اقتباس
ومن العقبات والعوائق -كذلك-: احتجاج كثير من الآباء والأمهات بضرورة استكمال الدراسة الجامعية وتأمين المستقبل، وجهلوا أن الزواج من أسباب الغنى؛ يقول الصديق -رضي الله عنه-: "أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما...
تتجلى عظمة الإسلام بما جاء به من الشرائع والأحكام التي بها تصلح أحوال الناس في دينهم ودنياهم وما تكون سببا للفوز بآخرتهم؛ فيجد المتأمل في شرائعه وأحكامه؛ أنه دل الثقلين إلى كل الفضائل والمحاسن، وحذرهم من الرذائل والقبائح؛ فأمر بالتوحيد ونهى عن الشرك، ووجه إلى الطاعة وحذر من العصيان، كما أرشد إلى سلوك سبيل العفة والفضيلة وكره ما يقود إلى الفاحشة والرذيلة؛ فنجد أنه حث على الزواج ورغب فيه، وأكد على الوسائل والأسباب التي تعين على تحقيق مقاصده وحِكمه؛ فدعا إلى تيسير المهور وتخفيفيها، وأخبر أن البركة فيما يتعلق بالنساء بأقلهن مهرا وأيسرهن مؤونة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة" (رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم).
وإن الناظر إلى حال المجتمعات اليوم يجد أنها قد أحاطت طريق العفة بالعوائق والعقبات، ولعلنا في هذه السطور القليلة نتحدث إليكم عن أبرز المعضلات وأعظم المشكلات التي تحول دون عفة الشباب والفتيات، ومن أبرز ذلك، ما يلي:
المغالاة في المهور: وهذه عقبة كبيرة تسببت في حرمان الكثير من الشباب والفتيات من السكن والراحة النفسية والطمأنينة والولد، وهي مخالفة لهدي خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- القائل: "إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً مُيسراً" (رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه)، والذي زوج، "رجلاً بما معه من القرآن"، والذي قال لآخر: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، وأنكر -صلى الله عليه وسلم- على المغالين في المهور، وفي صحيح مسلم، جاءه رجل يسأله فقال: "إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ: عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ".
وهذه العقبة مجانبة لهدي الصحابة الكرام والسلف الأعلام، ويبرهن على ذلك قول الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً" (رواه أحمد)؛ فلم يسلكوا سبيل التيسير في ذلك تزهيدا في بناتهم ونسائهم، وإنما اقتفاء بهدي نبيهم -صلى الله الله عليه وسلم- وسعيهم في إعفاف أبنائهم وبناتهم، وانظروا إلى مهر التاجر الأمين عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- الذي "تزوج بوزن نواة من ذهب".
ومن العقبات في طريق الزواج وعوائقه: عضل المرأة وذلك بمنعِها من الزواج بالكفء؛ إذا تقدم لها ورغب كل واحد منهما في الآخر، وقد نهى الله -عز وجل- عن ذلك في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
ولا شك أن العضل ظلم للمرأة وفساد كبير، قال -صلى الله عليه وسلم- محذرا من ذلك: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
ومن العقبات التي تحول دون زواج الشباب والفتيات: تحديد سن الزواج وهذا الفعل بدعة محدثة لا دليل عليها ولا أسوة فيها، وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- وعمرها تسع سنوات، وفعل النبي الكريم حجة، كما أنه لم يثبت في تاريخ الصحابة الكرام والسلف الأعلام تحديد سن الزواج الذي غدا عائقا لكثير من الشباب والفتيات وحرمانهم من العفة والزواج.
ومن العقبات والعوائق -كذلك-: احتجاج كثير من الآباء والأمهات بضرورة استكمال الدراسة الجامعية وتأمين المستقبل، وجهلوا أن الزواج من أسباب الغنى؛ يقول الصديق -رضي الله عنه-: "أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى"، وقال ابن مسعود ر-ضي الله عنه-: "التمسوا الغنى في النكاح".
ومن العوائق -أيضا-: التكاليف الباهظة التي تصاحب الأعراس والفعاليات التي أحيطت به تبذيرا وفخرا، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك؛ فقال: "إن أناسًا يتخوّضون في مال الله بغير حقه لهم النار يوم القيامة" (أخرجه البخاري).
ومن العوائق: تنصل بعض أولياء الأمور القادرين على إعفاف أبنائهم وبناتهم، وقد أجمع الفقهاء على أنه يجب على أولياء الأمور الميسورين تزويج أبنائهم الفقراء وذلك لما فيه من حماية للفضيلة وسد لأبواب الشر والرذيلة.
كما أن من عقبات الزواج وعوائقه: تعنت بعض أولياء الأمور بوضع بعض الشروط التي ليست في كتاب الله ولا سنة ورسوله، كاشتراط أن يكون المتقدم غنيا وأن يكون مسكنه منفردا عن أهله وأقاربه، أو يكون لديه وظيفة معينة أو منزلاً في مدينة ما، وقد أسقط النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الشروط؛ فقال: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ فَمَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّة".
ومن عوائق الزواج: تهرب بعض الشباب والفتيات من المسؤولية والتبعات، وهذا مخالف للفطرة السوية وشرعة رب البرية والسنة المحمدية.
ومن العوائق: العادات السيئة في بعض المجتمعات،؛كالطبقية الأسرية والفوارق المعيشية، وهذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي لا يكافئه نسب؛ فقد تزوج صلوات ربي وسلامه عليه بعض نسائه وهن أقل منه نسبا، كما أنه زوج بعض بناته من غير بني هاشم.
كما أنه مخالف لمنهج السلف -رضي الله عنهم- فقد كانوا يزوجون صاحب الدين والتقوى والصلاح دون النظر إلى مقامه ومكانته الاجتماعية وحياتيه المعيشية؛ فهذا جليبيب -رضي الله عنه- خطب له النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنة رجل من الأنصار؛ فقال الأنصاري: "حتى أشاور أمها؛ فلما ذكر الرجل الأمر لزوجته، أنفت من ذلك لدمامته وفقره، وبينما هَمَّ الرجل بالقيام لإخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- برفض زوجته، قالت البنت: أتردون على رسول الله أمره؟! فما كان منهما إلا أن تراجعا عن قرارهما، ووافقا على الزواج" وكذا أسامة بن زيد -رضي الله عنه- وأمثلة ذلك كثر.
وقد أرسى النبي -صلى الله عليه وسلم- المعيار الشرعي في اختيار الزوج؛ فقال مخاطبا أمته: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ"، وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" (حسن الألباني).
ومن العوائق في طريق الزواج: اشتراط بعض الأسر والمجتمعات القرابة، دون النظر في أخلاق المتقدم للزواج ولا دينه ولا خلقه؛ ناهيك عما تنتجه هذه العادة وهي الاقتصار بالزواج على القريب من آثار سلبية لا تقتصر على الزوجين فقط؛ بل تطال الأسرة والأرحام والأقارب لينتج على إثرها الخصومات والعدوات والقطيعة بين الأرحام والهجر، وينتهي الأمر غالبا بالطلاق وتفكك الأسرة وضياع أفرادها؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل، "وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم –"، كما روى الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنه-.
فاتقوا الله -معشر الآباء والأمهات- في أولادكم وبناتكم، واسعوا في تحصينهم وأعينوهم على استكمال دينهم، واعلموا أنكم مسؤولون بين يدي الله عن ما استرعاكم إياه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ" (البخاري ومسلم).
ويا أيها الشباب القادر: توكل على الله، وحصن نفسك، ولا تتعلق بأمور مثالية وهمية متذرعا بأعذار واهية لا تخدم نفسك ولا دينك ولا مجتمك، فخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: "وحبب إلي من دنياكم النساء".
ويا أيها الخطباء الكرام: ها نحن قد وضعنا بين أيديكم مقدمة عن العوائق والمعضلات التي تحول دون إعفاف شباب المسلمين وفتياتهم، كما أننا اخترنا لكم ثلة من الخطب المنتقاة؛ لتكون عونا لكم في إعداد ما يخدم هذا الموضوع المهم، سائلا المولى أن يجعلنا وإياكم من الداعين إلى كل فضيلة المحاربين لكل رذيلة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم