أول جمعة بعد رمضان لعام 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

ومن أمارات وعلامات مداومتنا أن نصوم ستة أيام من شوال، وصيامها من توجيهات نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد روى أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر" (مسلم)، ومن دلائل مداومتنا أن نحافظ على صيام التطوع، فنصوم الاثنين والخميس اقتداءً بنبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ فلما سأل ربيعةُ بن الغاز أمَ المؤمنين عائشة عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان يتحرى صيام الاثنين والخميس"...

لك الحمد يا رب أن أعنتنا على صيام شهر رمضان فصمناه، ووفقتنا إلى قيامه فقمناه، وهديتنا للقرب من قرآنك حتى ختمناه، ورزقتنا من واسع خزائنك فتصدقنا ووصلنا الأرحام، وشرحت صدورنا للذكر والاستغفار... ولولاك يا الله ما فعلنا، فلك الحمد أولًا ولك الحمد آخرًا.   ونحن يا رب إذ نحمدك وإذ نشكرك إنما نستجيب لما أمرت؛ فقد قرأنا قولك -يا جليل يا كبير- في محكم تنزيلك: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، يقول الزمخشري: "ومعنى (ولعلكم تشكرون) وإرادة أن تشكروا" (تفسير الزمخشري)، وفي تفسير الطبري: "ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق".  

 

وما شُكرُنا هذا إلا منةً وتفضلًا منك، على حد قول موسى لربه يوم الطور: "أي رب إن كلمتني فمن قِبَلِك، وإن صليتُ فمن قبلك، وإن صمتُ فمن قبلك، وإن أرسلتني فمن قبلك، وإن بلغت رسالتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟!" فأجابه الجليل -عز وجل-: "يا موسى الآن علمت أنك قد شكرتني حيث علمت أنه من قِبَلي" (تاريخ دمشق لابن عساكر)، فيا ربنا إن صمنا فمن منتك، وإن قمنا فمن فضلك، وإن تصدقنا فمن رزقك... فأنت المتفضل أولًا وآخرًا.

 

***  

 

ومن تمام شكرنا لك يا رب أن نداوم على طاعتك حتى نلقاك استجابةً لما أمرتنا -يا رب العالمين- حين قلت: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، واليقين هنا "يعني الموت الموقن به الذي لا يشك فيه أحد، والمعنى: واعبد ربك في جميع أوقاتك، ومدة حياتك حتى يأتيك الموت وأنت في عبادة ربك" (تفسير الخازن).  

 

ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ أجاب: "أدومها وإن قل" (متفق عليه)، وعن عائشة أنها قالت: "كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدوم عليه صاحبه" (متفق عليه)، وعن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة فقلت: يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: "لا، كان عمله ديمة..." (متفق عليه).   فنعوذ بك يا رب أن نعبدك في رمضان ونغفل عن عبادتك إذا انقضى رمضان، ونشهدك أنا قد عزمنا على ألا نتخلى عما اعتدنا عليه في رمضان من الأعمال الصالحات أبدًا، فنكون كرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملًا أثبته" (مسلم).   ومن أمارات وعلامات مداومتنا أن نصوم ستة أيام من شوال، وصيامها من توجيهات نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد روى أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر" (مسلم).  

 

ومن دلائل مداومتنا أن نحافظ على صيام التطوع، فنصوم الاثنين والخميس اقتداءً بنبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ فلما سأل ربيعةُ بن الغاز أمَ المؤمنين عائشة عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان يتحرى صيام الاثنين والخميس" (ابن ماجه)، ونصوم الثلاثة البيض من كل شهر فعن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، ويقول: "هن كهيئة الدهر" (أبو داود)، ونحن من الآن نعزم وننوي أن نصوم التسع الأوائل من ذي الحجة لما نقل إلينا هنيدةُ بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان يصوم تسعًا من ذي الحجة..." (النسائي في الكبرى).   ومن براهين عزمنا الأكيد على المداومة مواظبتنا على وردٍ من القرآن نقرؤه كل يوم مهما كانت انشغالاتنا، كيلا يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- شاكيًا إيانا إلى رب العالمين كما حكى القرآن: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان: 30].

 

***  

 

وما زلنا إلى الآن نحمل هَمَّ القبول، وليس هذا حالنا وحدنا بل هو حال من هم خير منا؛ يقول معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله -تعالى- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، فكان العام كله لهم رمضان، ويقول يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلًا" (لطائف المعارف لابن رجب بتصرف بسيط)، وإننا نستظهر تلك العلامات لننظر هل تحققت في أنفسنا؟ ومن علامات قبول الطاعات:   العلامة الأولى: الخوف من عدم القبول: فقد سألت عائشةُ -رضي الله عنها- زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] قائلة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فأجابها: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 61]" (الترمذي)، فاللهم اجعلنا منهم بكرمك يا أكرم الأكرمين.  

 

العلامة الثانية: أن يكون حالنا بعد رمضان أفضل من حالنا قبله: فإنك تجد من قُبِلت منه الطاعة مسارعًا إلى القربات مقبلًا عليها، فالطاعة تولِّد الطاعة... وتجد المردود المخذول المرفوض سريع الوقوع في المعاصي والذنوب، منقبض القلب عن الطاعة، فالخذلان يجر الخذلان... يقول الله -عز وجل-: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل: 5-10]، وعليه: فالمداومة على الطاعات من علامات القبول.  

 

العلامة الثالثة: الدعاء وكثرة الاستغفار: فإن المقبول منشرح الصدر للذكر والطلب من الله -تعالى-، ولا ننسى كيف كان خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- يدعو الله -تعالى- بالقبول وهو يبني الكعبة: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 127-129]، فقد شرح العمل الصالح المتقبل صدره إلى سؤال الله -تعالى- من فضله.  

 

وأما الاستغفار فهو دأب الصالحين مقبولي العمل بعد كل طاعة متقبلة، وقد نقل إلينا القرآن الكريم أحوال بعضهم فقال عن قوام الليل: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17-18]، ووجَّه حجاج بيت الله قائلًا: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 199-200]، بل ودلَّ الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- على الاستغفار في نهاية أداء مهمته قائلًا: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر: 1-3].

 

***  

 

وإننا لنعزم الآن العزم الأكيد ألا نعود إلى المعاصي التي أقلعنا عنها في رمضان أبدًا، لكي نحافظ على الأجور والحسنات التي وفقنا الله -تعالى- إليها في رمضان، وكيلا تكون الذنوب سببًا في انتكاسنا فنكون كتلك التي حذرنا القرآن أن نكون مثلها أو نخطئ خطأها حين قال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل: 92].

 

***  

 

ولا تظنن الآن أن كل ما قلناه هو من عندنا أو من جعبتنا، بل إنما استقيناه -بعد القرآن والسنة- من خطب خطبائنا الذين حذروا الناس من الانقطاع عن الطاعة، ورغَّبوهم بكل وسيلة في الاستدامة على العبادة، وهذه بعض تلك الخطب:

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
العنوان
ماذا بعد رمضان؟ 2017/06/28 2665 795 26
ماذا بعد رمضان؟

إنَّ الذِين يفعلونَ الخيرَ في رمضانَ ثُمَّ إذا انقضَى عَادوا إلى سِيرتِهِمُ الأُولى مِن الفُسوقِ والعصْيانِ إنَّما هُم كَمَنْ يُجْهِدُ نفسَه بالغَزلِ طُولَ النهارِ ثُم في آخِرِه يَنْقُضُهُ. إنَّما هُم يعبدونَ رمضانَ لا ربَّ رمضانَ، ومَن كَانَ يَعبدُ رمضانَ فإنَّ رمضانَ شَهرٌ يُوَلِّي ويَنقضِي ومَن كَانَ يَعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يموتُ.

المرفقات

ماذا بعد رمضان؟

ماذا بعد رمضان؟4.doc

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life