عناصر الخطبة
1/ فضل إزالة الشرك 2/ حرص السلف الصالح على سد أبواب الشرك3/ مما يحصن المسلم 4/ من صفات المؤمن 5/ طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى التوحيد 6/ واجب الدعوة كل بحسب طاقتهاقتباس
لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه، ثم يسعى في تكميل غيره، وهذا هو طريق جميع الأنبياء، فإنهم أول ما يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهي طريقة إمامهم -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وعظموا أمره، واحذروا سخطه، وتحببوا إليه بالطاعة، وتقربوا بالأعمال الصالحة.
أيها المسلمون: بعث الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له، يعلمهم أمور دينهم وينصح لهم؛ حتى أتاه اليقين؛ فصلوات ربي وسلامه عليه.
ومن تعليمه لأمته أمور دينهم، ما روى الإمام أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رويفع لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإنَّ محمدًا بريء منه".
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- رويفعًا -رضي الله عنه- أنه سيطول عمره -وهذا علم من أعلام النبوة- فقد طالت به الحياة، وأمره -صلى الله عليه وسلم- أن يخبر الناس عن هذه المنهيات الثلاث.
الأولى: عقد اللحية؛ وعقد اللحية أحدهما: ما كانوا يفعلونه في الحرب، يعقدون لحاهم، وذلك من زي الأعاجم يفتلونها ويعقدونها تكبرًا وعُجبًا.
والأخرى: معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد تشبهًا بالنساء وهذا أمر مُحرم، ويشبه هذا ما يفعله كثير من أهل الفسق والكبر من فتل أطراف الشوارب وإبقائها؛ مخالفة لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين، وغيرهما، أنه قال: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى".
الثانية: جعل الوتر قلادة في عقنه أو عنق دابته، زاعمًا أنه يدفع العين والمكاره، وهذا شرك لما فيه من اعتقاد جلب النفع، ودفع الضر من غير الله.
الثالثة: "الاستنجاء برجيع دابة أو عظم" وهذا محرم لأنه طعام الجن. "فإن محمدًا بريء منه" وعيد شديد، ويدل على أنه من الكبائر، وتبرؤه -صلى الله عليه وسلم- ممن فعل هذه الأمور الثلاث، وإجراء أحاديث الوعيد على ظاهرها أبلغ في الزجر، ولا يجوز صرفها عن ظاهرها بالتأويل.
أيها المسلمون: الدين الإسلامي مبني على التناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة" رواه مسلم.
فإذا رأى المسلم أن غيره قد علق تميمة فأزالها تخليصًا له من هذا الشرك؛ كان له من الأجر مثل أجر من أعتق رقبة؛ فعن سعيد بن جبير قال: "من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة" رواه وكيع. أي: كان له مثل ثواب من أعتق رقبه، لأنه إذا قطع تميمة من إنسان فقد أعتقه من الشرك، ففكه من النار، فكان كمن أعتق إنسانًا من الرق، ففيه فضل قطع التمائم وأنها شرك.
عباد الله: ولوكيع عن إبراهيم النخعي: "كانوا يكرهون -أي أصحاب عبد الله بن مسعود- التمائم كلها من القرآن وغير القرآن".
حرص السلف على سد أبواب الشرك، فمنعوا تعليق التمائم كلها، حتى ولو كانت مكتوبة من القرآن حماية للتوحيد، وسدًا لأبواب الشرك، وحفظًا للقرآن من الامتهان، فإن الله -سبحانه وتعالى- لم ينزل القرآن لتعليقه في البيوت، أو السيارات، أو على الصدور للتبرك به أو للزينة، وإنما أنزله -سبحانه- لتدبره والعمل به؛ قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) [ص:29]
وعلى المسلم أن يُحصِّن نفسه من الشرور والآفات بالأذكار الواردة التي تنفع من يقولها بصدق وإخلاص، وقوة توكل ويقين، ومن ذلك:
قراءة سورة الإِخلاص والمعوذتين ثلاثًا في الصباح والمساء، وكذلك قراءة آية الكرسي في الصباح والمساء، وقراءة خواتيم سورة البقرة في المساء.
ومن الأذكار المشروعة قول: "باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاث مرات في الصباح والمساء، وكذلك قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" ثلاثًا في الصباح والمساء.
والواجب على المسلم أن يُعلق قلبه بالله وحده، ويجتنب الأسباب الواهية للشفاء، كالخيط، والحلقة، والرقى والتمائم الشركية؛ فإنها لا تنفع بل تضر.
أيها المسلمون: الإِيمان هو تحقيق كمال اليقين، وصدق الإِخلاص، وصحة الطَّويَّة، والمؤمن هو من انبعثت نفسه بالأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، والأقوال المرضية؛ المؤمن من امتلأ قلبه بمحبة الرسول؛ فقدم قوله على كل أحد، واتبعه واقتدى به، ونصر ما جاء به، ونصح لما شرعه؛ فصار بذلك من أنصاره وأحبابه.
المؤمن من التجأ إلى ربه واعتصم بمولاه، ويفعل الأسباب ويتوكل على ربه حق التوكل، المؤمن يفوض أمره إلى الله، ويرضى بحكمه وقضائه وعدله.
المؤمن من أحبَّ للمؤمنين من الخير ما يحبه لنفسه، وكره لهم من الشر ما يكرهه لنفسه؛ المؤمن من تواضع وخفض جناحه للمؤمنين، فجعل كبيرهم بمنزلة أبيه، وصغيرهم بمنـزل بنيه، والنظير بمرتبة أخيه؛ المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم، واحتمل ما يلقاه من أذيتهم وجفوتهم وإعراضهم.
المؤمن الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده لصحة إيمانه وأمانته، سلموا من غشه وخديعته وخيانته؛ المؤمن هو التائب من الإِثم والعصيان والفسوق، واجتهد في برِّ القريب والجار والصاحب قائم بالحقوق.
ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان، ولا بالفاحش ولا بذيء اللسان، وليس المؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، ولا يأمن من غائلته وغشه، ولا شكر ربه على فضله وكرمه وإحسانه، المؤمن بريء من الكذب وإخلاف الوعد والمخاصمة والفجور، ومعرض عن السباب واللغو وقول الزور؛ فطوبى لعبد صدق إيمانه بالقول والعمل، وويل لمن ادعى الإِيمان فخالف ظاهره باطنه؛ فخاب وانقطع منه الأمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم التقوى في سركم وعلانيتكم، فعظموا الله واتقوه، فإنه -سبحانه- عليم بأحوالكم، ناظر إليكم، ثم يجازيكم على أعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
عباد الله: لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه، ثم يسعى في تكميل غيره، وهذا هو طريق جميع الأنبياء، فإنهم أول ما يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهي طريقة إمامهم -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
لم يفتر ولم يضعف؛ حتى أقام الله به الدين، وهدى به الخلق العظيم، ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكان يدعو بنفسه، ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله وإلى توحيده قبل كل شيء؛ لأن جميع الأعمال متوقفة في صحتها وقبولها على التوحيد.
فكما أن على العبد أن يقوم بتوحيد الله، فعليه أن يدعو العباد إلى الله بالتي هي أحسن، وكل من اهتدى على يديه؛ فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
وإذا كانت الدعوة إلى الله وإلى شهادة أن لا إله إلا الله فرضًا على كل أحد، كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره.
فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإِرشاد والهداية أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم، وعلى القادر ببدنه ويده، أو ماله أو جاهه وقوله، أعظم مما على من ليست له تلك القدرة، قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين.
هذا؛ وصلوا وسلموا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم