية، فهي: مسؤولية الدولة في هذا الأمر. أما الأوقاف فهي الأموال التي تحبس ويمنع من التصرف في أصلها وينتفع بغلتها وريعها ومنافعها. وهذه الأوقاف مما حث الإسلام عليها، ورغب فيها، فهي...

المرفقات

مشكلة الفقر (4) دور الأوقاف والدولة في علاج الفقر


العنوان

خوف الفقر

2016/10/09 3711 426 54

فربنا -جل في علاه- هو القابض الباسط، الخافض الرافع، المعطي المانع، المعِز المذل، الذي بيده الأمر، لا شريك له؛ ولهذا، أساس الأمور وقاعدة صلاحها: إيمانٌ صادقٌ بالله -تبارك وتعالى-، وحُسن توكل عليه -جل في علاه-، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود:6].

المرفقات

الفقر


العنوان

حقوق المسنين في الإسلام

2022/02/01 992 520 0

لقد جاء دين الإسلام بخُلُقِ البر والإحسان للشيوخ وكبار السن، ورعاية حقوقهم، وتعاهُدِهم، وعدَّ هذا الأمر من أعظم أسباب التكافل الاجتماعي، ومن جليل أعمال البر والصلة؛ ذلك أنه عندما يتقدم العمر، ويهن العظم، ويشتعل الرأس شيبًا يحتاج الكبير إلى...

المرفقات

حقوق المسنين في الإسلام.pdf

حقوق المسنين في الإسلام.doc


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات