عناصر الخطبة
1/حث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته على كل خير وتحذيرها من كل شر 2/محاولة الإعداء النيل من الإسلام وبعض وسائلهم في ذلك 3/إدراك الأعداء أن أمة الإسلام لا تقهر بالقتال 4/بعض حكم وفوائد الحروب الصليبية على المسلمين 5/فشل الأعداء في مواجهة الإسلام بالقتال 6/مخاطر الغزو الفكري على الشعوب الإسلامية 7/واجب المسلمين تجاه المكر والحيل المحاكاة ضدهماقتباس
عباد الله: إن الحروب الصليبية التي تواطأت على الإسلام من قبل الدول النصرانية، كان فيها خير للمسلمين، حيث أن هذه الحروب أيقظتهم من نومهم، وكانت منبهاً لهم من غفوتهم، حتى يهبوا ويلتفتوا إلى سهام عدوهم، ويدركوا واقعهم، ويتبصروا أسباب الضعف الذي أصابهم، ويعملوا على...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها المسلمون: لما بعث الله -عز وجل- في هذه الأمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين الذي تدينون الله -عز وجل- به، قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير قيام، فما ترك عليه الصلاة والسلام أمراً أوجبه الله علينا إلا وقد دل عليه، وما ترك أمراً نهانا الله -عز وجل- عنه إلا وقد حذرنا منه، فتركنا عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فلا يزيغ عنها بعد ذلك إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه.
وقد عاش الصحابة -رضوان الله عليهم- تلك الفترة النبوية المباركة، وهم في أحسن حال، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، فكان المجتمع الإسلامي خير مجتمع على وجه البسيطة.
وقد حاول أعداء الإسلام في ذلك الزمان أن ينالوا شيئاً من الدين، إما بطرح بعض الشبهات التي تشكك المسلم في دينه، وإما بالغزو المسلح.
فقام عليه الصلاة والسلام والصحابة معه برد كل هذه الشبهات، سواء الشبهات الفكرية العقائدية، أو المعارك الهجومية المسلحة.
فكانت دولة الإسلام هي المسيطرة والحاكمة على الأرض.
ثم انتقل الرسول المصطفى إلى جوار ربه، فقام الخلفاء الراشدين الأربعة من بعده؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، على نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فبقيت الخلافة الراشدة هي الحاكمة أيضاً.
وقد توسعت رقعة الدولة الإسلامية في تلك الفترة، وكبرت دولة الإسلام، وصارت أقوى مما كانت عليه من قبل.
وكما حاول أعداء الدين أن ينالوا شيئاً من الإسلام؛ إما من أرضه، أو من أحكامه، تصدى له رجال الإسلام، إما بالجيوش والسنان، وإما بالكتابة والأقلام.
ومرت الأيام بعد الأيام، والسنون بعد الشهور، حتى صار رجال المسلمين إلى ما تشاهدونه وتعايشونه في وقتكم هذا.
وخلال هذه التجربة الطويلة: أدرك أعداء الإسلام قضية أساسية، أو حقيقية ثابتة لديهم، وهي: أن هذه الأمة لا يمكن أن تقهر، ولا يمكن أن تغلب بالقوة والقتال.
وإن هزمت في بعض المعارك، فإنها سرعان ما تستعيد أنفاسها، وتقهر عدوها، وتكون لها الغلبة مرة ثانية.
ولكنهم استطاعوا أن يدخلوا علينا، ويكون زمام المسلمين في أيديهم من طريق آخر غفل عنه أكثر المسلمين، وهو ما يسمى، ب"الغزو الفكري".
فهُدّ كيان الأمة، وقُسمت دولة الإسلام إلى دول متناحرة، وبعُد المسلمين عن مفهوم الدين الصحيح، وغزتهم الأفكار الهدامة، والعقائد المنحرفة، وسقط المسلمون بأيدي أعدائهم، وصاروا تبعاً لهم عن طريق: "الغزو الفكري".
وقد أدرك أعداء الإسلام بأن القضاء على المسلمين بهذا الطريق، أنجع وأفضل من الغزو المسلح.
وسوف نحاول -أيها الإخوة بعد توفيق الله عز وجل- أن نسير معكم في جمع متتالية، وقد يطول منا المقام، لنتعرف على أغلب صور الغزو الفكري، الذي من خلاله دخل أعداء الدين علينا، وكيف أنهم سيطروا علينا من خلاله.
وسنحاول في عرض بعض هذه الصور: أن نضع النقاط على الحروف في علاج بعض هذه القضايا، وإن لم نتمكن من عرض العلاج الكامل، ففي تصوري أن توضيح صور الغزو الفكري فيه خير كثير للناس؛ لأنها تجعلهم يتلمسون أشياء لم يكونوا يعرفوها من قبل.
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- الإعانة والتوفيق والصواب فيما نقول، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله: إن الحروب الصليبية التي تواطأت على الإسلام من قبل الدول النصرانية، كان فيها خير للمسلمين، حيث أن هذه الحروب أيقظتهم من نومهم، وكانت منبهاً لهم من غفوتهم، حتى يهبوا ويلتفتوا إلى سهام عدوهم، ويدركوا واقعهم، ويتبصروا أسباب الضعف الذي أصابهم، ويعملوا على ترميم القواعد التي تآكلت من بنيانهم، والأسس التي خلخلها المنافقون الذين دخلوا في صفوفهم.
فقيض الله للمسلمين البطل صلاح الدين الأيوبي الذي تم على يديه إجلاء الصليبيين عن بلاد المسلمين حبقة من الدهر.
أيها لمسلمون: إن تسليط الله للصليبيين على بلاد المسلمين ما كان إلا حكمة من الله -عز وجل-، كان لوناً من ألوان التأديب الرباني، لبعد المسلمين من دينهم.
ليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا قرابة، فليس أحد بأكرم عند الله من أحد، الناس كلهم عباده، مخلوقين بقدرته، ولكن لله أوامر ونواهي، وعلى مقدار ما يكون اتباع العبد يكون له نصيب من التقوى، وعلى مقدار نصيب العبد من التقوى يكون نصيبه من إكرام الله ونصره ومعونته، وما النصر إلا من عند الله، يؤتيه من يشاء وفق حكمته، وحكمته قضت بنصر المؤمنين: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47].
أيها المسلمون: وكانت خطة مدبري الحروب الصليبية القيام بحرب مادية مسلحة بالأسلحة العسكرية لغزو بلاد المسلمين، واستلاب أموالهم، وهدم حضارتهم، وتحويلهم عن دينهم الذي هو مصدر قوتهم ووحدتهم.
كانت هذه هي خطة الصليبيين، يوم كانت عقول المسلمين وأفكارهم لا تسمح لعوامل التنصير أن تأثر فيها، يوم كانت العواصم الإسلامية تعيش العلم والحضارة والتقدم، بينما كانت عواصم العالم الآخر، غارقة في أوحال الجهالة والتخلف، والبعد عن القيم الحقيقية للأخلاق الفاضلة الكريمة، والمفاهيم الصحيحة للحياة، بدءاً ومعاشاً ومعاداً.
أرسل مدبروا الحروب الصليبية عيونهم إلى البلاد الإسلامية، وبثوا جواسيسهم، ليتحسسوا واقع المسلمين، ويكتشفوا مواطن القوة والضعف لديهم، ويتخذوا لهم من أبناء البلاد الإسلامية أعواناً لهم يوالونهم.
وقد ظفروا من ذلك بنصيب كبير تصيدوه من أهل الذمة، ومن الطوائف والفرق المنحرفة التي كانت قد نشأت في جسم الأمه الإسلامية، ثم لما سنحت لهم الفرصة، ركبت قراصنتهم البحر لنزع الأراضي المباركة من أيدي المسلمين، وسائر بلاد المسلمين تتراقص لهم، واحتلوا بعض الثغور الإسلامية على حين غرّة من المسلمين، يرافقها ضعف في قوتهم، وتفرق بين صفوفهم، واستمرت الحروب بينهم وبين المسلمين قرابة قرنين كاملين، هما: القرنان الثاني عشر، والثالث عشر.
ثم انتهت بجلائهم، بعد أن أسسوا لأنفسهم في المشرق العربي الإسلامي عروشاً صغيرة تابعة لمحاكمهم من وراء البحار، قال الله -تعالى-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8].
وقال سبحانه: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)[البقرة: 217].
وقال عز من قائل: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
أيها المسلمون: لما كتب الله الجلاء للصليبيين على أيدي الأبطال المسلمين الذين، رفعوا راية الإسلام، وقاتلوا في سبيل الله، وباعوا لله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، أظفرهم الله عدوهم، وأيدهم بنصره.
كانت عظة هذه الحروب -يا عباد الله- في نفوس الصليبيين، وجوب تحويل المعركة مع المسلمين من حرب سافرة مسلحة توقظهم من سباتهم، وتعيدهم إلى أسس دينهم، وتحيي فيهم روح الجهاد في سبيل الله، إلى حرب مقنعة، يدخل في حسابها الغزو الفكري والنفسي والخلقي، والغزو الحضاري والمدني والاقتصادي، وأخذ مفكروهم يضعون الخطط لتنفيذ هذه الحروب المقنعة.
أيها المسلمون: وبدأ جنود هذه الحروب القادمون بأقنعة شتى، ينفذون خططها بكل مكر ودهاء وخبث، متسترين بالعلم، أو التجارة، أو بالصناعة، أو بتحسين مظاهر المدنية، أو بالتعاون والمحبة الإنسانية، في مختلف مجالات الحياة، إلى غير ذلك، من أقنعة جميلة مقبولة لدى أنفس الشعوب، وكانت ثمرة هذه الحروب المقنعة كبيرة لأعداء الإسلام والمسلمين.
لقد تحول الاتجاه العام عند أعداء الإسلام بعد تجاربهم الطويلة مع المسلمين، فعملوا على تهيئة الشعوب الإسلامية من الداخل، وذلك بأسلوب الغزو الفكري، عن طريق عملائهم، وتحت ستار المبادئ التي تزعم أنها إنسانية، لتكون الشعوب مؤهلة فكرياً ونفسياً لتسليم قيادها لطائفة مختارة من أعدائها في غزو فكري، لا يستخدم الغزاة فيه سلاحاً، ولا تكلفهم قتالاً.
لقد أدركوا بعد التجارب الطويلة: أن الغزو المادي يولد في الشعوب رد فعل عنيف، لا يمكن للمغلوب أن يتقبل شيئاً منهم، لما فيه من العداء السافر، والتسلط والقهر والغلبة.
عباد الله: إن الغزو الفكري الجديد الذي خططوا له؛ يحمل في ثناياه مخاطر على الشعوب الإسلامية، يجعلها طعمة سائغة يأكلها عدوها، دون أن يجد في ذلك غصّة في حلقها، كما تفقدها كل مقوم من مقومات الإنسانية الراقية التي بها كانت خير أمه أخرجت للناس، وتجعلها كبقرة حلوب، تُعلف بمقدار ما تستثمر من لبن أو لحم أو حرث.
وما دام الإنسان إنساناً، فإن معظم تصرفاته خاضعة لإرادته، وإرادته خاضعة لمفاهيمه في الحياة، خيراً كانت هذه المفاهيم أو شراً.
وقد أدرك المخططون للغزو الجديد: أن المكر والحيلة أجدى في الإنسان من أية وسيلة، وأن القوى المختلفة التي في أيدي المسلمين يمكن بالمكر والحيلة أن تسّخر ضدهم، وذلك إذا تحولت أفكارهم عند مفاهيم إسلامهم، وفسد منطقهم وإدراكهم، وغدت تصوراتهم تخدم أغراض عدوهم فيهم، وكذلك فعلوا، وكذلك يفعلون باستمرار في الشعوب الإسلامية.
وكلما استجمعت هذه الشعوب شيئاً من قوتها، وأبصرت مراكز عدوها، وأرادت أن ترفع رأسها إلى المجد، مكر بها أعداؤها، فأفسدوا لديها جانباً من جوانب الفهم السليم للأمور، والفكر الصحيح في معالجة المشكلات الكبرى، ثم استدرجوها إلى مزالق خطرة، تلجأ فيها إلى استخدام أسلحتها ضد نفسها، فتكون بمثابة من ينحر نفسه حماقة وجهلاً.
عباد الله: إن واجب المسلمين -والحالة هذه- أن يستبصروا دائماً بهذا السلاح الجديد الخطير.
وعليهم كذلك: أن يصبروا على الاستمساك بمفاهيمهم الصحيحة التي تهديهم إليها تعاليم دينهم، مهما زيّن لهم أعداؤهم غيرها.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا في سلسلة هذه الخطب أن نتعرف على صور هذا الغزو الفكري.
وما ذكر اليوم يعتبر مقدمة وضعناها بين يدي هذه السلسلة.
اللهم ...
الغزو الفكري (2) مهمة التبشير في الخليج
الغزو الفكري (3) محاربة اللغة العربية
الغزو الفكري (4) إفساد الأخلاق
الغزو الفكري (5) إلقاء الشبهات
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم