عناصر الخطبة
1/ منزلة رمضان ومكانته 2/ رمضان مدرسة إيمانية وتربوية 3/ بعض الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من رمضان 4/ المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضاناقتباس
رمضان مدرسة تربوية إيمانية نقتبس منها الدروس والعبرَ، لنثبُتَ على الطاعة بعد رمضان، ونواجه بعزيمة وثبات ما يعترض طريقنا من عقبات ومعيقات بعد رمضان. فما الذي تعلمناه في رمضان؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
ها قدْ مضى شهرُ رمضانَ، شهر الصيام والقيام والقرآن، شهر الذكر والدعاء والإحسان؛ مضى رمضان؛ وقلوبُ المسلمين على فراقه حزينة، وإلى عودته مشتاقة.
مضى رمضان الذي جاءنا مبشراً بعطايا الرحمن وهباته لعباده، بالمغفرة والشفاعة والعتق من النار ودخول الجنة من باب الريان.
مضى رمضان الذي ترَبّى فيه العباد على الاجتهاد في الطاعات والقربات، والتحكم في النزوات والشهوات، والبعد عن المعاصي والمنكرات.
مضى رمضان ليكون شاهدًا للمؤمن بطاعته وصالِح عمله وعبادته وإحسانه، وشاهدًا على المقصِّر بتقصيره وتفريطه وغفلته وعصيانه، أحْسَنَ في رمضان أقوامٌ ففازوا وسبقوا، وأساء فيه آخرون فرجعوا بالخَيْبة والخسران.
إخوتي الكرام: ها نحن قد خرجنا من رمضان، فما الذي تعلمناه في رمضان؟ ليُنيرَ طريقنا في دروب الحياة الشائكة بعد رمضان، ولنقوي به عزائمنا، ونعلي به هممنا لنسير على ذات الطريق بعد رمضان.
فرمضان مدرسة تربوية إيمانية نقتبس منها الدروس والعبرَ، لنثبُتَ على الطاعة بعد رمضان، ونواجه بعزيمة وثبات ما يعترض طريقنا من عقبات ومعيقات بعد رمضان. فما الذي تعلمناه في رمضان؟
لقد علمنا رمضان: أن الاجتهادَ في طاعة الله والابتعادَ عن معصيته يحتاج منا إلى صبر وثبات، وعزيمة قوية وهمة عالية؛ فالمعالي لا تدرَك بالأماني، ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجد.
كذا المعالي إذا ما رمت تدركها *** فاعبُرْ إليها على جسْر من التعب
فمن كان ذا همة وصبر وعزيمة في رمضان هو الذي قد فاز في رمضان، وهو الذي سيثبت على الطاعة بعد رمضان. فبعدَ رمضان نحتاج إلى صبر وهمة وعزيمة، حتى نستمرّ على الطاعة التي تربينا عليها في رمضان، وحتى لا نقعَ في المعاصي التي تربينا على اجتنابها في رمضان.
فإنّ الشياطين التي نجانا الله من شرها وكيدها في رمضان، ينبغي أن نحذرَها بعد رمضان؛ فبمجرَّد غروب شمس آخر يوم من رمضان، تُطلَق شياطين الجنّ من قيودِها وأغلالها، وترجع إلى ابن آدم لإغوائه وإضلاله.
وهذا كبيرُهم يُقسِمُ لربِّنا -عز وجل- على إغواء بني آدم، فيقول: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82 - 83]، ويقول أيضا: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16 - 17].
ستأتيك الشياطين من جهاتك الأربع؛ حتى لا تشكر الله -عز وجل-، وحتى لا تثبت على طاعته، وحتى تقع في معصيته.
ستعملُ بجِدٍّ ونشاط من أجل إفسادك وإبعادك عن طاعة الله، وتَضيِيع ما جمعتَه من الحسنات في رمضان.
فإيَّاك -أيها المسلم العائد إلى الله- أن تُهزَم في هذه المعركة التي لا تتوقف ولا تنتهي إلا بنهاية الدنيا، إنها معركة الحق والباطل، وانتصارُك في هذه المعركة يكون بمحافظتك على توبتك وطاعتك لله -تعالى- بعد رمضان، وذلك يحتاج منك إلى صبر وثبات، وعزيمة قوية وهمة عالية.
علمنا رمضان: أن تربية النفس على الطاعة تكون بالممارسة المستمرة والمجاهدة الدائمة؛ فمن جاهد نفسه في طاعة الله أعانه الله، وهداه ووفقه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
علمنا رمضان: أنّ الهَمّ الأكبرَ في حياتنا أن نلتزم بالدين ونهتمّ بالآخرة؛ فرمضان يجعل النفوس تقلع عن شهواتها الزائلة وتتحكم في ملذاتها الفانية، لتتعلق بنعيم الجنة الخالد وسعادتها الدائمة.
والنفوس التي تتعلق بالآخرة لا تتعلق بالدنيا، بل تنظر إليها على أنها مجرد وسيلة لبلوغ الآخرة، وتنظر إليها على أنها مزرعة للآخرة، من زرع الخير فيها وجد ثوابه وأجره وجزاءه في الآخرة، ومن زرع الشر فيها وجد وزره وحسرته وعقابه في الآخرة: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران: 30].
من تعلق قلبه بالآخرة لا يخاصم ولا يعادي ولا يقاتل من أجل هذه الدنيا الفانية؛ لأنه مشغول بالعمل الذي يسعده في الدار الباقية، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) [الإسراء: 18 - 19]، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت الآخرة همَّه جعل الله غِناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّرَ له" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع).
علمنا رمضان: أن للعبادة طعْما، وأن للإيمان حلاوة؛ فمن اجتهد في رمضان بصدق وإخلاص وجد حلاوة الإيمان، وأحسّ بلذة الطاعة. ومُحالٌ لمن ذاق حلاوة الإيمان وذاق لذة الطاعة أن يتخلى عن ذلك بعد رمضان. بمحبتك لله وتعظيمك لله وحسن توكلك على الله تذوق حلاوة الإيمان، وباجتهادك فيما يرضي الله وإحسانك إلى عباد الله تذوق لذة الطاعات؛ ففي صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ذاق طعمَ الإيمان مَن رَضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا"، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
فيا قرّاءَ القرآن في رمضان: هل ستهجرون القرآن بعد أن ذقتم حلاوته، ووجدتم أنسه، وأدركتم روعته، وعرفتم قدره؟
يا عُمّارَ المساجد في رمضان: هل ستهجرون المساجد بعد أن وجدتم راحتكم فيها، وتلذذتم بالطاعة فيها، وذقتم حلاوة مجالسها؟
يا أهلَ الجود والإحسان في رمضان: هل ستتركون الإحسان بعد رمضان، وتتخلون عن إخوانكم الفقراء، بعد أن أدركتم قدرَ النعم وذقتم حلاوة البذل والعطاء؟
علمنا رمضان: أننا في حاجة إلى التعاون على طاعة الله وعبادته، فبالتعاون يكون الإقبال على العبادة بهمة ونشاط، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
علمنا رمضان: أننا في حاجة إلى التضامن والتآزر والتراحم والتعاطف، فقوتنا في وحدتنا، وعزنا وأمننا واستقرارنا في تضامننا وتراحمنا، ومن أحسنَ إلى الناس أحسن الله إليه؛ فالجزاء من جنس العمل: "من فطر صائما كان له مثلُ أجره من غير أن ينتقصَ من أجر الصائم شيء"، و "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة".
فرحم الله من أعان أخاه على طاعة الله، ودله على ما ينفعه في دنياه وفي أخراه، فـ "الدال على الخير كفاعله"، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
علمنا رمضان: أن الدنيا إلى زوال؛ نعيمها لا يدوم، وراحتها لا تدوم، وسعادتها لا تدوم، وسرورها لا يدوم، والإنسان فيها لا يدوم.
