عناصر الخطبة
1/إفساد الأعداء الغزاة لأخلاق المسلمين 2/خطر فقد الأمة للأخلاق الإسلامية وبعض الأمثلة على ذلك 3/وسائل الأعداء في سبيل هدم أخلاق المسلمين وإفسادها وكيفية ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
استخدم الأعداء الغزاة المرأة في الاستيلاء على غرائز مجموعات الأجيال المتتابعة في البلاد الإسلامية، وقد فعلوا ذلك منذ بدء النهضة العلمية والصناعة الحديثة، التي تولى الأوربيون قيادتها في العالم، وبعد تملك غرائز الشباب عن طريق النساء يتمكنون من التلاعب بأفكارهم وعقائدهم، وبإخلاصهم لأمتهم وبلادهم، وسلوكهم الإسلامي، وسائر...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
أيها المسلمون: تتمة لما بدأنا معكم في الحديث عن الغزو الفكري، وما يبذله الأعداء الغزاة من جهود ضخمة لإفساد أخلاق المسلمين، والتلاعب والعبث بالمنابع الأساسية لأخلاقهم، وذلك؛ لأنهم عرفوا بالخبرة التاريخية الطويلة، أن الأخلاق في أية أمة بمثابة العقد المترابط، يشد بعضه بعضا، فإذا ما انفرط هذا العقد وتتابع أخلاق الأمة بالسقوط واحدة تلو الأخرى، فقد فقدت كل شيء بعد ذلك.
وسأضرب لكم بعض الأمثلة والمتعلقة بالأخلاق الإسلامية، والتي لو فقدت من حياة الأمة لأثر ذلك تأثيراً كبيراً في تحقيق الترابط الاجتماعي، ولأدى بحياة الأمة الإسلامية إلى التدهور والانحطاط؛ فمثلاً خلق الصدق؛ لو فقد المسلمون هذا الخلق، وانحل عقد الصدق من معاقد الترابط الاجتماعي، وانعدم الثقة في المجتمع، ماذا يكون حال الناس؟ لا يصدق بعضهم بعضا، ولا يثق بعضهم ببعض، كيف يكون حال التزاوج والمصاهرة؟ كيف نصدق ونثق بالأخبار التي تنقل إلينا؟
لا شك أنه يسوء حال المجتمع، وتنتشر فيه رذيلة الكذب.
خلق الأمانة؛ لو انعدم في المجتمع الإسلامي، وانعدم ثقة الناس بما يضعون في أيدي بعضهم البعض من مال أو غيره، ولا يأمن بعضهم بعضاً في المجالس والمحافل والمجتمعات العامة والخاصة.
لا شك والحالة هذه يصعب فيه التعامل مع الناس؛ لأن المجتمع غدا مجتمع خيانة.
خلق العفة؛ تخيل حال مجتمع غاب فيه العفة، فكيف تأمن الأسرة على أعراضها؟ وكيف يأمن الجار على عرضه إذا خرج من منزله إلى عمله؟
وهكذا -أيها الإخوة- في سائر الأخلاق الإسلامية؛ كالعدل والجود والوفاء بالوعد والإحسان والعطف على الناس والتعاون، وغير ذلك من فضائل الأخلاق.
أيها المسلمون: لقد استطاع المدبرون أن يُفقدوا كثيراً من المسلمين الكثير من هذه الأخلاق، حتى وصل حال المجتمعات الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها ما تشاهدونه في واقعكم.
وهناك -يا عباد الله- وسائل كثيرة استخدمت في سبيل هدم الأخلاق عند المسلمين، وسنتعرف بعد توفيق الله -عز وجل- إلى بعض هذه الوسائل، سائلاً المولى -جل وعلا- أن يبصرنا بها.
الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال: المال عنصر فعال خطر، كم اشتُرى به رجال؟ وكم استُذل أبطال؟ وكم تغيرت بسببه أحوال؟
لقد استطاع الأعداء الغزاة: أن يستخدموه على نطاق واسع في إفساد سلوك وأخلاق كثير من المسلمين، داخل البلاد التي بسطوا عليها سلطان احتلالهم المباشر أو غير المباشر.
لقد اشتروا بالمال أصحاب النفوس الضعيفة، وأخذوا يوجهونهم كما يريدون، وعملوا على نشر الرشوة، والتشجيع على اختلاس الأموال العامة، ودعم الاحتكارات المحرمة، والتغاضي عن الغش، وتهريب المحظورات الدولية، والمشاركة السرية في تجارتها الممنوعة قانونياً.
وخلال ربع قرن، استطاع الأعداء الغزاة: أن يفسدوا من سلوك المسلمين وأخلاقهم موروثات عريقة كريمة منشرة في مجتمعاتهم منذ قرون، حتى أمست الرشوة المفسدة لأخلاق الموظفين في كثير من البلاد، التي تأثرت بخطط الغزاة من الأمور المنتشرة انتشار فاحشاً، إلى حد أن أكثر الأعمال الإدارية في دوائر هذا البلاد لا تذلل لأصحابها حتى يضيفوا إليها ضريبتها من الرشوة يضعونها سراً وراء المعاملة، حتى صار ما يحصله كثير من الموظفين يبلغ أضعاف مرتبه الشهري.
كل ذلك بسبب الواردات الإضافية، من الرشوة التي يتقاضاها من أصحاب المعاملات.
وهكذا سرى الداء وانتشر، وترتب عليه سيئات اجتماعية كثيرة، هضمت فيها حقوق كثيرة، وتحولت فيها وسائل كسب المال عند كثيرين من الوجوه المشروعة إلى الوجوه المحرمة، وبذلك فسد أخلاق كثير من أبناء المسلمين -والله المستعان-.
الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء: استخدم الأعداء الغزاة المرأة في الاستيلاء على غرائز مجموعات الأجيال المتتابعة في البلاد الإسلامية، وقد فعلوا ذلك منذ بدء النهضة العلمية والصناعة الحديثة، التي تولى الأوربيون قيادتها في العالم، وبعد تملك غرائز الشباب عن طريق النساء يتمكنون من التلاعب بأفكارهم وعقائدهم، وبإخلاصهم لأمتهم وبلادهم، وسلوكهم الإسلامي، وسائر أخلاقهم الشخصية والاجتماعية.
وأحكم قادة الغزو سياسة الغزو الخلقي والسلوكي للشعوب الإسلامية عن طريق العاهرات، وتدفق سيلهن إلى معظم البلاد الإسلامية بأسماء وصفات شتى، إما على صفات مربيات، أو مدرسات، أو صفات علمية وفنية وتجارية وصناعية، فاختلطن بالمجتمع، وسهّلن سبل الفاحش للمراهقين في أعمارهم أو في عقولهم، وعملت أجهزة الغازين الإعلامية، على طلاء الفواحش الصريحة بطلاءات كاذبة باسم الفن، أو باسم الصداقات البريئة، وانهارت مقاومة كثير من الأسر الإسلامية المعتزة بأخلاقها والمتمسكة بعفافها، واندفعت بتقليد الوافدات الجديدة، من الأزياء الفاجرة، ورأت الفتاة المسلمة افتتان الشباب بالمظاهر الخادعة التي تبرز بها الكافرة الفاجرة، فترك فيها الدافع الفطري فأخذت تسرع خطواتها في تقليد كل وافدة جديدة تقذفها أوروبا، وجرت في سباق مع وافدات الفتنة والفساد، لتعيد بزعمها ما فقدته من إعجاب الرجل بها، وبسرعه غير عادية، فقدت معظم العواصم في بلاد المسلمين طابعها المحتشم الذي تفرضه عليها تعاليم دينها الحنيف، وتحللت المرأة تحللاً ينذر بالانهيار السريع والدمار الخطير؛ لأن هذا المنزلق الذي سارت فيه، لا بد أن ينتهي بالأمم إلى مثل ما انتهت إليه الأمم السابقة من دمار شامل، حينما انهارت أخلاقها وفضائلها، إذا فقدت مجتمعاتها الضوابط الخلقية التي تضبط الغرائز عن التحلل والإباحية.
وتابعت -يا عباد الله- كتائب هذا الغزو الخطر أعمالها في الإفساد، واتجهت هذه الكتائب إلى مواقع المسلمين من كل حدب وصوب، فما تركت مجالاً إلا ودخلته، ولا طريقاً إلا سلكته، فأدخلوا المرأة في السينما والمسارح والقصة والتاريخ، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والمجلات والصحف والإذاعات، وسائر وسائل الإعلام.
فدخلت بذلك الصور العارية كل بيت، ولم يسلم منها أحد -إلا من رحم ربي-، حتى اعتاد الناس النظر إلى أمثال هذه الصور، فتبلد إحساسهم.
ولا يخفى علينا أيضاً -أيها الإخوة- أن الغزاة استطاعوا أن يستثمروا أرباحاً ضخمة جداً من أموال الشعوب الإسلامية في كل هذه المجالات التي غزوها.
إضافة إلى تحقيق أهدافهم المعنوية الرامية إلى هدم أبنية الفضائل الخلقية والسلوكية داخل المجتمعات الإسلامية.
نفعني الله وإياكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
عباد الله: الوسيلة الثالثة: استخدام المسكرات والمخدرات: لقد علموا بدراساتهم وخبراتهم ما في المسكرات والمخدرات من أضرار كبيرة عقلية وجسدية ونفسية وخلقية، فعملوا بطرق مباشره وغير مباشرة على نشر تعاطيها بين أبناء المسلمين، فكانوا كلما استعمروا بلداً من بلاد المسلمين، قاموا بنشر حانات الخمور، وأخذوا يستدرجون الذين يخالطونهم من المسلمين إلى تجرعها شيئاً فشياً، بمختلف الوسائل الماكرة، بغية استنزاف نفوسهم وعقولهم وأموالهم، وبغية إفساد أخلاقهم وآدابهم، وتحويل المجتمعات الإسلامية عن دينها واستدراجها إلى مواقع أعدائها.
وليت الأمر توقف على الخمور والمسكرات، فإن الشرور وقبائح الأعمال يستدعي بعضها بعضاً، ويرتبط بعضها ببعض؛ فموائد الخمر تستدعي موائد القمار، وجلسات الاستمتاع بالحرام، ثم يؤدي ذلك إلى غرف الفاحشة، وكل قذارات السلوك، ثم إلى جرائم القتل والاغتصاب، ثم إلى تسليم مفاتيح البلاد إلى أعدائها، الطامعين بخيراتها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[المائدة: 90- 91].
أيها المسلمون: لقد شهدت البلاد الإسلامية التي دخل إليها المستعمر، كيف أفسد هؤلاء سلوك الذين خالطوهم من أبناء المسلمين؟ وكيف صدوهم عن دينهم وسلبوهم عقولهم وبددوا طاقاتهم العملية بموائد الخمر والفحش والقمار؟
وأما المخدرات، فحدث ولا حرج، فإن أعداء الإسلام قاموا بنشرها بشكل واسع.
والله -عز وجل- نسأل أن يكفينا شرها، فإنها –والله- في هذا الزمن لتهدد البلاد من أي وسيلة أخرى.
لو ترى أبناء المسلمين على المخدرات، فإنها -والله- المصيبة العظمى للمسلمين، ويا له من نجاح باهر حققه أعداء الدين، فإن الجيل ينشأ وقد أمات المخدرات روح المقومة في نفسه، وينشأ جيل لا يُعتمد عليه، وبعد فترة يصبح مدمناً لها؛ لأنه لو تجرعها مرة واحدة، فإنه لا يستطيع الفكاك منها إلا بمشيئة الله -عز وجل-.
فتخيلوا بعد ذلك -يا عباد الله- أمة تريد أن تقاتل أعداءها، أمة تريد أن تجاهد في سبيل دينها، أمة تريد أن تعيد ما اغتصب من أراضيها، وهذا حالها وحال أبنائها، الذين هم عماد جيش المستقبل.
فنقول -أيها الإخوة- إنهم بغزوهم الفكري حققوا أشياء كثيرة لم يكونوا يتوصلوا لها عن طريق الغزو المسلح.
الوسيلة الرابعة: استخدام وسائل اللهو واللعب:
عباد الله: إن الأمة الإسلامية أمة جادة، جادة في جميع أمورها، لا تعرف اللعب، ولا تعرف الهزل، ولا تعرف سفاسف الأمور.
أمة لا تقتل أوقاتها دون ثمرة إلا في حدود ترويح النفس المباح.
فجاء أعداء الإسلام، وأغرقوا المسلمين بألوان من اللعب واللهو، حتى أماتوا بذلك قلوب كثير من أبناء المسلمين.
أيها المسلمون: إن اللهو واللعب في الإسلام قسمان:
القسم الأول: حرام لا يجوز أصلاً، وهو ما ورد الدليل بتحريمه كالنرد ومهارشة الديكة، وغيرها.
القسم الثاني: مباح باعتبار أصله، ولكن يشترط في هذا القسم المباح عدة شروط؛ منها: أن لا يفوت حقاً، أو يضيع واجباً، أو أن يستهلك العمر فيما لا فائدة فيه.
ولكن تأملوا -يا عباد الله- في حال شباب الأمة الإسلامية اليوم، وكيف تحقق لأعدائنا هذا الهدف الذي قد خططوا له، صارت أمة لا تعرف الجد، معظم أوقاتها لهو ومرح، قتل للأوقات، طاقات تستهلك دون جدوى.
كل هذا بما أدخلوه على المسلمين من وسائل شتى في اللهو واللعب، وسوف يسأل المسلم عن هذا العمر، وعن هذا الشباب فيما قضاه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم"[رواه الترمذي].
اللهم ...
الغزو الفكري (2) مهمة التبشير في الخليج
الغزو الفكري (3) محاربة اللغة العربية
الغزو الفكري (5) إلقاء الشبهات
التعليقات