الشباب - خطب مختارة
الفريق العلمي
الشباب هو أخطر وأهم مراحل العمر، وهو أغلى كنز وُهِبَه الإنسان في دنياه بعد دينه، فلا عجب -إذن- أن يخصه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعناية والتأكيد؛ فبعد أن قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه"، فإنه قال بعدها مباشرة: "وعن شبابه فيم أبلاه"(رواه الترمذي)، مع أن الشباب جزء من أجزاء العمر.
فشباب كل أمة هم مستقبلها، وأمة لا شباب لها لا مستقبل لها، وشبابنا هم أمل أمتنا، وساعد نهضتنا، ومحور حضارتنا... لكن لا بد ونحن نقول هذا أن نسأل سؤالًا مهمًا فحواه: متى يكون الشباب كذلك؛ أملًا وساعدًا ومحورًا..؟ ونجيب: إنهم لا يكونون كذلك إلا إذا استمسكوا بدينهم وعادوا إلى ربهم واعتزوا بسنة نبيهم...
***
ونعود فنسأل: وماذا نريد من الشباب؟ نقول: نريد منهم أولًا: الأخذ بأسباب الاستقامة: ولقد دلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بعضها حين قال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"(متفق عليه).
ونريد منهم: الالتزام بطاعة الله وهداه: ليكونوا من هؤلاء السبعة الذين ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "وشاب نشأ في عبادة الله"(متفق عليه).
ونريد منهم: التحلي بالسمة الإسلامية: فلا يغتروا بالكفار ولا يقتدوا بهم ويحذروا من أي مظهر من مظاهر التشبه بهم، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوجه قائلًا: "خالفوا المشركين؛ وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب"(متفق عليه)، ويقول: "إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج -أو لا جناح- فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جر إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه"(رواه أبو داود).
ونريد منهم: استثمار أوقاتهم وطاقاتهم: فدقائق الشباب ثمينة غالية، وهي أثمن من أن تضييع في تافه وحقير، وهو مسئول عن سنون شبابه يوم القيامة كما أوردنا: "وعن شبابه فيم أبلاه "، وصدق من قال:
والوقت أثمن ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
فعلى الشباب أن يوظفوا شبابهم وطاقاتهم ومواهبهم لخدمة دين الله ونصرة شريعته والذب عن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-..
ونريد منهم: التواضع والحذر من الخيلاء: فهذا لقمان الحكيم يوجه ولده قائلًا: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لقمان: 18]، ويروي أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي في حلة، تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"(متفق عليه).
ونريد منهم: التطلع إلى المعالي والتسامي عن الحقائر: وهذا ما يحبه الله -تعالى- لهم، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها"(رواه الطبراني في الأوسط)، وصدق القائل:
شباب قنعٌ لا خير فيهم *** وبورك في الشباب الطامحينَ
ونريد منهم: بناء أنفسهم علميًا وبدنيًا وروحيًا... وهو ما طلبه الله -سبحانه وتعالى- من نبيه -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، وعن حذيفة بن اليمان قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فضل العلم خير من فضل العبادة"(رواه الحاكم)، -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"(رواه مسلم).. وهكذا يكونون كما وصف الشاعر:
شباب ذللوا سُبـــل المعـالـي *** وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة *** يدكون المعاقل والحصونا
وإن جنَّ المسـاء فلا تراهــم *** من الإشفاق إلاّ ساجدينا
***
ولقد انتصر نبي الإسلام للشباب في كل أمر، فتراه -صلى الله عليه وسلم- يبعث بمصعب بن عمير إلى المدينة داعيًا ومعلمًا وسفيرًا عن الإسلام، ويستخدم عتاب بن أسيد على مكة حين خرج إلى حنين، ويولي أسامة بن زيد قيادة جيش يضم كبار الصحابة... لذا ما قامت دعوة الإسلام إلا على أكتاف الشباب وبسواعدهم، مستضيئة بخبرة الشيوخ ومشورتهم.
ويروي ضياء الدين المقدسي في "مستخرجه" وغيره عن ابن عباس أنه قال: "ما بعث الله نبيًا إلا شابًا ولا أتي العلم إلا شابًا"، وقرأ: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء: 60]، وقرأ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ)[الكهف: 60]، وقرأ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)[الكهف: 13].
***
هكذا يريد الإسلام لشبابنا، وتلك عناية الإسلام بهم تبني وتدعم وتؤهل جميع جوانب شخصيتهم... لكن يا تُرى ماذا يريد له أعداؤنا؟ إنهم يريدونهم مسوخًا وأشباهًا للرجال، يريدون لهم الارتماء في أحضان الغانيات، والغرق في أدران المخدرات والمسكرات، والسباحة في بحار التيه والضلال والظلمات، يريدون لهم عبادة السيد الغربي أو الشرقي واتخاذه إلهًا من دون الله؛ بأمره يأتمرون فالحلال ما أحل والحرام ما حرم...
ولعل هذا ما يريده أكثر من ينادون بما يُعرف بـ"اليوم العالمي للشباب" من غير المسلمين، يوم للشباب يرتع فيه في الشهوات وينشغل فيه بالتوافه ويقارف فيه المحرمات، ثم يواصل في سائر حياته الغفلة والضياع وقطع العمر فيما لا يفيد...
وأحسنهم قصدًا هو من يجل في الشباب طاقته وجلده وقوته وتحمله حتى يسخرها في الانتاج والنماء الاقتصادي وفقط! ولا يبتغي منه غير أن يكون آلة إنتاجية وعاملًا مساعدًا في النهضة الصناعية والاقتصادية، فلا يرى فيه إلا قوة مادية فقط، ثم يطلق له العنان بعدها لينغمس في الأوحال والأقذار كما شاء!
فشتان بين ما يريده الإسلام من شبابه وبين ما يريده أعداؤنا بهم.. وقد تكاتفت أصوات خطبائنا وتعاضدت على الدعوة إلى الاهتمام بالشباب واستثمار طاقاته والعودة به إلى حظيرة الإيمان يتنسم عبيرها فتصونه من الإلحاد والتغريب والعيش لغير دينه، وهاك بعض أصواتهم:
مرحلة الشباب - عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر.
الشباب في الإسلام - يوسف بن جمعة سلامة.
مكانة الشباب في الإسلام - محمد ابراهيم السبر.
أهمية الشباب - خالد بن عبدالله الشايع.
حق الشباب - ملتقى الخطباء - الفريق العلمي.
الشباب وخطط الأعداء - سعد بن ناصر الشثري.
الشباب والإيمان - راشد الزهراني.
الشباب الذي نريده - عبد الله بن ناصر الزاحم.
الشباب عدة الأمل - عبدالباري بن عواض الثبيتي.
الشباب في موكب الإسلام - محمد الغزالي.
اغتنام فرصة الشباب - عبدالله بن حسن القعود.
إلى الشباب - عبد الله المؤدّب البدروشي.