أهمية الكتاب وحقوق المؤلف - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

ثم هي كلمة أخيرة لمن يجيد الصياغة والتأليف والكتابة: إن قلمك في يمينك أمانة، فلا تخذل هؤلاء الذين ينتظرون ما تكتب، ولا تخدعهم إذ ائتمنوك على عقولهم وأسلموا لك توجيهها بقلمك، وليكن نصب عينيك قول...

   قيل للنبي -صلى الله عليه وسلـم- أول ما قيل: "اقرأ"، فأجاب: "ما أنا بقارئ"، فكرر جبريل ذلك على رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- مرارًا، وهو -صلى الله عليه وسلـم- يكرر نفس إجابته، حتى تلى عليه جبريل ما كُلِّف بتبليغه من أول آيات القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)[العلق: 1-3]...  

 

ومن يومها وصارت أمتنا: "أمة اقرأ"؛ أمة العلم والتعلم، والقراءة والكتابة... أمة مثقفة متعلمة ومستزيدة من العلم، أمة تقدِّم الكتاب على الطعام والشراب؛ فإن الطعام والشراب عندها ذو فائدة وقتية حالية زائلة، أما الكتاب والعلم فيرفع الله بهما في الجنة ويخفض، ويعز الله على أساسهما ويذل...   وفي كل زمان من أزمنة المسلمين وفي كل عصر من عصورهم كان للكتاب مكانة فريدة في القلوب وفي البيوت وفي موازين الحكام والسلاطين والولاة، وقد كانت للعالم مهابة وتوقير واحترام وشرف، وكم من عالم -في زمان العزة- غالبه الأمراء فغلبهم، وما فضله عليهم إلا أنه يتعلم العلم ويعمل به.

  ***  

وقد كانت الكتابات في قديم الزمان تُنحَت على الصخور والجبال والأحجار، ثم صارت تُكتَب على جلود الإبل والأبقار، ثم اكتشفوا طريقة صنع الأوراق البدائية ذات السمك والحجم الكبيرين، ثم هذبت هذه الأوراق حتى صارت في صورة أفضل، وما زالت تتطور حتى ظهرت أنواع الورق الفاخرة بالأشكال والألوان المختلفة، وصنعت منها الكتب والمجلات والصحف...   وكما تطورت الألواح التي عليها يُكتَب، فكذلك تطورت وسائل الكتابة على هذه الألواح؛ فكان يستخدم للحفر على الصخور "إزميل" من حديد، ثم صار يستخدم للكتابة على الجلود أقلام من نبات "البوص" يصنع لها سن مدبب وتغمس في المحبرة ويكتب بها، ثم اخترِع قلم الحبر، ثم القلم الجاف، ثم ظهر تصوير المستندات، ثم اختُرِعت المطبعة التي تستطيع طباعة آلاف الصفحات في القليل من الساعات، ثم ظهر الحاسوب والشبكة العنكبوتية، فصارت الكتب تُكتَب على الحاسوب في صيغ مختلفة وترفع على الشبكة العنكبوتية لتتاح قراءتها واقتناؤها من أي جهاز حاسوب آخر على وجه الأرض، فسبحان من علم الإنسان ما لم يكن يعلم!   ومع هذا التطور فيما يُكتَب عليه وفيما يُكتب به، تقلب القراء والكُتَّاب بين طرق ووسائل شتى؛ فبعد الإمساك باللوح الحجري أو بجلد البقر للكتابة عليه أو لقراءة ما خط فيه، إذا بقرَّاء عصرنا وكُتَّابه يقرءون ويكتبون على الحاسوب وعلى الهاتف المحمول وعلى غيرهما من وسائل كانت في الماضي ضربًا من الخيال والمحال، فأصبحت في زماننا هذا من العاديات المعهودات!

 

  ***

  وفي كل العصور كان الحرفيون والصنَّاع يحرصون على نسبة أعمالهم إلى أنفسهم؛ فالبنَّاء حريص بل وفخور بروعة مبانيه يعلن أنه صانعها ويتباهى بزخرفها ورونقها، والخياط كذلك مع ما خاط من ملابس، وحداد السيوف أيضًا مع ما صنع من سيوف... إلا هؤلاء الذين كانوا يكتبون ويؤلفون فلم يكن الناس يأبهون لما يسمى في عصرنا بـ"حقوق الملكية الفكرية" أو بـ"الحقوق المعنوية"، لذا فكم نُسبت كتابات إلى غير أصحابها، وكم سُرقت ابتكارات وأفكار، وكم اعتُدِي على جهود بُذلت وأوقات أُنفقت وفكر أُعمِل وأُضني...  

 

حتى أفاق الناس وانتبهوا إلى أن الجهد والوقت المبذولين في تأليف كتاب ما لربما كان أعظم وأكثر من الجهد المبذول في بناء بيت ما! وأن حق المؤلف والكاتب في نسبة كتابه إليه أهم من حق الحرفي في نسبة صنعته إليه، وهنا نشأ ما يعرف بحقوق الملكية الفكرية، بحيث يُحفظ حق المؤلف في مؤلفات؛ فتصان أفكاره وتحترم آراؤه ولا يعتدي أحد على حقوقه الناشئة عن كتبه... هذا من الناحية التنظيمية.  

 

أما من الناحية الشرعية فدعونا نسأل: هل يحل لي أن أستولي على حطب جمعته أنت من أشجار غابة ووضعته في فناء دارك؟ أجيب: كلا لا يجوز ولا يصح، وأعود فأسأل: فهل يجوز أن تخرج إلى الصحراء التي لا مالك لها فتحفر بئرًا تجهد فيه وتتعب وتنصب، ثم يأتي سواك فيستولي عليه؟ وأجيب عنك: إنه لا يجوز ولا يصح...

أقول: إن الأفكار التي يجهد الكاتب في اصطيادها وتهذيبها ثم في صياغتها وخطها في سطور لها نفس حرمة ذلك الحطب والبئر، بل -والله- لهي أعظم خطرًا منهما، فما دمت أنت قد جمعت الأفكار والأخبار فصغتها في كتاب فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليها أو أن ينسبها إلى نفسه أو أن ينتفع من ورائها إلا بإذنك.   وقد نعى الله على من يحب أن يحمد بما لم يفعل فقال: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[آل عمران: 188]؛ يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة" (مسلم)؛ ومن نسب إلى نفسه ما لم يكتب فقد ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها! وفي الصحيح: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" (متفق عليه)، ومن ادعى أنه كاتب لما لم يكتُب أو أنه مؤلف لما لم يؤلِّف فهو متشبع بما لم يعط! (ينظر: تفسير ابن كثير).  

 

ثم إنه يترتب على الكتابة والتأليف حقوق مادية -سوى الحقوق المعنوية-؛ فالكتاب -مثلًا- يطبع ويباع ويكون منه الربح، فالمعتدي على حق الكاتب والمؤلف إنما يأكل مال غيره بالباطل، وهذا ما حرَّمه القرآن قائلًا: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء: 29].  

***  

ومع كل ما قلنا من تطور الكتابة وبلوغها غاية السهولة في عصرنا بعد أن كانت عملية شاقة مجهدة، أقول مع كل ما قلنا عن جهود تُبذَل في سبيل طباعة الكتب والكتابات وحفظ حقوق الكاتبين، أكرر مع كل ما قررنا من أننا أمة "اقرأ"...  مع هذا كله فإن "أمة اقرأ" نصفها لا يقرأ ولا يكتب!! "أمة اقرأ" قد فضَّلت متابعة المباريات والأفلام والمسلسلات على القراءة النافعة!! "أمة اقرأ" صارت تنفق على الأطعمة والأشربة والألبسة والسيارات والبناءات ولا تنفق عشر معشار ذلك على اقتناء الكتب والدوريات!! "أمة اقرأ" صارت أمة جاهلة هازلة تافهة إلا من رحم الله ممن ما زالوا يحبون الكتاب ويحترمونه.   ثم هي كلمة أخيرة لمن يجيد الصياغة والتأليف والكتابة: إن قلمك في يمينك أمانة، فلا تخذل هؤلاء الذين ينتظرون ما تكتب، ولا تخدعهم إذ ائتمنوك على عقولهم وأسلموا لك توجيهها بقلمك، وليكن نصب عينيك قول القائل: وما من كاتب إلا سيفنى

***

ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه  

 

***  

وها هنا قد جمعنا عددًا من خطب النابهين الواعين لخطورة القلم ولأهمية الكتابة ومكانتها، فهي إيقاظ للغافلين وتنبيه للسادرين وتعليم للجاهلين، فدونك فاستفد منها.  

العنوان

أمانة القلَم

2010/03/04 8769 1682 76

ولقد أثَّرت أقلامهم في إرهاب العدو عن بُعدٍ، ما لم تؤثِّره السيوفُ عن قرب، لقد كانت نواياهم إبراز الخير لأمة الإسلام؛ نصحًا وإرشادًا، وأحكامًا وفكرًا، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، وأدبًا وشعرًا، لا يخرمان المروءة، ولا يثرمان الرزانة والمنطق.. لم تكن أقلامهم مهجورة يومًا ما، ولم يقترفوا بالقلم ما يخدش حياء أمَّتهم، أو يُحدث ظلمة في هويتها

المرفقات

1075


العنوان

القراءة -1

2017/10/18 2313 317 0

وإننا حين نستقرئ آراء بعض حكماء البشرية في القراءة؛ فإننا سنخرج بأنها أصل كل تفوق، وأساس كل نجاح، ودعامة كل حضارة، وحرس كل دولة، وأمان لكل إنسان، سئل أحدهم عمن سيقود الجنس البشري فأجاب: "الذين يعرفون كيف يقرءون". ولا عجب فإن أول كلمة آمرة وصلت أذن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- المرشحة لقيادة البشرية هي (اقرأ)...

المرفقات

القراءة -1


العنوان

القراءة -2

2017/10/18 1646 308 0

لنأخذ موضوعًا من كتاب ليكون محور حديثنا بدلاً من الثرثرة حول الحر والبرد، وأنواع الطعام والترفيه، أو الغيبة أحيانًا، أفلا نشعر بالسعادة حين نخرج من سمرنا بأفكار نَمَت بالحوار وصقلت بالمناقشة؟. إنك لو خصصت من وقتك نصف ساعة كل يوم للقراءة كنت تقضيها في مكالمة هاتفية غير مهمة، أو في مشاهدة ما لا ينفعك وربما يضرك في آخرتك، لانتفعتَ دنيا وأخرى، ولقرأت في عامك هذا عشرات الكتب...

المرفقات

القراءة -2


العنوان

نقرأ لنرتقي

2019/02/25 3540 333 1

فِي عَصْرٍ تَزَاحَمَتْ فِيهِ الثَّقَافَاتُ والاهْتِمَامَاتُ كَانَ لِزَامًا أنْ نَقُومَ بِالنُّصْحِ لِمَنْ فَسَدَتْ اهْتِمَامَاتُهُمْ فَأَفْسَدَتْ عَليهِمْ قِرَاءَاتَهُمْ؛ فَذَاكَ مُنْهَمِكٌ فِي الصُّحُفِ الرِّيَاضِيَّةِ يَجْمَعُهَا وَيَفُلُّهَا فَلاًّ، وآخَرُ خَاسِرٌ مَعَ مَجَلاَّتٍ فَنِّيَّةٍ يُطَالِعُ فِيها أَهْلَ الدَّعَارَةِ وَالدِّيَاثَةِ...

المرفقات

نقرأ لنرتقي


العنوان

اقرأ وربك الأكرم

2019/04/17 8495 355 12

فَلْنُرِشِدْ أَطْفَالَنَا إِلَى القِرَاءَةِ النَّافِعَةِ، ولِنَبْدأْ بِتَحْبِيبِ الكِتَابِ إِلَيْهِمْ، فَنَجْعَلَ مِنَ الكِتَابِ هَدِيَّةً قَيِّمَةً يَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا الطِّفْلُ، فَقَدِ اعتَادَ كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ فِي أَيَّامِنا هَذِهِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَنْواعاً مِنَ الهَدَايَا لأَطْفَالِهِمْ عِنْدَ نَجَاحِهِمْ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُنَاسَبَاتِ؛ فَلْنَجْعَلْ لِلْكِتَابِ مَكَاناً بَارِزاً بَيْنَ هَدَايَا أَطْفَالِنَا،...

المرفقات

اقرأ وربك الأكرم


العنوان

الحث على القراءة النافعة

2019/04/17 5424 347 6

أعظم ما يُوصَى بقراءته هو كتاب الله فعليكم بالقرآن اقرؤوه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً في بيوتكم في مساجدكم وحيث كنتم. فإنه أعظم كتاب وأجل كتاب وأصدق كتاب وأنفع كتاب، هو كتاب الله، وهو كلام الله، هو الروح والحياة للقلوب. وهو لهذه الأمة الشرف والعز والسناء، وهو للقلوب والأبدان من أمراضها الدواء والشفاء..

المرفقات

الحث على القراءة النافعة


المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات