ربيع الأول - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

اقتباس

كأني بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شخص وحيد غريب مطارَد، يدعو الناس إلى الرشد وهم عنه يصدّون، ويأخذ بأيديهم إلى النجاة وهم عنه معرضون، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق وهم له كارهون، .. وهو مع ذلك حلو المعشر...

لا يُقاس عمر الإنسان الحقيقي بعدد ما عاشه من الأيام والسنين، فقد يعيش الإنسان كَلاًّ مهملاً لا يصلح في العير ولا في النفير، وكم عاش أناسٌ وماتوا دون أن يتركوا أثرًا صالحًا يرفع ذِكرهم في الحياة، ويسعدهم يوم يلقون ربهم!! ولكن المقياس الحقيقي لعمر الإنسان هو بمقدار ما خلَّفه من آثار صالحة وأعمال مبرورة، وإحياء لمعالم للخير مهجورة، وقيادة الناس للخير وحُسن سوقهم لما يصلحهم في دنياهم وسعادتهم في آخرهم.  

 

وهذه على الحقيقة لا تكون إلا للأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- الذين قاسوا آلامًا شديدة وابتلاءات صعبة في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وتعبوا كثيرًا في سبيل إبلاغ رسالة الله -سبحانه- وقيادة البشرية لكل خير، وصرفهم عن كل شر، وتبعهم في ذلك المجددون الذين يحيون ما اندرس من الدين، ويقاسون من ذات الآلام ويشربون من ذات الكأس، -رضي الله عنهم ورحمهم-.  

 

وإذا تعلق البشر بعظماء منهم، واستشرفوا تاريخهم، ورفعوا منزلتهم؛ وأكثروا من الإشادة بهم وذكروهم بالخير والثناء، لما قدموه من منافع للبشر، يأبى العقلاء إلا أن يأتوا بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- على رأس هؤلاء، ولِمَ لا؟! وهو المجدد بحق، الذي أحيا الله به ملة إبراهيم -عليه السلام-، ورد به البشرية إلى التوحيد بعد انغماسها في الشرك مُددًا طويلة، وقادهم -بحكمة واقتدار- إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة إن اتبعوه ولم يخالفوه.  

 

كأني بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شخص وحيد غريب مطارَد، يدعو الناس إلى الرشد وهم عنه يصدّون، ويأخذ بأيديهم إلى النجاة وهم عنه معرضون، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق وهم له كارهون، .. وهو مع ذلك حلو المعشر، لطيف العبارة، تصرفاته تنمّ عن حكمة عجيبة، أشجع الناس وأجودهم، قريب الصلة من ربه، متواضع في غير ضعف، يخالط أصحابه في محبة، يُحسن معاملة الكبير والصغير، ويُنزِل الناس منازلهم، يرفق بالمرأة ومحبوب من زوجاته، ويحنو على اليتيم، ويرحم الأطفال ويسلّم عليهم، ويُحسن التعامل معهم، ليس بفظ ولا غليظ، لا يغضب لنفسه، ولا يخوض مع الخائضين، ولم يقصّر في إبلاغ دعوته، فصلوات ربي وسلامه عليه.  

 

إن عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة عمر قصير بمقياس الزمن، إذ نُبِّئ على رأس الأربعين، فعاش 23 عامًا قضاها في دعوته -صلى الله عليه وسلم-، فغيَّر الله به أحوال العرب، فوحَّدوا الله بعد إشراكهم، وتواصلوا بعد قطيعة، وتحابوا بعد كراهية، واجتمعوا بعد فُرقة، وعزُّوا بعد ذِلَّة، وقووا بعد ضعفٍ، وبالجملة فلا أحد أكثر بركة على قومه من النبي -صلى الله عليه وسلم-.  

 

وهو مع ذلك كله، شخص واحد، غريب في وسط قوم غلب عليهم الضلال والشرك، يدعوهم للتوحيد، غريب مطارَد، يناديهم ويستحث فطرة الأنقياء منهم على تأييده ومعاونته حتى يبلغ رسالة ربه، فيقول: من يؤوني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةٍ، وَفِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: "مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ ؟"(رواه أحمد، وصححه الألباني).   وهذا ربيع الأول، مولد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ذكرى عطرة فوَّاحة، ومع ذلك يأبى الناس أن يسلكوا إليه بغير الطريق الصحيح فيبتدعون ويخالفوا سنته بزعم محبته!! ويأكلون بزعم محبته!! ويتكلف اقتصادهم مليارات -وهم دول فقيرة- بزعم محبته!! بل والأشد من ذلك أنهم يصنعون تماثيل وعرائس المولد بدعوى محبته -صلى الله عليه وسلم-!   أرأيتم أمة تحتفل بنبيها، فتحيي ما جاء من أجل إماتته؟! أرأيتم أمة ضحكت من جهلها الأمم كأمتنا، تدعي محبته وتخالف سنته؟! هل لو بُعث فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- اليوم سيتعرف علينا، ونحن نخالف سننه ليلاً ونهارًا.  

 

إن الاحتفال بالمولد بدعة محدثة ابتدعها العبيديون الروافض، أو من يتسمون بالفاطميين عندما كانوا يحكمون مصر وبلاد الشام، وليس ذلك فحسب، بل نصبوا في قرية قبرًا مشرفًا، وأنشأوا في بلاد المسلمين عدة قبور للصحابي الواحد؛ كالحسين -رضي الله عنه- له قبر في كربلاء، وآخر في فلسطين، وثالث في القاهرة، ورابع في المدينة النبوية مع أمه، وهكذا السيدة زينب لها قبر في القاهرة وآخر في دمشق، وهكذا...   إن الاستقامة على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته واتباعه، والدعوة إلى دينه هي من دلائل محبته -صلى الله عليه وسلم-، وتأمل قول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره عند قول الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران:31]، قال: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(متفق عليه).  

 

فأين نحن اليوم من هديه وسنته -صلى الله عليه وسلم-، ومن محبته وكثرة الصلاة والسلام عليه، ومتابعته في هديه الظاهر والباطن؟! إن من أراد أن يعلن محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فليكثر من طاعته ويلزم سنته -صلى الله عليه وسلم-، فهذه هي علامة محبته -صلى الله عليه وسلم-، ونسأل الله أن يوردنا حوضه ويسقينا من يده شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، وألا يُفرّق بيننا وبينه حتى يُدخلنا مدخله. وبين يديك -أخي الخطيب الكريم- مجموعة خطب منتقاة توضّح حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يرافق هذا الاحتفال من مخالفات شرعية، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاقتداء والاتباع، إنه ولي ذلك والقادر عليه.  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
العنوان
الاحتفال بالمولد 2014/01/13 4805 1113 79
الاحتفال بالمولد

أيها المؤمنون: لقد افترض الله -جل وعلا- على العباد طاعة هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومحبته، واتباعه، ولزوم نهجه. وأوجب جل وعلا تقديم محبته على محبة الأهل والولد والعشيرة والتجارة، والناس أجمعين. وهذه المحبة التي افترضها الله -جل وعلا- على العباد ليست مجرد كلمةٍ تدَّعى، أو أمرٍ يتظاهر الانسان به؛ دون تحقيقٍ لصدقٍ في هذه المحبة. وقد جعل الله -عز وجل- علامةً عظيمة، وبرهانًا واضحا على صدق محبة هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- ألا، وهي:...

المرفقات

بالمولد1

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life