اقتباس
من مخاطر الغزو الفكري ومن مظاهر تحريف المفاهيم: نسبة الأعاصير والسيول والزلازل واشتداد البراكين، والأمراض الفتاكة، إلى أسباب مادية بحتة، أو نسبتها إلى الطبيعة أو الشيطان، وكل هذا من مكر شياطين الإنس والجن؛ لصرف المسلمين عن صحيح عقيدتهم وسلامة فطرتهم، ويقينهم...
قالوا: الكسوف هو ظاهرة فلكية تحدث عندما تكون الأرض والقمر والشمس على استقامة واحدة تقريبًا، ويكون القمر محاقًا في المنتصف بين الشمس والأرض، بحيث يلقي القمر بظله على الأرض، ويحجب جزءًا من نور الشمس عن الأرض.
وقالوا: الخسوف هو ظاهرة فلكية تحدث عندما يكون القمر بدرًا وفي خط مستقيم مع الأرض والشمس، وتتوسط الأرض بين القمر والشمس، فتلقي بظلها على صفحة القمر، وتحجب نور الشمس عنه.
أما المذنبات فقالوا: هي أجرام سماوية غير منتظمة الشكل، تتكون من كتل من الجليد والصخور والغازات، وتتخذ مدارات شديدة الاتساع حول الشمس، ويوجد في منظومتنا الشمسية أكثر من مائة ألف مليون مذنب تدور حول الشمس بصفة مستمرة على مسافات بعيدة لا تقل عن 18 ألف مليون كيلو متر، ومنها مذنبات طويلة الدورة تستغرق مدة دورانها حول الشمس أكثر من 200 سنة، مثل مذنب “هيل بوب” الذي يتم دورة واحدة حول الشمس في 2400 سنة، ومنها مذنبات قصيرة الدورة تستغرق مدة دورانها حول الشمس أقل من 200 سنة، مثل مذنب “هالي” الذي يتم دورة واحدة حول الشمس خلال 76 سنة.
وقالوا: النيازك عبارة عن قطع من الصخور أو من الحديد تسبح في الفضاء، وعندما تقترب من الأرض تسحبها الجاذبية الأرضية إليها، فتدخل الغلاف الجوي الأرضي وتحتك به فترتفع حرارتها وتتوهج فتبدو لامعة كالنجوم… وتسقط النيازك الصغيرة بأعداد هائلة يوميًا، أما الكبيرة نسبيًا التي تكون كتلتها في حدود عشرة كيلوجرامات فأكثر فهي قليلة، ولا يزيد عددها في اليوم الواحد عن خمسة، وهناك نيازك ضخمة جدًا، قد يصل وزنها إلى عشرات الأطنان، وهي نادرة جدًا، ولا تصطدم بالأرض إلا كل قرن تقريبًا، وتأتي النيازك من كوكب المريخ أو من القمر أو من الكويكبات أو من المذنبات.
أما الشهاب فهي أجرام سماوية صغيرة تخترق الغلاف الغازي للأرض متأثرة بالجاذبية الأرضية وتتراوح سرعتها ما بين 12 – 72 كم في الثانية، ويؤدي احتكاكها بالغلاف الجوي للأرض إلى ارتفاع حرارتها وتلاشيها في الجو بعد أن تظهر بشكل خطوط ضوئية، وتكثر رؤيتها عند الفجر، وتستقبل الأرض يوميًا حوالي 8 بلايين من هذه الشهب، يمكن مشاهدة 25 مليونًا منها فقط بالعين المجردة.
وعندما يتقاطع مدار الأرض مع مدار أحد المذنبات تحدث ظاهرة زخة الشهب أو وابل الشهب؛ وهو حدث فلكي يُلاحظ فيه عدد من الشهب المنطلقة من نقطة واحدة في السماء ليلًا، وتكون معظمها أصغر من حبات الرمال، ولذلك فإنها تتفكك وتتلاشى قبل أن تصل إلى سطح الأرض.
