اقتباس
هل تعرف مع مَن تشارك في تلك الأعياد أيها الجاهل؟ إنك تشارك في أعياد قوم زعموا أن المسيح ابن الله، أو هو الله –تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-، تشارك في أعياد قوم قتلوا ملايين المسلمين في...
لا تعي أمة حاضرها، ولا تبصر مستقبلها، إذا قلّدت غيرها، واستكانت لمذهبها، ورضيت مناهجها دون تبصر ولا تعقل، وطريق التقليد في الشر طريق شائك، يجعل الأمة تنساق بلا وعي، وتقلد بلا عقل، وترتكب حماقات، وتأتي جهالات، فلا لدنياها عمّرت، ولا لآخرتها عملت، ولا لشبابها وبناتها حَمَتْ، ومن ثَم فهي أمة محكوم عليها بالضعف والذلة والاستكانة؛ إذ اتخذت من الخاسرين قدوة فبئس الأسوة تلك، وبئس المقلدين.
إن المتأمل في النصوص الشرعية يجد القرآن الكريم ينهى بقوة عن عدم تقليد الأمم السابقة في الشر والضلال، فكثيرًا ما يقول سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا)[آل عمران: 105]، وقال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[الأنفال: 21]، وقال جل وعلا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النحل: 92]، وآيات غيرها كثيرة يحذر فيها ربنا –تبارك وتعالى- أمة الإسلام أن تقلد غيرها، ولذا قصَّ علينا ربنا في كتابه قصة فرعون وقارون وهامان وقصة أصحاب الجنة، وقصة صاحب الجنتين، لنأخذ عبرة، ولنحذر سلوك مسالك الضالين والخاسرين.
وذات الأمر أكد عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- مرارًا في أحاديثه الشريفة وفي فعله، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ"(صحيح البخاري 3456). وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ 4033 وصححه الألباني).
وظل هذا المسلك واضحًا في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم-، لا يفتر عن الدعوة إلى مخالفة المشركين، فكثيرا ما كان يقول: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ"(صحيح البخاري 8592)، حَتَّى لَاحَظ أعداؤه من الْيَهُود وغيرهم ذَلِكَ، فَقَالُوا: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ"(صحيح مُسْلِم 302).
وتأتي الأمة بعد كل تلك النصوص المحذّرة من التشبه بالمشركين، والآمرة بمخالفتهم في كل مسالكهم، والناهية عن موافقتهم على ضلاهم، تأتي الأمة اليوم لتقترب من هؤلاء الضالين في سلوكهم وملابسهم ومعايشهم، والأخطر في أمور تمس عقائدهم، وصار كثير من جهلة المسلمين يشاركونهم في أعيادهم واحتفالاتهم وهذا مسلك خاطئ وعمل محرم، وذنب كبير، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وتبع ذلك أسوأ منه، فبدَّل كثيرون وغيروا في علاقاتهم من المشركين، بل ومع المسلمين أيضًا، فلم يستجيبوا لقوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة: 54]، فصار كثيرون أذلة على الكافرين هادئين متواضعين لهم خاضعين لما في أيديهم، يقلدونهم في كل شيء، وفي المقابل صاروا أعزة أقوياء على ضعفاء المسلمين!!
إن مشاركة المشركين في أعيادهم، وتهنئتهم بها، حرام شرعًا، مهما زخرف المزخرفون ومهما تساهل المتساهلون، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم ... وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم" . وقال عمر أيضًا: "اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم". وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال : "من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة"(أحكام أهل الذمة 1/723-724).
وللأسف لا يدرك كثير من الجهلة دلائل مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، إن من دلائل ذلك: أن المشارك راضٍ بكفرهم وشركهم، ومؤيد لهم، وهم يكتسبون من ذلك إقناع عامتهم وجهلتهم أن المسلمين راضون عن ديننا معترفون به، فيموت أناس على كفر وشرك.. والسبب تصدر كثير من القدوات للمشاركة في هذا الضلال المبين، مع حملات إعلامية وإذاعية شرسة تحمل الناس حملاً على هذه المنكرات الصريحة.
هل تعرف مع مَن تشارك في تلك الأعياد أيها الجاهل؟ إنك تشارك في أعياد قوم زعموا أن المسيح ابن الله، أو هو الله –تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-، تشارك في أعياد قوم قتلوا ملايين المسلمين في شتى بقاع الأرض من أفغانستان وباكستان واليمن ومالي والعراق وجامو وكشمير، وفلسطين، والصومال..، تشارك في أعياد قوم دمروا بيوتًا كثيرة، وهَجّروا آمنين، وجوّعوا مسلمين، وصبوا جام غضبهم على المتمسكين بالشرع والدين.. فهل تفيق من هذه السَّكْرة؟! وتعي دلالات مشاركتك أو موافقتك لهؤلاء في هذيانهم ومنكراتهم؟!!
هل رأيت في حياتك يومًا نصرانيًّا اشترى أضحية؟! أو رأيت نصرانيًّا يشاركك في معالم دينك، إذًا لَعُدَّ موافقًا لك، فلكل أمة أعياد، ولكل أمة مناسك، ولكل أمة أيام يحتفلون بها، ونحن أمة الإسلام خصنا ديننا بيومين نحتفل بهما، ونهانا عن غيرهما، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ"، قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ"(أبو داود 1136 وصححه الألباني).
فأين خصوصية الأمة وتميزها عن غيرها من الأمم؟! وأين تفردها بأعيادها؟ وأين اعتزازها بدينها؟ ولِمَ هذه الغوغائية والمشاركة في عماء لضلالات المشركين، نسأل الله أن يعز دينه، وأن يأخذ بنواصينا إليه أخذ الكرام عليه.
ومن أجل تذكير المسلمين بحكم وخطورة الاحتفاء أو الاحتفال بأعياد المشركين، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضّح حرمة مشاركة غير المسلمين في أعيادهم وجوب مخالفتهم وعدم التشبه بهم، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم