اقتباس
ومنها: التكبير: فقد نقلنا توًا قول أم عطية: "فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم"، وعن عمر -رضي الله عنه- أنه "كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، فيسمعه أهل السوق فيكبرون، حتى ترتج منى تكبيرًا واحدًا...
كلما أشرق علينا عيد الأضحى المبارك كلما ذكَّرَنا أننا أمة لها انتماؤنا ولها جذورها ولها استقلاليتها وتاريخها؛ إننا في عيدنا هذا نتذكر ذكرى الفداء والتضحية والبر والطاعة المطلقة لله -عز وجل-، قصة تلك الأسرة الميمونة وذلك الولد البار والوالد المخبت لله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 102-107]، ولقد لخص الشاعر تلك القصة الخالدة في الأبيات التالية:
فاضت بالعبرة عيناه *** أضناه الحلم وأشقاه
شيخ تتمزق مهجته *** تتندى بالدمع لحاه
ينتزع الخطوة مهمومًا *** والكون يناشد مسراه
وغلام جاء على كبر *** يتعقب في السير أباه
والحيرة تثقل كاهله *** وتبعثر في الدرب خطاه
ويهم الشيخ لغايته *** ويشد الابن بيمناه
بلغا في السعي نهايته *** والشيخ يكابد بلواه
لكن الرؤيا لنبي *** صدق وقرار يلقاه
والمشهد يبلغ ذروته *** وأشد الأمر وأقساه
إذ تمرق كلمات عجلى *** ويقص الوالد رؤياه
وأمرت بذبحك يا ولدى *** فانظر في الأمر وعقباه
ويجيب العبد بلا فزع *** افعل ما تؤمر أبتاه
لن نعصى لإلهى أمرًا *** من يعصي يومًا مولاه
واستل الوالد سكينا *** واستسلم ابنٌ لرداه
ألقاه برفق لجبين *** كي لا تتلقى عيناه
أرأيتم قلبًا أبويًا *** يتقبل أمرًا يأباه؟!
أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه؟!
وتهز الكون ضراعات *** ودعاء يقبله الله
تتوسل للملأ الأعلى *** أرض وسماء ومياه
ويقول الحق ورحمته *** سبقت بفضل عطاياه
صدقت الرؤيا لا تحزن *** يا إبراهيم فديناه
***
ولقد زادنا الله -تعالى- في عيد الأضحى هذا والذي قبله عظات وعبرًا جديدة؛ منها عظة تقول: "إن النعم لا تدوم، فاغتنمها قبل الأفول"، فمن كان يتخيل أو يتصور أن يحال بين الناس وبين حج بيتهم الحرام؟! لكننا قد رأينا بأم أعيننا ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما حذر منه يتحقق على أرض الواقع: "من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة"(رواه ابن ماجه)...
لكنه الفرج قد أطل برأسه وبدا فجره وأوشكت شمسه أن تشرق وتكتمل بإذن الله، فإن كان هذا العام قد سُمح لعدد محدود من قاطني المملكة بالحج فإن نطمع أن يُفتح بيت الله -تعالى- لجميع قصاده في العام القادم -إن شاء الله-، وصدق الله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 5-6].
***
وفي كل عيد تعودنا أن نذكِّر بالآداب والسنن، ومنها ما يلي:
لبس أجمل الثياب: فعن ابن عباس قال: "كان -صلى الله عليه وسلم- يلبس يوم العيد بردة حمراء"(رواه الطبراني في الأوسط)، كذلك ويُشرع الاغتسال والتطيب لكل تجمع للمسلمين في صلاة جمعة أو في عيد فطر أو أضحى، يقول ابن رشد في "بداية المجتهد": "أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين، وأنهما بلا أذان ولا إقامة".
ومنها: الفرح الحلال والترويح المباح: فأما الفرح فيكون بالطاعة، يقول -تعالى- (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]، وأما مشروعية التوسعة والترويح فقد روت أم المؤمنين عائشة قائلة: دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا"(متفق عليه).
ومنها: خروج الجميع لصلاة العيد: فعن أم عطية قالت: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته"(متفق عليه)، فإن خرج الحُيَض فغيرهن أولى بالخروج.
ومنها: التكبير: فقد نقلنا توًا قول أم عطية: "فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم"، وعن عمر -رضي الله عنه- أنه "كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، فيسمعه أهل السوق فيكبرون، حتى ترتج منى تكبيرًا واحدًا"(رواه البيهقي في السنن الكبرى).
الله أكبر قولوها بلا وجل *** وزينوا القلب من مغزى معانيها
بها ستعلو على أفق الزمان لنا *** رايات عز نسينا كيف نفديها
الله أكبر ما أحلى النداء بها *** كأنه الري في الأرواح يحيها
ومنها: التهنئة: فعن جبير بن نفير يقول: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم"(رواه السيوطي في الحاوي).
ومنها: ذبح الأضحية بعد العودة من صلاة العيد، والأكل منها: وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء"(متفق عليه)، وعن بريدة -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وكان لا يطعم يوم النحر حتى يرجع فيأكل من ذبيحته"(رواه الطبراني في الأوسط).
وأما من لا يملك أضحية فنقول له: أبشر فقد ضحى عنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بكبش فذبحه بيده وقال: "بسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي"(رواه الترمذي).
ومنها: صلة الرحم: فمن لم يصل رحمه في العيد فمتى يصلها؟! وقد حفظنا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه"(متفق عليه)...
والآن مع باقة زاهرة من الخطب المهنئة بهذا العيد المبارك الميمون:
التعليقات
عثمان على عبدالرحيم الحجازى
27-06-2022جيدجدا