شهر الله المحرم مكانته وفضله - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

شهر المحرم هو أول شهور العام، سمِّي بذلك الاسم؛ لأن العرب في الجاهلية كانوا يحرِّمون فيه القتال، وكانت العرب في جاهليتها -مع ما كانوا عليه من الضلال والكفر- يعظمونه مع باقي الأشهر الحرم، ويحرِّمون القتال فيها، حتى...

أيام تكرُّ، وأعمار تمرُّ، ملخص حياتنا، بين أمس واليوم، أيام تطوي أخرى، وأزمان ترحل، وأعمار تنقص، ويتذكر المرء مع مطلع كل عام انطواء مرحلة كبيرة من عمره، وسقوط عام كامل من مسيرة حياته، وأنه اقترب من نهايته وأجله، وأن مرور الأيام وانقضائها لن يزيدها إلا ضعفًا ووهنًا، واقترابًا من نهايته المحتومة.  

والمحرم أو شهر المحرم هو أول شهور العام، سمِّي بذلك الاسم؛ لأن العرب في الجاهلية كانوا يحرِّمون فيه القتال، وكانت العرب في جاهليتها -مع ما كانوا عليه من الضلال والكفر- يعظمونه مع باقي الأشهر الحرم، ويحرِّمون القتال فيها، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يهيجه، إلا أن يحدث فيهم النسيء، فكانوا يؤخرون حرمة شهر إلى شهر آخر ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم.  

وورد في بعض الآثار إضافة هذه الشهر إلى الله -تعالى- فيقال: شهر الله المحرم، والحكمة في إضافته إلى الله -تعالى- مع أن الشهور كلها لله، تعظيم هذا الشهر الحرام وإبراز مكانته، قال السيوطي: "قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ؟ يَحْتَمِل أَنْ يُقَال: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنِ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم"(شرح سنن النسائي: 1613).   وقال العِزُّ بن عبدِ السَّلام -رحمه الله-: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دُنْيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني راجعٌ إلى أن الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها"(قواعد الأحكام 1/38).  

وبذلك يتبين لنا أن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36].  

وهذه الأشهر الحرم فسرتها وبينتها السنة الصحيحة، فعن أبي بكرة -رضي الله عنهُ- عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان» (أخرجه البخاري 2958).  

قال الحافظ ابن كثير: "والمحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً وتأكيداً لتحريمه. وقوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.   وعن ابن عباس في قوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.  

وقال قتادة في قوله: (فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تُعظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل"(تفسير ابن كثير 2/433، بتصرف واختصار).  

وقد نوَّه علماء الأمة بمكانة هذا الشهر، ورجَّح بعضهم أن شهر المحرم هو أفضل الأشهر الحرم، قال ابن رجب: "وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل، فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم ورجحه طائفة من المتأخرين"(لطائف المعارف، ص70).   ويدل على هذا ما رواه أبو ذر -رضي الله عنه- قال: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟ فقال: "خير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم"(رواه أحمد النسائي في الكبرى والدارمي بسند صحيح). قال ابن رجب -رحمه الله-: "وإطلاقه في هذا الحديث (أفضل الأشهر) محمول على ما بعد رمضان كما في رواية الحسن المرسلة"(لطائف المعارف، ص70).  

ومما يسن في هذا الشهر من العمل الصالح: الإكثار من الصيام، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم"(أخرجه مسلم 1982).   فمن أحب أن يصوم أفضل الصيام بعد شهر رمضان، فعليه أن يصوم في شهر الله المحرم، هذا هو المسنون في هذا الشهر؛ أن يكثر المسلم من صيامه، خاصة يومي تاسوعاء وعاشوراء منه؛ لما ورد في فضل صيامهما وخاصة يوم عاشوراء.   ومما يجب أن يحذر في هذا الشهر العظيم: الابتداع في الدين، وقد ابتدع الروافض بدعًا كثيرة؛ زعموها حزنًا على مقتل الحسين بن علي –رضي الله عنهما-، فأحدثوا أمورًا منكرة، ولكل فعل رد فعل، فابتدع آخرون الاكتحال والتزين وكثرة الإنفاق مقابلة لما قام به الروافض.  

قال العلامة الشيخ عبدالله الفوزان -حفظه الله-: "وقد ضلَّ في هذا اليوم طائفتان: طائفة شابهت اليهود فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب والاكتحال، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك من عمل الجهال، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة.   وطائفة أخرى اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، لأجل قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي كذبها أكثر من صدقها، والقصد منها فتح باب الفتنة، والتفريق بين الأمة، وهذا عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا.   وقد هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من الصوم، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من البدع، فلله الحمد والمنة"(رسالة في أحاديث شهر الله المحرم، ص13).  

ومن الأحداث التاريخية المهمة التي وقعت في هذا الشهر الفضيل:

1- وقد شهد شهر الله المحرم يومًا عظيمًا من أيام الله تعالى، وهو يوم عاشوراء؛ ففيه أهلك الله فرعون وجنده ونصر عباده المستضعفين، ومع حلوله كل عام يتذكر المسلمون حكمة الله وسننه في نصر المستضعفين، وحكمته في تأخر النصر عن أهل الحق، واستدراج الظالمين، وأن إمهال الله لا يعني إهماله، وإنما قد جعل الله لكل شيء قدرًا.  

2- سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى طليحة الأسدي سنة 4 هـ وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات.

  3- سرية محمد بن مسلمة قبل نجد، وهي التي أسر فيها ثمامة بن أثال سنة 6ه،ـ وكانت أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب وقريظة، وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين راكباً.  

4- خروج النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر سنة 7هـ.  

5- زواج النبي - صلى الله عليه وسلم- بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.

  6- وفاة أبي قحافة التيمي والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما سنة 14هـ.

  7- وفاة مارية أم إبراهيم بن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة 16هـ.

  8- قتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، العاشر من المحرم، سنة 61هـ.   ولما اجتمع عمر بأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله عليهم- واستشارهم في التأريخ للأمة، وقع اختيار أهل الشورى منهم على البدء بشهر المحرم، وهذا يدل على مكانته عندهم، وفضله؛ فهو مطلع العام وبداية الشهور.   وها نحن نضع بين يديك -أخي الخطيب- هذه الخطب المنتقاة عن هذا الشهر العظيم، ونسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول وحسن الخاتمة.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
التوبة والإنابة في شهر الله المحرم 2022/08/05 3605 507 21
التوبة والإنابة في شهر الله المحرم

طُوبَى لمن جوَّع نفسَه وأظمأها وترَك شهوةً حاضرةً لموعد غُيِّبَ لم يَرَهُ، وطوبى لمَنْ ترَك طعامًا يَنفَد في دار تَنفَد لدارٍ أُكُلُها دائمٌ وظِلُّها، والدنيا كلها شهر صيام المتقين، وعيدُ فطرهم يوم لقاء ربهم، ومعظم نهار الصوم قد ذهب، وعيد اللقاء قد اقترب، وما خف بدنٌ من طعام إلا ونَشِطَ إلى القيام...

المرفقات

التوبة والإنابة في شهر الله المحرم.pdf

التوبة والإنابة في شهر الله المحرم.doc

التعليقات
زائر
20-07-2023

جزاكم الله خيرا 

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life