ولنا في انقضاءِ رمضانَ بهذه السرعة الفائقة عِبرة وعظة، فقدْ كُنَّا نعيشُ أيامَهُ فَرِحينَ متنعمينَ بها، ثُمَّ انقضتْ تِلكُمُ الأيامُ وكأَنها طيفُ خيالٍ، مضتْ تلكَ الأيامُ لِنقطَعَ بها مرحلةً مِنْ حياتِنَا لَنْ تعودَ إلينا أبدًا، وإنَّما يبقى لنا ما أودعنَاهُ فيها مِنْ خيرٍ أو شرٍّ، وهكذا الأيامُ التي تمرُّ علينا تنقصُ منْ أعمارِنا وتُقرِّبنا مِنْ آجالِنا، قال الحسن البصريُّ -رحمه الله-: "ابنَ آدمَ إنَّما أنت أيَّام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضُك".
فيا من علقتَ قلبك بهذه الدنيا: اعلم أنها ستمضي كما مضى رمضان، وكما مضت الشهور والأعوام والدهور قبل رمضان، وسينسى أهل النعيم نعيمهم، والبؤساء بؤسهم، حين يفترق الناس إلى فريقين: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: 7]، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بأنعَمِ أهل الدنيا مِن أهل النار يوم القيامة، فيُصْبَغُ في النار صَبْغة، ثم يُقال: يا ابنَ آدم؛ هلْ رأيتَ خيرا قط؟ هل مرّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويُؤْتَى بأشدّ الناس بُؤْسا في الدنيا مِنْ أهل الجنة، فيُصْبَغُ صَبْغة في الجنة، فيقال له: يا ابنَ آدم؛ هل رأيتَ بُؤسا قط؟ هل مَرّ بك شِدّة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرّ بي بُؤْسٌ قط، ولا رأيتُ شِدة قط" (رواه مسلم).
ومن أدرك حقيقة الدنيا لا يَجدُرُ به أن يكون غافلا عن آخرته، ولا أن يضيع عمرَه فيما يضره ولا يفيده، بل يتزود من الأعمال الصالحة ما يكون ذخرًا له بعد مماته؛ فإنّ هول المطلع شديد، وإن الحساب عسير، وإن كتاب العبد لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7 - 8].
فخذ من حياتك لموتك، واعمل في دنياك من أجل آخرتك، وأتعِبْ نفسك هنا لتستريح هناك، جاء رجل من أهل خراسان إلى الإمام أحمدَ -رحمه الله تعالى- فقال: "يا أبا عبد الله قصدتُك من خراسان أسألك عن مسألة؟ قال له: سل، قال: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة".
فيا ساكن القبر غدًا: ما الذي غرَّك من الدنيا؟ فأين سكَّانها الذين بَنَوْا مدائنها، وشقُّوا أنهارها، وغرسوا أشجارها، وأقاموا فيها دهورًا؟ سَلْهم: ماذا صنَع التراب بأبدانهم، والهوام بأجسادهم، والديدان بعظامهم وأوصالهم؟
يا راحلا عن الدنيا غدا: ماذا أخذت من دنياك لأخراك، وماذا زرعت في دنياك لتحصده في أخراك؟
تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ رَاحِلٌ *** وَسَارِعْ إِلَى الْخَيْرَاتِ فِيمَنْ يُسَارِعُ
فَمَا الْمَالُ وَالأَهْلُونَ إِلاَّ وَدَائِعٌ *** وَلاَ بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الوَدَائِعُ
علمنا رمضان: أننا فقراء إلى الله؛ نحتاج إلى عونه ومدده وهدايته وتوفيقه، بذلك يكون الفوز والفلاح، والنجاة والنجاح: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
علمنا رمضان: أننا فقراء إلى الله؛ نحتاج إلى رزقه وعطائه وكرَمه وإحسانه. فيا من أحسست بألم الجوع والعطش في رمضان، ماذا لو أمسك الله عنك رزقه؟ هل ينفعك مالك؟ أم قوتك؟ أم جاهك؟ أم منصبك؟ (أَمَّنْ هَذَ?ا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) [الملك: 21]، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ? أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك: 30].
فدَاوِمْ على العبادة -يا عبد الله-، ولا تغترّ بقوتك أو مالك أو منصبك أو جاهِك؛ فإنك فقير إلى الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر: 15 - 17].
داوِمْ على الطاعة -يا عبد الله-؛ فبالمداومة على الخير يكون حُسن الخاتمة، فتكون السعادة وتكون النجاة: (كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ? بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 31 - 32].
دَاوِمْ على الأعمال الصالحة فبالمداومة عليها تنال رضا الله ومحبته؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومُها وإنْ قَلّ" (متفق عليه).
داومْ على الطاعة بعد رمضان فبالمداومة عليها يكون الفوز ويكون الفلاح: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
إياك أن تهجر القرآن فإنه دليلك إلى كل خير وفلاح: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15 - 16].
إياك أن تهجر المساجد فإنها طريقك إلى المغفرة والرحمة وعظيم الأجر والثواب؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط" (رواه مسلم).
إياك أن تضيع الصلاة فإنها صلة بينك وبين الله، وبالمحافظة عليها تكون من المفلحين الذين يفوزون بجنة الفردوس: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 1 - 11].
لا تكن غافلا عن ذكر الله فبذكر الله تطمئن القلوب: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، وبذكر الله يكون الفوز والفلاح: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 9 - 10].
لا تهجر مجالس العلم فإنها مجالس ذكر وخير وأجر وإيمان، تحفها الملائكة، وتنزل فيها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكر الله -تعالى- أهلها في الملإ الأعلى عنده.
لا تقطع صلتك بقيام الليل؛ "فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، وَمَكْفرَة للسيئات، وَمَنهاة عن الإثم" (رواه ابن خزيمة والترمذي عن أبي أمامة مرفوعا).
لا تقطع صلتك بالصيام؛ فإن "من صام يوما في سبيل الله، بعّدَ الله وجهَه عن النار سبعين خريفا" (رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا).
ابدأ صيام التطوع بصوم ست من شوال، ليكتمل لك أجرُ صيام السنة كلها إذا أضفتها إلى رمضان؛ فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صام رمضان، ثم أتبعه ستا مِن شوال، كان كصيام الدّهْر" (رواه مسلم).
فيا من تريد أن تفوز بمغفرة الذنوب والآثام، وتحظى بشفاعة الصيام والقرآن، وتفوز بالعتق من النيران، وتدخل الجنة من باب الريان: اثبت على الطاعة بعد رمضان، وداوم على عبادة الله حتى تلقى الله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
فاتقوا الله -عباد الله-، وحافظوا على قدر رمضان في نفوسكم، وعلى أجر صيامه وقيامه، بمداومتكم على الطاعة، وابتعادكم عن المعصية بعد رمضان. لا تهدموا ما بنيتم، ولا تفسدوا ما أصلحتم: (وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة: 21].
فاللهم ثبتنا على الطاعة بعد رمضان، وأعنا على العبادة بعد رمضان، واحفظنا من المعاصي بعد رمضان.
اللهم اختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، ووفقنا لما تحبها وترضاه.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصلاتنا وطاعتنا، ولا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك آيسين.
اللهم اجعلنا ممن خرج من رمضان وقد غُفِرَتْ ذنوبُه ومُحِيَتْ سيئاته، وكثرَتْ حسناته، ورُفِعتْ درَجاته، وأعتِقتْ رقبته.
اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن وأمتنا في خير وأمن وسلام وحياة سعيدة.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا وقرة أعيننا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم