أمة مبتلاة - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-01-25 - 1445/07/13
التصنيفات:

اقتباس

إننا نحيا الآن مخاض أمة، نعم؛ نحيا مخاض أمتنا الإسلامية، والذي سينتج عنه شيئًا من اثنين؛ فإما أن تنجب الأمة جيلًا واثقًا في نصر الله متخففًا من دنياه متسلحًا بالإيمان والعقيدة والعلم يحقق الله النصر للأمة على يديه... وإما أن تموت الأمة في مخاضها ذلك، فيستبدل الله...

يتساءل صاحبنا الغيور على حال أمته ويتألم وهو يقول: ما الأمر! إننا لا نكاد نفيق من أزمة حتى تغشانا أزمة؟! ولا نكاد نخرج من بلاء حتى يأتينا بلاء آخر؟! ولا نكاد نتعافى من كارثة حتى تنزل علينا ثانية؟! ولا نكاد ننجو من طامة حتى تعاجلنا أعظم منها؟! بل في زماننا هذا تتابع المصائب وتتصاحب فتأتينا جماعات لا فرادى؟!

 

فهذا جرح غائر في السودان بين المسلمين والمسلمين يقتل بعضهم بعضًا... وهذا ورم سرطاني في فلسطين اسمه الاحتلال الإسرائيلي... وهذا ألم في الشيشان وآخر في أفغانستان وخامسٌ في اليمن وسادس وسابع وعاشر... وأخيرًا فهذه غزة المكلومة الجريحة تُسفك فيها الدماء البريئة تحت سمع وبصر المسلمين، وتحت سمع وبصر العالمين، تسيل هناك دماؤهم وتختلط أشلاؤهم وتُسوى بالأرض بيوتهم، ومن لم يمت منهم تحت القذف والنيران مات جوعًا وعطشًا أو مات مصابًا بوباء من الأوبئة التي تنتشر هناك!... فما الغاية من كل هذه البلاءات؟! وما الداعي لكل هذه المصائب والكربات؟! وما الحكمة والهدف والنهاية؟!

 

ونقول لصاحبنا هذا: وما العجب في ذلك؟ وهل حسبت أن يكون الأمر غير ذلك؛ فإن ما يحدث الآن هو تحقيق لسنن الله -عز وجل- في خلقه، وهو كذلك تحقق لنبوءة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

فأما أنه إجراء لسنن الله في كونه، فهذه سنة ربانية تقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)[البقرة: 214]، هي سنة تقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً)[التوبة: 16].

 

وسنة ثانية تقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11]، ألا ترى إلى أي مدى من التردي وصلت أمتك؟! لقد صار أغلبها جاهلًا بقرآنه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-! لقد أدارت نسبة كبيرة من الأمة الإسلامية ظهرها لدينها وتنكرت لمبادئه ويممت وجهها صوب الشرق والغرب يبتغون عندهم الهداية! لقد كثرت في بيوتها الفواحش وانتشرت في أقطارها الملاهي واستشرى في شوارعها الفسوق! فكيف بالله تُنصر وهي لم تنصر الله فلم تحقق الشرط: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)[محمد: 7].

 

وأما أنها نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: "وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه"(رواه مسلم).

وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو القائل: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"(ابن ماجه، وحسنه الألباني).

 

وهو-صلى الله عليه وسلم- القائل: "ما ظهر في قوم الزنى والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله جلا وعلا"(رواه ابن حبان، وحسنه الألباني لغيره).

 

فلئن انتصرنا مع حبنا الدنيا وإن كانت حقيرة، ومع كراهيتنا للموت ولو كان شهادة في سبيل الله، ومع عصياننا وإعراضنا وشرودنا وتفلتنا... لكان الأمر عبثًا -تعالى الله وتنزه عن ذلك-، ولما تُبنا ولا ندمنا ولا أقلعنا، بل لتمادينا وأمعنا وأصررنا.

 

***

 

ويعود قلب صاحبنا المتألم فيقول: قد ذكرت الحكمة من بلاءات الأمة وسبب وقوعها، لكن ما الفائدة من تلك الابتلاءات؟

 

وأقول: نعم؛ لك ما طلبت، فإن الله -عز وجل- لا يخلق شرًا محضًا أبدًا، بل له في كل بلاء نعمة، وفي كل قضاء منة، فلا يمنع إلا ليمنح، ولا يأخذ إلا ليعطي، ولا يؤلم إلا ليثيب... -سبحانه سبحانه-، ولله في هذه البلايا نعمة كامنة عظيمة جليلة وهي:

 

اليقظة من الغفلة: فقد "أعتلَّ الفضل بن سهل بخراسان ثم برأ، فدخل عليه الناس يهنَّئونهُ بالعافية فقال: إن في العلة نعمًا ينبغي للعالق أن يعرفها: تمحَّصُ الذنب، والتعرضُ للثواب، والاستيقاظ من الغفلة، وشكر بالنعم في حال الصحة، والاستدعاءُ للتوبة، والحض على الصدقة، وفي قضاء الله - تعالى - وقدره الخيارُ"(دُرَرُ الحِكَمِ، لأبي منصور الثعالبي).

 

نعم؛ أن تعود الأمة إذا ما زُلزلت ومُحِّصت إلى النبعين الصافيين: كتاب ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم-... أن تكفر الأمة بالليبرالية والاشتراكية والشيوعية -بعدما اصطلت بنارها- وبكل منهج يخالف منهج الله... لهي نعمة وأجل نعمة، وصدق القائل:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

 

***

 

إننا -أيها المسلمون- نحيا الآن مخاض أمة، نعم؛ نحيا مخاض أمتنا الإسلامية، والذي سينتج عنه شيء من اثنين؛ فإما أن تنجب الأمة جيلًا واثقًا في نصر الله متخففًا من دنياه متسلحًا بالإيمان والعقيدة والعلم يحقق الله النصر للأمة على يديه... وإما أن تموت الأمة في مخاضها ذلك، فيستبدل الله بها خيرًا منها: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38]، وإننا لنأمل الأولى، ونخشى الثانية.  

 

وعلى ما سبق تلاقت أفكار خطبائنا وكلماتهم، فجمعنا طرفًا منها لعله يهمك ما أهمهم.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
العنوان
حكمة الله في الابتلاء بالضراء 2020/10/16 6671 676 55
حكمة الله في الابتلاء بالضراء

متى حققت الأمة الإيمان الكامل بالله -جل وعلا-، حقًّا وصدقًا ظاهرًا وباطنًا، متى سارت على منهج الله في جميع شئونها، ومختلف نشاطات حياتها، فتح الله لهم البركات وعاشوا في رخاء وحياة طيبة، وعيشة هنيئة، لا يشوبها ضيق ولا كدر...

المرفقات

حكمة الله في الابتلاء بالضراء

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life