أما ظاهرة اختفاء النجوم أو موت النجوم فهي عبارة عن انتهاء الوقود النووي للنجم وتوقف تفاعلاته النووية الحرارية، وتحدث هذه الظاهرة عند فقدان النجم كمًا هائلًا من طاقته من خلال التفاعل الذي يحدث على سطحه، والذي يستهلك مخزون الهيدروجين، فعندها يصغر حجم النجم، وقد ينفجر لأن قلبه الحراري توقف، وتتكدس العناصر الثقيلة من حوله ويبرد ويصبح كالجثة الهامدة.
وأما الأعاصير فهي عواصف هوائية دوارة حلزونية عنيفة، وتتشكل من مجموعة من العواصف الرعدية، وتمثل أكبر أنواع العواصف، وتسمى العاصفة إعصارًا عندما تزيد سرعة الرياح عن 119 كيلومتر في الساعة.
وهذه الأعاصير نوعان: الأول: الأعاصير المدارية أو الاستوائية: وهي التي تتكوَّن في مياه البحار، وهي أعاصير ضخمة تتراوح أقطارها ما بين ثلاثمائة وعشرين كيلومترًا إلى خمسمائة كيلومتر، وفي بعض الأحيان تصل إلى ألف كيلومتر، وتبدأ في التلاشي تدريجيًا عند وصولها اليابسة، وتختفي تمامًا إذا ما وصلت إلى مياه باردة.
والثاني: أعاصير التورنيدو: وهو أعنف الأعاصير وأشدها تدميرًا وتخريبًا، ويحدث في طبقات الجو، وتنحصر الأماكن التي تتشكّل فيها بين دائرتي عرض 15 و25 شمالي الكرة الأرضيّة، وتتسبب سنويًّا في خسائر هائلة في المحاصيل والأرواح والأبنية والسيارات… (نقلًا عن عدد من مواقع الإنترنت).
***
هكذا قالوا، وهو حق وصدق وصواب… فهو شيء خلقه الله وقدَّره الله وأجراه الله -عز وجل- في كونه وفق نواميس وسنن لا تتخلف… وهذه التعريفات والتفسيرات هي تعريفات مادية علمية بحتة.
لكننا نزيد فنقول: هذه الظواهر جميعًا هي آيات من آيات الله يخوِّف بها عباده من نزول عذابه على الظالمين وعلى الفاسقين، قال -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59]، “أي: وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا من العذاب، فإن لم يخافوا وقع عليهم، وقيل: معناه وما نرسل بالآيات يعني العبر والدلالات، إلا تخويفًا أي إنذارًا بعذاب الآخرة إن لم يؤمنوا فإن الله -سبحانه وتعالى- يخوِّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون”(تفسير الخازن).
نعم، هو تخويف من عذاب الله الدنيوي أو الأخروي، ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يتملكه الخوف والفزع إذا ما عاين آية أو ظاهرة من هذه الآيات والظواهر الكونية خشية أن تكون مقدمة لعذاب ينزله الله على عباده، فعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: “… وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: “يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)[الأحقاف:24]”(متفق عليه).
إنما هذه الظواهر بمثابة رسالة من العزيز الجبار القوي المتين إلى عباده العاصين المقصرين المنتهكين لحدوده، رسالة تقول: “إني قادر عليكم غير غافل عنكم، أُمهلكم ولا أُهملكم، ففي لحظة من ليل أو نهار آخذكم أخذة عزيز مقتدر”! (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود:102].
إنها رسالة إلى العالم الذي غرق في الماديات، وظن أنه قادر على الأرض وما حولها، رسالة تقول: “إني قادر على تدمير الأرض وما فيها في طرفة عين؛ بنيزك يرتطم أو إعصار يثور أو نجم ينفجر، أما أنتم فعاجزون عن دفع شيء من ذلك”… (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)[يونس:24].
***
وكل هذه الظواهر التي رأيناها -وسنراها إذا حيينا- هي علامات وأمارات على طلاقة قدرة الله -تعالى- ورحمته؛ فكأن الله -عز وجل- يقول لنا: “يا من عهدتم الكون على نسق واحد ونظام ثابت لا يتغير: أنا قادر على أن أغيِّره، يا من تعودتم على نور الشمس الساطع: أنا قادر على أن أكسفها فأمنع عنكم ضوءها، يا من عهدتم القمر بالليل منيرًا: أنا قادر على أن أخسفه فلا ترون له نورًا”… (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[القصص:71-73]
***
وفي هذه الظواهر والآيات الفلكية والكونية إعلام بأن الشموس والأقمار والنجوم والأفلاك كلها متغيرة متبدلة زائلة لا تستحق تقديسًا ولا تأليهًا ولا عبادة كما كان يصنع الجاهلون من الناس؛ فها هي الشمس تنكسف، وها هو القمر ينخسف، وها هي النجوم تموت وتنفجر، وها هي الرياح التي تأتي بالنماء تتحول أعاصير مدمرة ثم تزول كما بدأت… وكل زائل متحول لا يستحق عبادة، وهذا ما استعمله نبي الله إبراهيم -عليه السلام- مع قومه: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)[الأنعام: 76-78].
***
وهذه الآيات والظواهر كلها تذكرة بالآخرة، فهذه الظواهر كسر لعاداتنا واضطراب لما ألفناه في حياتنا وتغيُّرٌ وتبدلٌ… وهو ما سيحدث يوم القيامة لكن بصورة أشد: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ…)[التكوير: 1-6]، وفي آيات أخرى: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)[القيامة: 5-12]…
عباد الله: إن الكون كون الله، والملك ملك الله، يفعل به ما يشاء، وقتما يشاء، له تمام القوة وطلاقة القدرة ومطلق التصرف، قادر قدير مقتدر، عالم عليم علَّام، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، كل الخلق له عبيد خاضعون يملك لهم ولا يملكون له: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الحج: 18]…
وإنما تصْدُر وتكوُن وتحدث هذه الظواهر بقضائه وقدره، وبحكمه وتقديره، وبأمره وإذنه، وبقوته وقدرته، وفق حكمته التي حاولنا أن نتجلى بعضها في السطور السابقة؛ فهي تخويف من عذاب يحل، وهي إعلان وإعلام بطلاقة القدرة، وهي أذان في الناس أن من سوى الله زائل فانٍ عبد لا معبود، وهي تذكير بالتغيرات الكونية التي تحدث قرب يوم القيامة… وأخطأ من ظن غير ذلك.
***
إي والله، أخطأ من ظن غير ذلك؛ فإن أقوامًا قد جمدت قلوبهم وتيبست أفئدتهم وتدنست أرواحهم وتبلدت أحاسيسهم وعمت بصائرهم، فأبت إلا أن تتجاهل فعل الله -تعالى- في هذه الظواهر، ورفضت أن تعتبر تلك الآيات غضبًا من الله أو عقابًا أو إنذارًا أو تذكيرًا!… فهم يفسرون كل شيء بتفسيرات مادية بحتة لا علاقة لها بدين ولا بروح ولا بغيب! قلوب في قسوة الصخر وأرواح قد علاها الصدأ، لا تؤمن إلا بما تراه وتلمسه، وتنكر كل ما لا مادة له ولو جاء به القرآن وجاءت به السنة.
فما أشبه حالهم بحال أسلافهم الذين سبقوهم: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)[الأنعام: 4]، فها هم عن الآيات معرضون! وهؤلاء آخرون رأوا آية كونية وظاهرة فلكية فما أثرت شيئًا في قلوبهم: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)[القمر: 1-3]…
فقل لهم: أيها الماديون إنكم توقنون بوجود أرواحكم في أجسادكم، فقولوا لنا -يا من تعظمون العلم المادي التجريبي- أين هو مكان تلك الروح من الجسد؟ وما هي صورتها أغازية أم صلبة أم سائلة؟! وما طبيعة تعلقها بالجسد؟! وكيف تفارقه في سن الشباب والقوة، والجسد ما زال صحيحًا قويًا مؤهلًا لأن يحملها! بل كيف تفارقه جنينًا أو طفلًا بلا داء ولا علة! أليست آجالًا قد قدرها الله؟!…
أيها الماديون إن في الجسد زائدة دودية -وما هي بزائدة فالله -تعالى- لا يخلق شيئًا عبثًا- فأخبرونا: ما هي وظيفتها في أجسادكم؟! وما سر التهابها ووجوب استئصالها… فلئن عجزتم عن تفسير ما يحدث في أجسادكم فلأنتم عن تفسير غيرها أعجز! وأنتم -حقًا- عن تفسير تلك الظواهر الفلكية التفسير الحقيقي الأهم عاجزون.
وقل لهم: ستوقنون بما وراء المحسوسات يومًا ما؛ ستوقنون بالغيب إذا ما عاينتم ملك الموت وهو ينزع أرواحكم من أجسادكم وهو يقول: “اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب”(الحاكم)، وملائكة العذاب سود الوجوه سود الثياب من حولكم يأخذون منه أرواحكم فيضعونها في مسوح من مسوح النار… عندها ستوقنون وتصدِّقون! وعندها ستندمون وتتحسرون!
ستوقنون إذا ما وُضعتم في القبور وآتاكم الملكان فسألاكم عن ثلاث: “يا هذا، من ربك وما دينك ومن نبيك؟”(أبو داود)، ستوقنون إذا ما قامت القيامة ودنت الشمس من الرءوس وتطايرت الصحف وجيء بجنهم تجرها ملائكة غلاظ شداد… ستوقنون عندها أن الغيب حق وأن الله حق…
سيوقن الماديون الذين ينكرون الغيب وينكرون وجود الله -عز وجل- إذا ما أُدخلوا جهنم أنه كان حقًا: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الطور: 13-16].
***
لكننا معاشر المؤمنين بالله -تعالى- نشعر في كل شيء بيد الله -عز وجل- تعمل، ونوقن أن كل ما يحدث بأمره وتقديره، وأنه -لا محالة- لحكمة بالغة، وأن فيه رحمة وإن بدا في ظاهره غير ذلك، ونحن نعرف إذا ما رأينا مثل هذه الظواهر ما نصنع:
إننا -رغمًا عنا- نخاف ونفزع؛ إذ تُذكِّرنا هذه الأمور بعذاب نزل على أمم الأرض من قبلنا: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت: 40]، وإننا إذ نخاف ونفزع ونرهب فإن لنا قدوة وأسوة بما كان يصنعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما ذكرنا من قبل، فلنا فيه الأسوة الحسنة.
وإننا إذا ما رأينا خسوفًا أو كسوفًا هرعنا إلى الصلاة حتى ينقضي ويزول عنا، فعن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئًا فصلوا، وادعوا الله حتى يكشف ما بكم”(متفق عليه).
وأهم ما في هذه الصلاة هو الذكر والدعاء، فعن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانكسفت الشمس، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يجر رداءه حتى دخل المسجد، فدخلنا، فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم”(البخاري)، وعن أبي موسى قال: خسفت الشمس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: “إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئًا، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره”(متفق عليه).
ومع الصلاة والذكر والدعاء تأتي الصدقة، فعن عائشة أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبروا وصلوا وتصدقوا”(متفق عليه).
ومن واجباتنا تجاه تلك الظواهر أن نعتبرها ونعدَّها آيات من آيات الله -تعالى-؛ وليست من فعل الطبيعة ولا مجرد أسباب ومسبباتها، ولا تفاعلات كيميائية بحتة… وإنما هي آيات يرسلها الله -عز وجل- لحكمة يقدرها.
***
وإن جميع ما أشرنا إليه قد سبقنا إليه الخطباء النابهون بالشرح والتوضيح والتأصيل والبيان، لذا فقد جمعنا ها هنا عددًا من خطبهم، فجاءت على الصورة التالية:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم