صيانة الأنفس من المخاطر - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

اتركونا في طرقاتنا آمنين، لا نخاف على أطفالنا إذا خرجوا ألا يرجعوا إلينا إلا محمولين.. اجعلونا مطمئنين إذا مشينا ليلًا ألا نجد أنفسنا في قاع بئر محبوسين.. إن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فألا تحفروا البئر من الأساس خير وأفضل أن تحفروها وتتركوها خطرًا على المارين...

طوبى له، ثم طوبى له، ثم طوبى له؛ من حفر بئرًا للمسلمين يستقون منها ويزرعون ويسقون مواشيهم، فإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حدثنا فقال: "بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر"(متفق عليه)، فإن هذا وجد البئر محفورًا وجاهزًا، فما بالك لو كان هو من ابتدأه وحفره! وإنه سقى كلبًا أعجمًا، فما بالك بمن يسقى الإنسان والحيوان والطير والزروع والأشجار من بئر حفرها بيديه!

 

ويروي سعد بن عبادة -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء"، قال: فحفر بئرًا، وقال: هذه لأم سعد(رواه أبو داود)، فنعم الصدقة الماء؛ أليس قد قال الله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء: 30].

 

وللتشجيع على حفر الآبار، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن حفر بئرًا حرمًا لبئره لا يعتدي عليه أحد، فإن كان بئرًا لسقي المواشي فحرمه أربعون ذراعًا، فعن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفر بئرا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته"(رواه ابن ماجه)، و"الْعَطَنُ: هو موطن الإبل ومَبْركُها حول الحوض وَمَرْبَضُ الغنم حول الماء"... أما "إذا كان البئر للزرع فأن صاحبه يملك كل ما تزرعه هذه البئر، يعني: ما جرت العادة بأن هذه البئر تزرعه فإنه يملكه"( فتح ذي الجلال لابن عثيمين)، فعلاوة على أن له حرمًا مستقلًا، فإنه يملك الأرض الموات التي أحياها ببئره.

 

***

 

لكن الأمر كما يقول الناس: "من صنع معروفًا فليتمه"، فمن حفر بئرًا فعليه أن يحصِّنه ويؤمِّنه لئلا يقع فيه أحد من الناس، فيكون قد آذى من حيث أراد النفع، "ورب قاصد خير لا يدركه"، فليبني حوله سورًا أو يضع حوله ما يمنع من وقوع إنسان فيه...

 

وإن كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة (ينظر: سنن أبي داود)، وإن كانت إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان (ينظر: صحيح مسلم)؛ فإن وضع الأذى في الطريق معصية، وحفر البئر وتركه بلا حاجز يحجز الناس عن التردي فيه من أكبر الإيذاء والضرر، ولقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار"(رواه ابن ماجه). 

 

وإيذاء المسلمين يمنع صلاة الملائكة حتى على المتعبد في المسجد؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه"(متفق عليه)، فإن آذى فلا أجر بل هي الخيبة والوزر!

 

ويروي أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والجلوس بالطرقات" فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: "إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"(متفق عليه)، فهل من حفر بئرًا وتركها بلا حاجز يحمي الناس من الوقوع فيها قد كف أذاه عن الناس؟! أن أنه قد وضع لهم الأذى في طريقهم!

 

***

 

وقد اتفقت كلمة الفقهاء على تضمين من حفر بئرًا في غير ملكه ولم يحصنه، فتردى فيه إنسان، يقول السرخسي الحنفي: "وإن حفر بئرًا في غير ملكه فوقع فيه إنسان فعليه أن يسعى في قيمته؛ لأنه متعد فيه فهو في حكم الضمان كجنايته بيده"(المبسوط للسرخسي).

 

ويقول الإمام مالك: "من حفر بئرًا حيث لا يجوز له فهو ضامن لما عطب فيها"(المدونة للإمام مالك)، ويقول المازري المالكي: من "حفر بئرًا ليسقط فيها من أتى ليسرق ماله، فسقط فيها السارق فمات، أو سقط فيها غيره ممن لم يأت للسرقة، فإن الحافر للبئر يضمن ما سقط فيها فهلك، من سارق أو غيره"(شرح التلقين للمارزي).

 

ويقول الماوردي الشافعي عن القتل بسبب: "أن يحفر بئرًا في أرض لا يملكها فيقع فيها إنسان فيموت... فيجب فيه الدية والكفارة"(الحاوي الكبير للماوردي)، وكذا قال النووي الشافعي أيضًا: "وإن حفر بئرًا في طريق الناس... فهلك به إنسان وجب الضمان عليه"(المجموع للنووي).

 

ويقول ابن قدامة الحنبلي: "وإن حفر بئرًا في الطريق، أو وضع حجرًا أو حديدة، أو قشر بطيخ أو ماء، فهلك به إنسان ضمنه"(الكافي لابن قدامة)، وكذا قال ابن تيمية: من "حفر بئرًا حيث لا يجوز من فناء أو طريق... فتلف به إنسان فعليه ديته"(المحرر لابن تيمية).

 

***

 

فيا عباد الله: اتركونا في طرقاتنا آمنين، لا نخاف على أطفالنا إذا خرجوا ألا يرجعوا إلينا إلا محمولين، اجعلونا مطمئنين إذا مشينا ليلًا ألا نجد أنفسنا في قاع بئر محبوسين.. عباد الله: إن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فألا تحفروا البئر من الأساس خير وأفضل أن تحفروها وتتركوها خطرًا على المارين.. يا عبد الله: إنك لا تأمن إن حفرت بئرًا وتركتها بلا تأمين أن يقع فيك ولدك أو زوجك أو تقع فيها أنت! فخذ بالحيطة والحذر تفز بأجر حفر البئر وتنجو من الـمُساءلة والإثم.

 

***

 

ولكي نزيد الأمر وضوحًا وبيانًا وتفصيلًا وتأصيلًا فقد جمعنا ها هنا خطبًا مختارة بعناية عن حماية الإسلام للنفس وجعلها إحدى الضرورات الخمس التي يحرم المساس بها، وعن حرمة إيذاء المسلمين والتسبب في ضررهم، فدونك:

العنوان

حماية الإسلام للدين والنفس والعرض والمال

2017/06/07 5719 586 4

حمى لكم الدين؛ بما أقام عليه من الآيات البينات على صحته، لتأخذوا به عن بصيرة وبرهان.وحمى لكم الدين؛ بما رتب على القيام به من الثواب، لترغبوا فيه، وتستقيموا عليه. وحمى لكم الدين؛ بما رتب على مخالفته من العقاب، حتى لا تخرجوا عنه. وحمى لكم الدين؛ بما كتب عليكم من الجهاد بالمال والنفس، لتحموه، وتدافعوا عنه. ولقد حمى الله النفوس، وأكد ...

المرفقات

الإسلام للدين والنفس والعرض والمال


العنوان

تحريم الضرر والضرار

2015/07/19 19538 0 20

المضارة بالناس على نوعين: النوع الأول: أن يضارهم في غير مصلحة تعود عليه في نفسه. وهذا لا شك في تحريمه وقبحه. وقد ورد في القرآن الكريم: النهي عن المضارة في مواضع، منها: المضارّة في الوصية. والإضرار في الوصية على نوعين...

المرفقات

العنوان

كف الأذى عن المسلمين

2011/09/09 18747 1697 70

إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان، وتحقيره وتصغيره وتعييره وتنقصه وثنم عرضه وغيبته وسبه وشتمه وطعنه ولعنه وتهديده وترويعه، وابتزازه وتتبع عورته ونشر هفوته وإرادة إسقاطه، وفضيحته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به، ومماطلته في حقه وإيصال الأذى إليه بأي وجه أو طريق ظلم وجرم وعدوان.. لا يفعله إلا دنيء مهين ..

المرفقات

الأذى عن المسلمين


العنوان

لا ضرر ولا ضرار

2017/04/01 14217 966 49

إن الكلمةَ الجامعةَ المُختصرَة التي يُمكن أن تُوصَفَ شريعةُ الإسلام بها هي: أنها جاءَت لتحقيقِ المصالِح ودرءِ المفاسِد، أو فَتحِ أبوابِ الخير، وإغلاق أبوابِ الشرِّ في العقيدةِ، والتشريعِ، والخبَر، والإخبار، ولا تدَعْ ضرورةً من الضَّروراتِ الخَمسِ التي أجمعَ الناسُ عليها إلا سعَت إلى تحقيقِ المصلَحة فيها، ودَرء المفسَدَة عنها، في ضرورةِ الدين، وضرورةِ النفسِ، وضرورةِ العقلِ، وضرورةِ المالِ، وضرورةِ العِرضِ...

المرفقات

ضرر ولا ضرار

لا ضرر ولا ضرار


العنوان

التحذير من الإضرار بالمسلمين

2017/01/21 3403 394 13

وكم للخطيئةِ من دُروبٍ يدأَبُ الشيطانُ على إقامتها، والإغراء بها، والحثِّ عليها؛ لعرقَلَةِ سَير السالِكِ إلى ربِّه، الكادِحِ إليه، المُقبِلِ عليه، يُريدُ بذلك تكثيرَ حزبِه، وتقويَةَ جُندِه، وإهلاكَ عدوِّه ومحسُوده،.. ألا وإن من دُروب الخطيئة، ومن أشدِّها خطرًا على العبد: ثلاثَ خِصال جاءَ الوعيدُ الشديدُ لمن اقترَفَ إثمَ واحدةٍ منها، يجمعُ بينها مقصودٌ واحدٌ، وذلك: هو الإضرارُ بالمسلمين، والضنُّ بالخيرِ عليهم، وابتغاءُ الشرِّ والفتنةِ لهم...

المرفقات

من الإضرار بالمسلمين


العنوان

حرمة الأنفس المعصومة وآثار الاعتداء عليها

2019/03/28 11138 451 8

والنفوس التي حرم الإسلام المساس بها تنقسم إلى قسمين: منها ما يرجع حرمتها إلى عصمة الإسلام لها باعتناقها له ودخولها تحت رايته، لقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما جاء في...

المرفقات

الخلوة مع الله حقيقتها وآدابها


العنوان

لا ضرر ولا ضرار

2021/11/25 2039 589 0

حَرَّمَ الإسلامُ كُلَّ ما فيه ضرر على الناس من الغِيبة والنَّميمة، والقَذْف، والتَّقاطع والتَّدابر، والإيذاء والظُّلم والتَّعدِّي، ونحو ذلك؛ بل أمَرَ بعكس ذلك من المَحبَّة والوِئام والصَّفاء، والتَّسامُحِ والتَّجاوز، والإعانةِ والإيثار. والضَّرَرُ معروف، وهو ضِدُّ النَّفْع؛ فقد يكون في...

المرفقات

لا ضرر ولا ضرار.doc

لا ضرر ولا ضرار.pdf


العنوان

التنبيهات: عن الأذى في الطرق والسيارات

2014/04/02 14659 1040 43

أيها الإخوة: دائما انظر لإخوانك، ما تنظر لنفسك. أعطوا الطريق حقه، واحذروا إيذاء الغير في الطرقات والمسارات والممرات والمنتزهات، ولا تقل: لي الحق، والطريق لي، فالطريق للجميع، وليس ملكا لأحد. فلنكن متراحمين، رفيقين، أهل عطف ورأفة، وتحمل الخطأ، والصبر على الأذى.<br>وخذ قاعدتين...<br>

المرفقات

عن الأذى في الطرق والسيارات


العنوان

أذى الآبار المكشوفة

2022/02/24 790 484 0

وَمِنْ عَجَائِبِ المَسَائِلِ التِيْ طَرَحَهَا الفُقَهَاءُ لِحِفْظِ النَّفْسِ أَنَّهُمْ قَالُوْا: "لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا عَلَى الْأَرْضِ بِقُرْبِ بِئْرٍ، فَعَثَرَ فِيهِ إنْسَانٌ وَوَقَعَ فَمَاتَ, فَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ...

المرفقات

أذى الآبار المكشوفة.pdf

أذى الآبار المكشوفة.doc


العنوان

حفظ النفس إحدى الضرورات وردم الآبار من حفظها

2022/02/24 1018 448 0

وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس، فأوجب على الإنسان أن يُمدَ نفسَه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول الطعام والشراب، وتوفير اللباس والمسكن الواقي من الضرر، وحرَّم عليه الامتناع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته...

المرفقات

حفظ النفس إحدى الضرورات وردم الآبار من حفظها.pdf

حفظ النفس إحدى الضرورات وردم الآبار من حفظها.doc


العنوان

حفظ النفس

2022/09/14 9089 816 3

وَمِنْ ذَلِكَ: الاِهْتِمَامُ بِالصِّحَّةِ الْعَامَّةِ وَالتِّغْذِيَةِ السَّلِيمَةِ، وَتعْزِيزُ مَفَاهِيمِ حِمَايَةِ النَّفْسِ، وَالسَّلاَمَةِ الْغِذَائِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ مَهَارَاتِ الإِسْعَافَاتِ الأَوَّلِيَّةِ مِنْ مَصَادِرِهَا الْمَوْثُوقَةِ لإِنْقَاذِ النَّفْسِ، أَوْ إِنْقَاذِ حَيَاةِ أَحَدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ أَوْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ كَإِنْقَاذِهِمْ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرِيقِ...

المرفقات

حفظ النفس.pdf

حفظ النفس.doc


العنوان

وسائل حفظ النفس من الهلاك

2022/09/14 3713 517 0

وهناك تشريعاتٌ حَكِيمَةٌ جاءت مُفَصَّلَةٌ ومُبيَّنَةٌ؛ للمحافظة على أَنْفُسِ الناس وأطرافِهم من الاعتداء عليها، فجَعَلتْ عِقابَ مَنْ يَقْتُلُ نفسَه مُتعمِّداً، بأنْ ينال عقاباً شديداً في الآخِرة؛ وهو أنْ يُعِيدَ قتلَ نفسِه في النار بنفس الطريقة؛ إمعانًا في تعذيبه، وتشديدًا في عقابه، كما جَعَلتْ...

المرفقات

وسائل حفظ النفس من الهلاك.pdf

وسائل حفظ النفس من الهلاك.doc


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات