اقتباس
فما العمل وقد حيل بيننا وبين صلاتها في المصلى؟ يجيب علينا مفتى المملكة العربية السعودية قائلًا: إن صلاة العيد، إذا استمر الوضع كما هو الحال عليه في هذه الأيام من عدم إقامة الجمع والجماعات في المساجد والجوامع، فإنها تصلى في البيوت دون خطبة بعدها...
لم يمر كثير منذ حمدنا الله -عز وجل- وشكرناه حين بلغنا رمضان... واليوم نجدد لله -تعالى- الحمد والشكر أن أعاننا على إتمام صيامه وقيامه، فالحمد لله الذي أعاننا فصمنا، ووفقنا فقمنا... والحمد لله على نعمة بلوغ رمضان، ثم الحمد له -سبحانه- موصول على نعمة إتمام صيامه وقيامه.
وبقيت النعمة الأعظم والأهم والأخطر من هاتين؛ إنها نعمة القبول، فهذا عبد العزيز بن أبي رواد يقول: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم، أيقبل منهم أم لا؟"، وعن الحسن قال: "إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا"، والله -تعالى- وحده هو من يعلم من المقبول الفائز، ومن المردود الخائب.
وكما حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن حال الصحابة في إشفاقهم من قبول رمضان، فكذلك ينقل إلينا معلى بن الفضل حالهم فيقول: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، والآن وقد انقضى رمضان فإننا ندعوا الله -عز وجل- بما حكاه لنا يحيى بن أبي كثير عن دعاء الصحابة: "اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلًا"(ينظر فيما سبق من آثار: لطائف المعارف لابن رجب، وكذا تفسيره)، نعم؛ "وتسلمه مني متقبلًا".
***
هذا، وقد جعل الله -تعالى- للعيد سننًا، لتُراعى ولا تُهمل، وتُصان ولا تُهدر، وتُطبق ولا تُعطل... فهي من شعائر الدين ومعالم الشريعة، وهي كذلك شعار للمسلمين.
فمن سنن العيد وشعائره: التكبير: قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[البقرة: 185]، وعن أم عطية، قالت: "كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة، والبكر، قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس، يكبرن مع الناس"(رواه مسلم)، وفي لفظ للبخاري: "فيكبرن بتكبيرهم ويدعون"، فالتكبير للعيد سنة للرجال والنساء، لكن يخفض النساء الصوت به.
والأمر في صفة التكبير فيه سعة، ولعل من أفضل تلك الصيغ: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"... كما ورد عن ابن مسعود وغيره.
لكن، هل يجوز هذا التكبير في البيوت بعد أن أُغلقت المساجد؟ نجيب: تكبيرات العيد مسنونة في الطرقات والبيوت والأسواق كما هي مسنونة في المساجد، وتعطيلها في المساجد لعذر الوباء لا يعني تعطيلها في جميع الأماكن الأخرى، يقول ابن قدامة المقدسي: "يستحب للناس إظهار التكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين"(المغني لابن قدامة).
ومن أهم شعائر العيد: صلاة العيد: والأفضل فيها أن تكون في المصلى في الخلاء، فإن كان عذر فيجوز صلاتها في المسجد، فعن أبي هريرة: "أنهم أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد في المسجد"(رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي).
وقد يسأل سائل كيف نصلي صلاة العيد وقد حيل بيننا وبين المساجد نظرا للإجراءات الوقائية من وباء كورونا؟
وقبل أن نذكر الجواب على هذا السؤال وما قاله أهل العلم المعتبرين قديما وحديثا؛ نحمد الله -تعالى- على نعمة الإسلام وتشريعاته؛ فهو دين السماحة واليسر جاء لحفظ الدين والنفس ودعا إلى ما يوجب السلامة؛ وأما كلام أهل العلم عن كيفية أداء صلاة العيد في ظل انتشار هذا الوباء؛ فيختلف من بلد لآخر:
فالبلدان التي وصلها الوباء وتفشى فيها البلاء؛ فالواجب لزوم فتاوى أهل البلد والجهات المختصة؛ حيث دعوا إلى أداء صلاة العيد في البيوت دون إقامة خطبة بعدها؛ ولا ينبغي ترك صلاة العيد لغير عذر.
وأما البلدان التي لم يصلها الوباء ولم يتم الدعوة من علمائها إلى ترك صلاة الجماعة لعدم اقتضاء الحاجة لذلك؛ فيصلون في المساجد بنفس الكيفية المشروعة؛ إلا أنه يجب العمل بالأسباب الشرعية والوقائية؛ من التوكل على الله والتحصن بالأذكار والأدعية، وتطبيق توصيات الجهات المختصة من التباعد بين المصلين وترك المصافحة والزحام ولبس الأدوات الصحية والعناية بالنظافة وعدم التساهل في كل ذلك.
***
ثم ليصنعوا، قبل ذلك وبعد ذلك- ما استطاعوا من سنن العيد، كتهنئة المسلمين به ولو في الهاتف أو عبر وسائل التواصل الأخرى؛ وكذا الغسل والتطيب، والفطر قبل الصلاة على تمرات وترًا، ومثل لبس الجديد ولو في المنزل؛ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286].
***
وقد جمعنا فيما يلي عددًا من خطب عيد الفطر المبارك لهذا العام، راجين الله -عز وجل- أن يجعله عيد خير وبر علينا وعلى المسلمين أجمعين، وألا يحل علينا عيد الأضحى إلا وقد رُفع البلاء ورحل الوباء واطمئنت الديار وعاد الاستقرار، وألا نصلي صلاة عيد الأضحى إلا في مصلنا ومساجدنا في طمأنينة وعافية وفرحة وسعادة... إنه خير المسئولين وأكرم المجيبين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم