عناصر الخطبة
1/إلقاء الأعداء للشبهات حول الإسلام في جميع مجالاته وجوانبه 2/بعض شبه الأعداء وحول الإسلام والرد عليها 3/أسباب وقوع الجرائم في المجتمع 4/تساؤلات مهمة لمثيري الشبه حول الإسلاماقتباس
إن الجرائم التي تقع في أي مجتمع من المجتمعات لها خمسة أسباب: السبب الأول: عوامل نفسية منحرفة في الفرد نفسه، تدفعه لارتكاب الجرائم. هناك من الناس من هم مصابون نفسياً بكراهية الناس، ولا يروي ضمأ هذا الكره عندهم إلا...
الخطبة الأولى:
ان الحمد لله ...
أما بعد:
أيها المسلمون: نواصل معكم -أيها الإخوة- حديثنا عن الغزو الفكري، وسنتعرض في هذه الخطبة بعد توفيق الله -عز وجل- إلى وسيلة خبيثة من وسائل أعدائنا في سبيل تحقيق أهدافهم في زعزعة عقائد المسلمين وأفكارهم ومفاهيمهم.
هذه الوسيلة -يا عباد الله- هي: إلقاء الشبهات حول الإسلام في جميع مجالاته وجوانبه، ولكن -ولله الحمد والمنة- لم تلق هذه الوسيلة رواجاً عند الذين تشربت العقيدة الصافية قلوبهم؛ كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها **** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ولم تنطل هذه الوسيلة إلا على الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، خصوصاً على أولئك الذين خلفياتهم ضحلة عن الإسلام، ولم يدركوا كثيراً من الحِكم وراء أحكام وأوامر الشرع: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة:32].
وسأذكر لكم -أيها الإخوة- بعضا من الشبه التي قيلت حول بعض جوانب هذا الدين؛ لندرك كيف أنهم ما تركوا طريقاً يستطيعون من خلاله الدخول على المسلمين إلا ولجوه.
ثم نقوم بعد ذلك برد تلك الشبه، لكي لا يبقى ولا يعلق شيء منها في قلب أي مسلم منا.
يتهمون المسلمين بأنهم يعبدون الكعبة! وبأنهم يعبدون الحجر الأسود! ويشككون بعبادة رمي الحجار في الحج، ويشككون بالتيمم بدل الطهارة بالماء عند فقده، أو تعذر استعماله!.
ونرد على هذه الشبهة، فنقول -بعد توفيق الله -عز وجل-: إن جميع العبادات التي شرعها الله في الإسلام لا بد وأن تكون مطابقة لجوانب الحكمة الفكرية والنفسية والاجتماعية، والله -عز وجل- عندما خلق هذا الإنسان ليعبده في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56].
وأمره أن يؤدي هذه العبادات، جعل -سبحانه وتعالى- لكل عبادة هيئة معينة، ووراء كل عبادة في الإسلام حكمة، وقد نتوصل نحن المسلمون بهذا العلم البسيط المحدود الذي علمنا الله -سبحانه وتعالى- إلى بعض هذه الحكم، وقد لا نصل.
فيأتي هؤلاء المشككون ويثيرون شبهاً حول هذه القضايا، فيصدقهم بذلك أصحاب النفوس الضعيفة من المسلمين.
ونحن مأمورون -يا عباد الله- أن نعبد الله بالاتباع لا بالعقول، سواء وافقت العبادة عقولنا أو لم توافق.
فإذا ثبت الدليل ولم تقبله عقولنا، فلنتهم عقولنا.
فمنهج المسلم -أيها الإخوة- في العبادة هو البحث عن الدليل الصحيح، لا تأخذ شيئاً إلا بدليله، ولو ثبت لك صحة الدليل عن الله -عز وجل-، أو عن رسوله -صلى الله علية وسلم- فتمسك به، ولا تنحرف عنه فتضل؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي".
وبهذا المنهج وبهذه الطريقة لا يمكن أن يساورك شك من أية جزئية من جزيئات هذا الدين، فيرسخ إيمانك بذلك، ويطمئن قلبك، ولا يستطيع أحد أن يدخل عليك من هذا الجانب.
عندما جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقبل الحجر الأسود، قال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك".
هكذا كان الاتباع عند سلف هذه الأمة، وهكذا كان أخذهم لأمورهم التعبدية، كل ما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأخذونه من غير تردد، ومن غير بحث عن علة ذلك، بهذا المنهج وبهذه الطريقة دانت لهم الدنيا، وصاروا كما وصفهم الله في كتابه: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110].
يقول علي بن أبي طالب -رضى الله عنه-: "لو كان هذا الدين يُأخذ بالعقل، لكان باطن الخلف أولى بالمسح من ظاهره".
أيها المسلمون: شبهة أخرى تثار حول الزكاة في الإسلام: فنسمع من يقول: إن الزكاة تَفضُلٌ من الغني للفقير، وهي يد منّة يقدمها الأغنياء للفقراء!.
فنقول -أيها الإخوة- بأن هذا الكلام باطل، يبطله كتاب الله -عز وجل-، كذلك قول وفعل رسولنا -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فالزكاة حق إلزامي في أموال الأغنياء، والذي يرفض تأديتها، فإن الدولة الإسلامية تتولى أخذه طوعاً أو كرها، فالله -عز وجل- سماه في القرآن حقاً، أي حقاً واجب الأداء؛ كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ):[المعارج 24- 25].
وقال سبحانه كذلك في الزروع والثمار: (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام: 141].
والذي يمتنع عن أداء الزكاة -فكما ذكرت لكم- بأن الإمام يأخذها منه عنوة، ويأخذ معها جزءًا من ماله تأديباً له؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنا لآخذوها وشطر ماله".
ولو كان مانعي الزكاة مجموعة، ولهم شوكة وقوة، فإنه يجب على إمام المسلمين أن يقاتلهم كما قاتل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مانعي الزكاة.
فالزكاة -أيها الإخوة- ليست منّة من الغني للفقير، كما تثار حول ذلك الشبهات، ولكنها حق لله -سبحانه وتعالى- لا بد أن تؤدى؛ كما قال سبحانه: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)[النــور: 33].
وقال عز من قائل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)[التوبة:103].
شبهة أخرى تثار حول الزكاة أيضاً: نسمعها من بعض الناعقين، بأن الزكاة سبب لانتشار البطالة، فإن الفقراء لو ضمنوا أنه تأتيهم أرزاقهم، وسوف يدفع لهم الأغنياء ما يكفيهم من شؤن الحياة، فإن هذا يجعلهم لا يعملون، ولا حتى يفكرون في البحث عن الأعمال، وهذا مع مرور الوقت يسبب البطالة في المجتمع!.
فنقول -يا عباد الله- بأن هذا الكلام ليس على إطلاقه، وإن كان فيه شيء من الصحة لدى بعض الأفراد، فإن الفقر لا يستلزم أن يؤدى إلى البطالة، ولكن الفقر -أيها الإخوة- بالتأكيد يؤدي إلى السرقة، وانتشار الجرائم، بل حتى في بعض الأحيان يؤدي إلى الكفر، فقد قرن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الكفر والفقر في حديث واحد، فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر".
إن الإنسان لو لم يجد ما يشبع به جوعته، ولم ير من يمد يد العون والمساعدة له، فإنه بالتأكيد سيسرق، ولهذا كان من عظمة فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه لم يقم حد السرقة عام الرمادة.
وعام الرمادة، هي فترة مرت المدينة تدهورت فيها الحالة الاقتصادية، وانتشر الفقر بين الناس، فكان أحدهم يسرق، لا من أجل السرقة، ولكن كان يسرق ليأكل، فلم يقطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يد من سرق تلك العام؛ لأنه لم يسرق إلا لحاجة.
فقولهم: بأن الزكاة تؤدي إلى البطالة، ليس على إطلاقه، ولكن منع الزكاة سيؤدي إلى السرقة والجرائم قولاً واحداً، لذا كان من حكمة الله -عز وجل- لكي يبقى المجتمع محافظاً على أمنه: أن فرض في مال الأغنياء نسبة بسيطة للفقراء، لكي لا تسول لهم أنفسهم لأخذها سرقة.
فكم -يا سبحان الله-! في أوامر الله -عز وجل- من حكم، لو كشفت ووضحت للإنسان!.
فيالها من شريعة محكمة! ويا له من دين متكامل!.
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد.
أيها المسلمون: شبهة أخرى -يا عباد الله- تثار حول هذا الدين، تتعلق بالعقوبات في الإسلام، فنسمع من يقول: بأن العقوبات الإسلامية شديدة قاسية، حد السرقة قطع اليد، وحد الزاني الجلد، أو الرجم، وحد قاطع الطريق قطع الأيدي والأرجل من خلاف، وغير ذلك من التعازير والحدود القاسية، فأي وحشية هذه؟ وأي همجية في هذه العقوبات؟ وأين الرحمة بالإنسانية؟ تقطعون أيدي الناس ورقابهم؟!
فيقال -أيها الإخوة- بعد توفيق الله -عز وجل- رداً على هذه الشبهة الضعيفة: إن الجرائم التي تقع في أي مجتمع من المجتمعات لها خمسة أسباب:
السبب الأول: عوامل نفسية منحرفة في الفرد نفسه، تدفعه لارتكاب الجرائم.
هناك من الناس من هم مصابون نفسياً بكراهية الناس، ولا يروي ضمأ هذا الكره عندهم إلا بمشاهدة الدماء المراقة.
وهناك من الناس المصابون نفسياً بشذوذ جنسي، لا يبرد حرارته، ولا يشبع نهمه، إلا بارتكاب الجرائم والاعتداء على عفاف الصغار والصغيرات.
وهناك من الناس المصابون نفسياً بعقدة جمع المال، والاستكثار منها، بالسطو على أموال الناس، وقطع الطريق، وترويع الآمنين، أو بحيل الاختلاس، وجمع الأموال بغير حق.
فأمثال هذه العينات موجودة في المجتمع، وهم سبب اختلال الأمن، ووجود الفوضى، وانتشار جرائم القتل.
السبب الثاني من أسباب وقوع الجرائم في المجتمعات: البيئة نفسها: فهناك من البيئات الاجتماعية منحرفة أساساً، كمجتمع أوروبا وما شابهها، من الاستهانة بالفضائل، وفساد المفاهيم عندهم، وانحراف عقائدهم، وإهمال شبابهم وشاباتهم، يرتعون في الملذات الجنسية، وانحلال نظام أسرهم.
كل هذه الأسباب مجتمعة لا شك أنها تزيد من نسبة الجرائم فيها، في مقابل المجتمعات المحافظة.
السبب الثالث من أسباب ارتكاب الجرائم: الضرورة الملحة التي تفرض على الشخص في بعض الأحيان، وتدفعه لارتكاب الجريمة.
السبب الرابع: ضعف جهاز الحكم وإهماله، وعدم مراقبته المراقبة الشديدة، لما يقع في المجتمع من جرائم.
والأصل في الحكم الإسلامي أنه على خلاف ذلك؛ لأنه يعمل بهدي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
السبب الخامس: لين القوانين، وعدم أخذها بمبدأ العقوبات الزاجرة التي أخذ بها النظام الإسلامي.
هذه -يا عباد الله- خمس عوامل رئيسة، تسبب تفشي وقوع الجرائم في المجتمعات.
ولكن حين يطبق الناس النظام الإسلامي، يستطيعون أن يتفادوا النسبة العظمى من هذه العوامل؛ لأن الإسلام قبل أن يوقع العقوبات الصارمة والشديدة، أحاط مجتمعه بعدة أسوار، فجاء: سور الأنظمة الاجتماعية والفردية، وأقام العدالة الاجتماعية، وحض على الزواج، وأمر بتيسير وسائله وأسبابه.
ثم جاء سور آخر، وهو: سور تربية المسلمين نظرياً وعملياً على مكارم الأخلاق، وفضائل السلوك.
ثم جاء سور ثالث؛ لأنه يعلم أن هناك من الناس من لا ينفع فيه التربية، وهو: سور المخاوف والإنذارات لعقاب الله في الآخرة.
وختم بسور رابع، وهو: سور العبادة الحقة لله -تعالى-، المصحوبة بمراقبة الله -عز وجل-، وفي داخل هذه الأسوار الأربعة، يترعرع المجتمع الإسلامي في بحبوبة السعادة والأمن والطمأنينة، ولو خرجت بعد ذلك عناصر شاذة، وتخطت هذه الأسوار الأربعة، ولم تبال بعقاب الله في الآخرة، ولم تتأثر بالعبادات، ولم تربِ نفسها على الفضائل والأخلاق، فإن من الأصلح للمجتمع أن يستأصل هذا العنصر، ويقتلع جذوره من المجتمع، لكي لا يكون عنصر فساد.
فأسألكم -يا عباد الله- أيهما أحفظ لكرامة الإنسان ولسلامة المجتمع؛ أن يعاقب عدد محدود من الناس عقوبة صارمة شديدة، يرتدع بها كل من حدثته نفسه بالجريمة، أو أن تتعرض أموال وأعراض وأرواح ألوف من الأبرياء من الناس لجرائم المنحرفين والشاذين الذين يتكاثرون في كل مجتمع تقل فيه روادع العقوبات؟!
فأين وحشية الإسلام -أيها الإخوة- بعد كل هذا؟
إن الإسلام لا يعاقب بالقطع أو القتل لأول وهلة، لكنه أمر بالعبادات، وأسس أُسس التربية، وأمر بمكارم الأخلاق، فالذي لا يستفيد من كل هذا، ويصر على الإجرام بعد ذلك، لا بد من إيقافه عند حده.
أيها المسلمون: نقول كلمة أخيرة للذين يثيرون أمثال هذه الشبه على الإسلام، هل الوحشية في الإسلام في قطع يد السارق؟ أم الوحشية في تلك القنابل النووية والهيدروجينية التي تهدد العالم كله؟ هل الوحشية في قتل القاتل؟ أم الوحشية في تلك الدبابات التي تسلط على أجساد عباد الله عقوبة لهم على مخالفة سياسية؟.
نحن لا نلوم أعداء الإسلام إذا قالو ذلك؛ لأنهم في حرب معه، ولكنا نتحسر ندماً عندما نسمع من بعض المسلمين يرددون ما يقوله أعداؤهم، ويقولون عن حكم الله -عز وجل- وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه وحشية، وفيها ظلم وإهانة للإنسانية.
اللهم ...
الغزو الفكري (2) مهمة التبشير في الخليج
الغزو الفكري (3) محاربة اللغة العربية
الغزو الفكري (4) إفساد الأخلاق
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم