الفساد الإداري والمالي - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

اقتباس

لقد صرنا في هذه البلاد عرضة كل ساعة لمزيد من الأحداث التي تنغص على الناس حياتهم، وتقض مضاجع المؤمنين؛ بسبب خيانة الأمانة من قِبَل مجموعة ممن لعب الشيطان بعقولهم واستمالهم إلى جانبه بحفنة من المال الحرام، فباتوا لا يبالون بِعِظَم الأمانة التي كلّفهم الله تعالى بها، وبات المنصب في حق هؤلاء مغنمًا يزدادون به غنى ويتطاولون به على عباد الله، لا مغرمًا يخدمون من خلاله أبناء مجتمعهم، ويسدون به جوعة الفقير ..

كما أن للسفر سبع فوائد فإن للابتلاءات والمحن التي تمر بها الأمة سبع فوائد أو أكثر، فليست كل الابتلاءات شرًّا محضًا، بل فيها خير جمّ؛ وقد مرت بالجماعة المسلمة الأولى مراحل كانت زاخرة بالابتلاءات والحوادث التي ظاهرها الشر وباطنها خير كثير للفرد المسلم والجماعة المسلمة، وكان من ضمن هذه الحوادث وقعة الإفك التي اتهمت فيها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأخبث الاتهامات وأقذعها، إلا أن الله تعالى أكد على ما في هذا الحادث من خير عظيم للأمة فقال عز من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

 

وفي أيامنا المعاصرة تمر الأمة بابتلاءات تتوالى، نتحمل جميعًا مسؤولية وقوعها بإصرارنا على ذنوب ومعاصٍ تستجلب غضب الله تعالى وعقابه، ولكنها من جانب آخر تكشف لنا الكثير من أسباب الفساد الجالبة للبلاء، وتضعنا في مواجهة حقيقية مع أسباب ضعفنا ومواطن القصور فينا، فهي وإن انطوت على كثير من التهديد لاستقرار البلاد وتعرضها للابتلاء والأذى، إلا أنها كانت جرس إنذار وضعنا أمام أخطار حقيقية تهدد أمتنا.

 

إن هذه الابتلاءات تضعنا أمام تحديات حقيقية في مواجهة الفساد الذي استشرى في المؤسسات وسيطر بأذرعه الأخطبوتية على مراكز إصدار القرار والتخطيط، فما بين الفساد المالي والإداري يقبع كثير من الشياطين المنتهبين لأموال الأمة ومقدراتها، والساعين لإشاعة القلاقل فيها؛ لأنهم أول المتكسبين منها، والمرتزقين من تفشيها بين أبناء المجتمع المسلم.

 

وإن كثيرًا من ضعاف النفوس من الموظفين والمسؤولين والعمال ليسوا على مستوى المسؤولية المرجوة، ولا الكفاءة المطلوبة، فيُفسدون أكثر مما يُصلِحون، ويحققون مكاسب شخصية ومغانم ذاتية على حساب مصلحة المجتمع ككل، فلا بأس عندهم أن يملؤوا بطونهم وخزائنهم من أموال الرِّشا والعمولات والاختلاسات، في الوقت الذي يبيت فيه بسطاءٌ من المسلمين جوعى بلا عَشاء، ولا حرج لديهم أيضًا في أن يبيت مسكين بلا مأوى أو تقع في البلاد كارثة يموت خلالها المئات من البشر غرقًا أو تحت الهدم، لا يهمه ذلك مادام يعيش هو في أجمل القصور، ويركب أفره السيارات، ويأكل أطيب الطعام، ويتمتع بشهوات الدنيا وملذاتها، من حلال كانت أم من حرام.

 

لقد صرنا عرضة كل ساعة لمزيد من الأحداث التي تنغص على الناس حياتهم، وتقض مضاجع المؤمنين؛ بسبب خيانة الأمانة من قِبَل مجموعة ممن لعب الشيطان بعقولهم واستمالهم إلى جانبه بحفنة من المال الحرام، فباتوا لا يبالون بِعِظَم الأمانة التي كلّفهم الله تعالى بها، وبات المنصب في حق هؤلاء مغنمًا يزدادون به غنى ويتطاولون به على عباد الله، لا مغرمًا يخدمون من خلاله أبناء مجتمعهم، ويسدون به جوعة الفقير ويكسون به عريه؛ لذا فهم يتكالبون على المناصب ويتقاتلون على الولاية التي ذم الشرع مَنْ طلبها، ولذلك نرى كثيرًا من الفساد والأخطاء القاتلة التي تصدر من هؤلاء بسبب أنهم لا يوفَّقون لحسن الأداء في مناصبهم؛ حيث هم موكولون إلى أنفسهم، ولا يعانون على تأدية واجباتهم، فعن ‏عبد الرحمن بن سمرة‏ قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "‏يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها".

 

لقد ربط الله تعالى حالة الفساد التي تنتشر في أي مجتمع بكسب الناس أنفسهم، وطريقة تعاملهم مع الوقائع والأحداث، وبمدى تقواهم والتزامهم بأوامر الله تعالى، في حين يعاجلهم العقاب بظهور الفساد وما يترتب عليه من شرّ وفتنة في الدنيا، لعلهم يعودون إلى ربهم ويلتزمون بأمره ونهيه؛ قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

 

ولنا عبرة في عاد وفرعون وثمود الذين كانوا أصحاب حضارة عظيمة في التاريخ، ولكنهم طغوا ونشروا الفساد في الأرض، فأخذهم الله تعالى بذنوبهم وأنزل عليهم نقمته وعذابه؛ قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).

 

وفي مختاراتنا لهذا الأسبوع جمعنا من الخطب التي تبين مظاهر الفساد المالي والإداري في بلادنا، ومغبة السير وراء شهوة المال والرياسة التي من شأنها أن تفسد النفس وتحولها إلى شيطان مريد، وإلى غول لا يراعي في تعاملاته دينًا ولا ضميرًا، فيغش لأجل المال، ويرتشي لأجل المال، ويسرق لأجل المال، مبينين في ثنايا الحديث كيف الخروج من مأزق الفساد المالي والإداري في هذه الأيام العصيبة، ونحمد الله على هذه القرارات الملكية وبالأخص -وهو ما يهمنا هنا- تعيين أمين عام لهيئة مكافحة الفساد، ودعم القطاع الرقابي ومكافحة الفساد، وتطرقت لجوانب عديدة كالقطاع الصحي ودعمه في كافة مناطق المملكة، وكذلك دعم القطاع الإسكاني والمعيشي ومتابعة أمور الغش التجاري والتلاعب بالأسعار، لذا فكلنا أمل أن تحقق هذه القرارات ما كان يحلم به الناس من توفر للسلع والخدمات بما يحقق له شيئًا من الرفاهية والراحة. فنسأل الله تعالى أن يهدينا ومسؤولينا إلى التوفيق والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
العنوان
الفساد المالي والإداري ... المشكلة والعلاج 2020/12/04 8782 646 63
الفساد المالي والإداري ... المشكلة والعلاج

لقد جعَل اللهُ على عاتقِ مَنْ ولَّاه أمرَ المسلمينَ القضاءَ على الفساد، واجتثاثَ جذورِه، ودفعَه بحزمٍ وعزمٍ؛ فإن ذلك مهمةٌ دينيةٌ، وتَبِعةٌ وطنيةٌ؛ حمايةً للمال العامّ، ومكتسَباته، ومنعًا للتكسُّب غير المشروع، الذي ينافي ما جاء به دينُنا الحنيفُ...

المرفقات

الفساد المالي والإداري ... المشكلة والعلاج

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life