اقتباس
ولست "ثاني اثنين" في الهجرة فقط، بل في كل أمر؛ فأنت ثاني من صلى بالصحابة في المسجد النبوي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ تقول أم المؤمنين عائشة: لما مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس...
لله درك يا أبا بكر! لله درك يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! لقد اجتمعت فيك الفضائل والمكارم؛ فأنت "أسبق السابقين" إلى الإسلام -بعد خديجة رضي الله عنها-، ما ترددت ولا تريثت ولا تفكرت حين دُعيت إليه، فيروي أصحاب السير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له، وما تردد فيه"(سيرة ابن اسحاق وغيره).
وأنت كذلك السابق إلى الخيرات: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟" قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟" قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة"(رواه مسلم).
ولقد حاول الفاروق عمر -رضي الله عنه- أن يسبقك فما استطاع، بل يئس من مسابقته؛ يقول الفاروق: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: "لا أسبقه إلى شيء أبدًا"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
***
وأنت "الصدِّيق"، سماك بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد أُحدًا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فرجف بهم، فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان"(رواه البخاري).
وكيف ننسى مقالتك للمشركين لما كذَّبوا برحلة الإسراء: "لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق"(رواه الحاكم وصححه، وأورده الألباني في الصحيحة).
ولقد قيل في تفسير قوله -تعالى-: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الزمر: 33]: "الذي جاء بالصدق: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصدق به: أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-"(تفاسير الخازن والقرطبي وغيرهما).
***
وأنت "الصاحب الوفي"، كنت أقرب صاحب للنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الرسالة، وأما بعدها فقد لازمته فلم تتركه أبدًا... ولا يزال على صدرك وسام قرآني من ليلة الهجرة إلى يوم القيامة: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40].
ولما وقع خلاف بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحبه وقال: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي" مرتين، فما أوذي بعدها(متفق عليه).
***
ولست "ثاني اثنين" في الهجرة فقط، بل في كل أمر؛ فأنت ثاني من صلى بالصحابة في المسجد النبوي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ تقول أم المؤمنين عائشة: لما مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة، فقال: "إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس"(متفق عليه).
وأنت خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنت ثاني من قاد الأمة الإسلامية؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أيضًا قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه "ادعي لي أبا بكر، أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"(رواه مسلم)... فكنت ثاني من قاتل الكفار؛ قاتلتهم في حروب الردة: "والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"(متفق عليه).
ثم كنت أخيرًا ثاني اثنين في القبر بجانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجرة أم المؤمنين عائشة.
***
وأنت "أرحم الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم-"، وتلك شهادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ومع "رحمة القلب" فأنت يا أبا بكر "راجح العقل"؛ فأنت أذكى الصحابة، فعن أبي سعيد الخدري قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله"، فبكى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر"(متفق عليه).
وأنت كذلك "القائد المظفر قوي الشكيمة"، تُنفذ جيش أسامة فتحمي شبة الجزيزة العربية أن تنتقص من أطرافها، ثم تفتح الفتوحات، وتوطد للإسلام وتثبت أركانه...
فيا رب نسألك أن تلحقنا بأبي بكر -رضي الله عنه في الجنة، وأنت تهب للأمة قائدًا ربانيًا رحيم القلب ذكي العقل قوي الشكيمة كأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
وليس هذا دعائي وحدي، بل هو دعاء كل مسلم يحب الخير لأمته، وعلى رأسهم خطباء المنابر الذين قد جمعنا ها هنا بعضًا من خطبهم عن الصدِّيق أبي بكر -رضي الله عنه-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم