اقتباس
وربما يسأل سائل فيقول: إنه مجرد خيط يعلَّق في الرقبة أو ودعة تعلق على الصدر أو تميمة أو صدفة تعلقان على العضد.. فكيف تراها تضر من يعلقها؟ ونجيب: ليست القضية قضية الخيط أو الصَدَفة.. وإنما هي قضية ما يتبع تعليق مثل هذه الأشياء من اعتقاد في القلب أنها تجلب نفعًا أو تمنع ضرًا!...
إن الأمور العقدية لا تحتمل مجاملة ولا مواربة ولا تسويف، بل تحتاج إلى مواجهة ومجابهة وتصريح.. ومن ذلك التحذير من الوقوع في أعظم الذنوب قاطبة وهو الإشراك بالله -عز وجل-، فيروي عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: "إن عليه تميمة" فأدخل يده فقطعها، فبايعه، وقال: "من علق تميمة فقد أشرك"(رواه أحمد).
فمع أنها اللحظة الأولى لدخوله الإسلام، فإن النبي -صلى الله عليه وسـلم- لم يمهله حتى يسلم ثم يتدرج في العلم ثم يدرك فداحة ما يعلقه في عضده، بل واجهه من البداية فامتنع عن مبايعته، وصرَّح في غير مواربة أن: "من علق تميمة فقد أشرك".
ويعامل النبي -صلى الله عليه وسـلم- من يعلقون هذه التمائم بخلاف مقصودهم؛ فإنهم يعلقونها لتتم لهم حوائجهم ومصالحهم لأنها -في اعتقادهم الخاطئ- تجلب لهم النفع، لذا تسمعه -صلى الله عليه وسـلم- يقول: "من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له"(رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي).
وهم يظنون أن تلك الودعات والحلقات والتمائم والخرزات تزيدهم قوة وبأسًا، فيخبرهم -صلى الله عليه وسـلم- أن العكس هو الحاصل، فعن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبصر على عضد رجل حلقة، أراه قال من صفر، فقال: "ويحك ما هذه؟" قال: من الواهنة؟ قال: "أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا انبذها عنك؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا"(رواه أحمد والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي)، وعند الترمذي: "من تعلق شيئًا وكل إليه".
وربما يسأل سائل فيقول: إنه مجرد خيط يعلَّق في الرقبة أو ودعة تعلق على الصدر أو تميمة أو صدفة تعلقان على العضد.. فكيف تراها تضر من يعلقها؟ إنها إن لم تنفع صاحبها فكيف تضره؟ فلا هي وزنها ثقيل فترهقه، ولا هي ثمنها باهظ فتفلسه؟
ونجيب: ليست القضية قضية الخيط أو الصَدَفة.. وإنما هي قضية ما يتبع تعليق مثل هذه الأشياء من اعتقاد في القلب أنها تجلب نفعًا أو تمنع ضرًا!، وفي ذلك إخلال ظاهر بأن الله هو النافع الضار وحده لا شريك له: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[الزمر: 38]، ويقول -عز من قائل-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)[يونس: 107].
ويعود السائل فيقول: إذن فلو علق إنسان شيئًا من ذلك مع عدم اعتقاده في نفعها أو ضرها فهو لهو مباح؟ ونقول: كلا، إنه لا يباح ذلك بحال أبدًا، فمع أنه قد برئ من الشرك لعدم اعتقاده نفعها أو ضرها، إلا أنه قد خالف نهي النبي -صلى الله عليه وسـلم- الواضح عن تعليقها من الأصل، فحين قال -صلى الله عليه وسـلم-: "من علق تميمة فقد أشرك"(رواه أحمد)، فإنه لم يفرِّق بين من وضعها معتقدًا بنفعها وضرها أو غير معتقد.
ثم إنه إن علَّقها اقتدى به غيره في تعليقها معتقدًا نفعها وضرها، فينطبق عليه قوله رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: "ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"(رواه مسلم)، وليس ببعيد عنه قول الله -تعالى-: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)[النحل: 25].
كذلك فإنها من شعار الشرك وهي دليل عليه فلا يجوز تعليقها وحين قال: "إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك"(رواه ابن ماجه)، فهي علامة على الشرك وشعار له وإن لم يعتقد معلقوها ذلك.. والتولة: نوع من السحر يجلب المرأة إلى زوجها.
ثم إنه لا يأمن إن علقها اليوم غير معتقد فيها شيئًا أن يحدث له نفع ما أو يُرفع عنه ضر ما فيتسرب ويتسلل إلى قلبه أن ذلك قد وقع بسبب التميمة التي يعلقها فيكون قد وقع في الشرك.. فلذلك كله يحرم تعليقها وإن صلحت نية الإنسان سدًا لذريعة الشرك.
ونتعجب نحن غريب العجب؛ كيف يحتاج مسلم موحد إلى ما ينفعه أو يحميه أو يحفظه مع ما علمنا إياه رسولنا -صلى الله عليه وسـلم- من أذكار نحمي بها أنفسنا وأولادنا وأموالنا؟! فمن ذلك ما روته خولة بنت حكيم السلمية أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك"(رواه مسلم).. ومنه ما رواه عثمان بن عفان أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، فيضره شيء"(رواه ابن ماجه).
ومن ذلك مع رواه أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟"(رواه أبو داود).. ومثل ذلك كثير وكثير.
وكلمة أخيرة ننقلها على ألسنة المخلصين تقول: عباد الله لا تأمنوا على أنفسكم الوقوع في الشرك، فقد أخبر الحبيب النبي -صلى الله عليه وسـلم- قائلًا: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"(رواه مسلم)، وتنبأ -صلى الله عليه وسـلم- قائلًا: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان"(رواه الترمذي)..
ونفسح الآن المجال لخطبائنا ليزيدوا الأمر بيانًا وتفصيلًا وتوضيحًا، فقد انتقينا ها هنا شيئًا من خطبهم الناصحة فإليك:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم