اقتباس
وعمومًا: فقد أجمع المسلمون على معنى قول عبد الله بن مسعود: "ما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيء"، فكل ما رآه العلماء الربانيون والصالحون الأتقياء من الخير والفضيلة فهو كذلك، وكل ما عدُّوه من الشر والرذيلة فهو أيضًا...
لم يبالغ من قال: إن الدين كله ذوق وأدب واحترام، فإن ديننا كذلك بلا ريب ولا شك، دين يرعى الأدب في كل تشريعاته، ويحافظ على مشاعر الآخرين ويأمر أتباعه بذلك، دين يغلق كل باب لشيوع الفاحشة في المؤمنين، دين يصون المجتمع من التردي في حمأة المنكرات ومن نشر الفضائح والشائعات ومن كل ما يؤذي العين رؤيته أو الأذن سماعه...
وفي الجملة: فإن كل خلق جميل سام رفيع فهو من الإسلام، وكل تصرف لائق قويم مفيد نافع فهو من الإسلام، وكل سلوك طيب لا يؤذي ولا يخدش الحياء فهو من الإسلام... والعكس بالعكس؛ فكل كلمة أو لفظة نابية فليست من الإسلام بل الإسلام يرفضها وينبذها ويحرِّمها، وكل سلوك شائن يُستحيى منه فالإسلام برئ منه يحرِّمه ولا يجيزه، وكل فعل غير لائق يؤذي أو يضر أو يحرج أو يشق فإن الدين يلفظه ويمنع منه أتباعه...
فأن يجاهر المرء بالكلمات النابية والألفاظ الفاحشة فإنه أمر لا يليق ويؤذي سامعيه، لذا حرَّمه نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلـم- حين قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"(الترمذي، وصححه الألباني)... والخروج إلى الطريق في ملابس لا تليق؛ ممزقة أو متسخة أو رثة -وهو يملك غيرها- أو تبدي من الجسد ما لا يحل... كل هذا منعه دين الإسلام، فهذا زهير بن أبي علقمة الضبعي يقول: أتى النبيَ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ سيء الهيئة، فقال: "ألك مال؟" قال: نعم من كل أنواع المال، قال: "فلير عليك، فإن الله -عز وجل- يحب أن يرى أثره على عبده حسنًا ولا يحب البؤس والتباؤس"(الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني)...
ولعل هذه الواقعة قد تكررت؛ فقد روى أبو الأحوص عن أبيه، أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثوب دون، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألك مال؟" قال: من كل المال، قال: "من أي المال؟"، قال: قد آتاني الله من الإبل، والغنم، والخيل والرقيق، قال: "فإذا آتاك الله مالًا فلير عليك أثر نعمة الله وكرامته"(النسائي في السنن الكبرى، وحسنه الألباني).
وكل مقدمات الزنا من تقبيل وأحضان... كلها محرمة لقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 32]، وفعل مثل هذه الأفعال الفاضحة في الطريق هو مقدمة للإباحية التي استشرت في بلاد الغرب والشرق، والمنع منها هو سد لذريعة ذلك... وحتى إن كانت هذه التصرفات بين زوجين فإنها أيضًا لا تحل أمام أعين الغرباء في الطريق العام؛ لأنها تخل بحياء الأنثى وبغيرة الرجل على عرضه، ثم إن من يراهما لا يدري أزوجين هما أم لا!
ومما يستقذره الناس ويتأذون منه البصاق في أماكن جلوسهم العامة وفي طريق سيرهم، ويحكي أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا"؛ ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض. (متفق عليه).
وكل قول أو فعل أو كتابة تثير النعرات الجاهلية والعصبيات القبلية... فهي قبيحة محرَّمة، وجميعنا يعلم تلك الواقعة التي وقعت بين المهاجرين والأنصار وكادت تشعل الحرب بينهما، حين كسع رجل من المهاجرين، رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟!" قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة"(متفق عليه).
وكل إفساد في الممتلكات العامة والخاصة ممنوع محرم، فتخريب الحدائق أو وسائل المواصلات أو جدران المصالح الحكومية والهيئات العامة... كل ذلك ممنوع يجمعه قول الله -تعالى-: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)[البقرة: 205]، وقوله -عز من قائل-: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة: 64].
وعمومًا: فقد أجمع المسلمون على معنى قول عبد الله بن مسعود: "ما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيء"(الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني)، فكل ما رآه العلماء الربانيون والصالحون الأتقياء من الخير والفضيلة فهو كذلك، وكل ما عدُّوه من الشر والرذيلة فهو أيضًا كما قالوا... بل كل ما رآه العقلاء أدبًا وذوقًا فينبغي الالتزام به، وكل ما رأوه مخالفًا للأدب والذوق والاحترام فينبغي تجنبه.
***
وهذه الآداب المجتمعية ينبغي على المجتمع المسلم أن يراعيها بوازع من داخله دون أن يفرضها عليه أحد أو يوجبها عليه أحد... لكن جرت سنة الله -عز وجل- في خلقه أن يكون بين الخلق ضعفاء دين وخلق، وضعفاء عقول وقلوب، وأن يكون منهم سفهاء ومنافقون ومفتونون... لذلك فإن المسئولين والقائمين على مصالح المجتمع المسلم يضطرون إلى أن يفرضوا على المجتمع الالتزام بتلك الآداب التي هي من الإسلام، وتعديها وتجاوزها يرفضه الإسلام ويأمر بتجنبه.
فجزى الله خيرًا من أمر بتطبيق تلك اللائحة الفاضلة، التي تدعم الفضيلة داخل المجتمع الإسلامي، والتي تغلق أبواب الرذائل وتمنع شرها أن ينتشر داخل المجتمع بسد ذرائعها، والتي تحفظ على الناس دينهم وأخلاقهم وآدابهم وتقاليدهم، والتي تمنع كل ما يؤذي المشاعر والأعين والأسماع... فجعله الله في ميزان من اقترح فكرته ومن وضع بنودها ومن أمر بتطبيقها ومن يقوم على متابعة تنفيذها، وفي ميزان حسنات كل من عاون أو شارك أو ساهم أو أشار أو ساعد فيها...
وهذا الرأي ليس رأينا وحدنا، بل هو رأي خطبائنا الكرماء الألباب، والذين قد جمعنا ها هنا شيئًا من خطبهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم