اقتباس
وأخذ العلماء كذلك من قوله: "وطعمة للمساكين"، أن الواجب إخراجها طعامًا، وهذا فعل الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب...
مهما حاول الصائم أن يتقن صيامه وقيامه ويحسنهما ويبرئهما من الزلل والخطأ وينقيهما من الشوائب والعلائق، فإنه لا محالة واقع في تقصير وسهو وغفلة؛ لأن هذا هو طبع البشر... يقول ابن القيم -رحمه الله-: "لابد من سنة الغفلة ورقاد الهوى"(الفوائد، لابن القيم).
لكن من رحمة الله -تعالى- بنا أن شرع لنا على لسان نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما نجبر به كسر صيامنا ونتم به نقصه ونتدارك به خلله؛ ألا وهو "صدقة الفطر"، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين..."(رواه أبو داود، وحسنه الألباني)؛ فأما "اللغو فهو: القول الباطل أو الكلام المطرح، والرفث: الفحش من القول"(شرح أبي داود للعيني).
فقد شُرِعت صدقة الفطر تطهيرًا للصائم مما قد يقع في صيامه من خلل أو زلل، ورقعًا لما فيه من خروق، يقول وكيع ابن الجراح -رحمه الله-: "زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة؛ تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة"(المجموع، للنووي).
وقد استدل العلماء بقول ابن عباس وغيره: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" على وجوب صدقة الفطر، يقول ابن المنذر -رحمه الله-: "أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم، على أن صدقة الفطر فرض"، وقال إسحاق: "هو كالإجماع من أهل العلم"(المغني لابن قدامة).
ولا يُشترط لوجوبها حرية ولا عقل ولا بلوغ ولا غنى ولا ذكورة؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين"(متفق عليه).
فيخرجها المسلم عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم كزوجته وأولاده وغيرهما، وتُخرَج عمن غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان، فلو وُلد مولود قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان بلحظة وجب إخراج صدقة الفطر عنه؛ فعن ابن عمر قال: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون"(رواه الدار قطني، وحسنه الألباني)، و"قوله: "ممن تمونون" أي: تنفقون عليه"(مسند الشافعي).
***
وأخذ العلماء كذلك من قوله: "وطعمة للمساكين"، أن الواجب إخراجها طعامًا، وهذا فعل الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب"(متفق عليه)، وفي لفظ قال: "كنا نخرج في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفطر صاعًا من طعام"(متفق عليه).
وقد اختلف العلماء في تقدير الصاع بالكيلو جرام؛ فمنهم من قدَّره باثنين كيلو جرام ونصف من الطعام، ومنهم من زاده إلى ثلاثة كيلو جرامات من غالب قوت البلد، ولعل هذا هو الأحوط والأبرأ للذمة... فمن زاد على ذلك فهو خير له عند ربه، ويكون الزائد صدقة له وتطوعًا.
***
أما عن آخر وقتها: فهو قبل صلاة عيد الفطر؛ ففي حديث ابن عباس السابق: " من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات"(رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، وعن ابن عمر "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"(متفق عليه)؛ أي صلاة العيد...
والمستحب أن تؤدى صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، يقول نافع: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"(رواه البخاري).
فمن أخرها ولم يُخرجها حتى صلى المسلمون العيد بغير عذر فقد أثم، ولا تسقط عنه، بل هي في رقبته إلى يوم القيامة، وعليه إخراجها مع الاستغفار والتوبة إلى الله -تعالى- من تأخيرها.
***
ولمن تُعطى صدقة الفطر؟ وما هي مصارفها؟
نجيب: الجمهور على أن مصارفها هي نفس مصارف زكاة المال الثمانية المذكورة في سورة التوبة، أما المالكية فخصوها بالفقراء والمساكين وحدهم، لحديث ابن عباس: "وطعمة للمساكين"، ولعل هذا هو الأنسب لسبب تشريعها.
***
وصدقة الفطر عبادة جليلة وقربة إلى الله -تعالى-، وقد جاءت بين شعيرتين عظيمتين من شعائر الإسلام، فالأولى هي صيام شهر رمضان وقيامه، والثانية هي صلاة العيد وفرحته والاجتماع له، وهي -أيضًا- امتداد لما كان يفعله المسلم في رمضان من تفطير الصائمين والتصدق على الفقراء والمحتاجين... وهي كذلك اتباع لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال عنه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"(متفق عليه).
ولأننا لن نحيط بصدقة الفطر من جميع جوانبها في هذه العجالة، ولأنها -كما قلنا- شعيرة من شعائر ديننا، فإننا نفسح المجال الآن لعلمائنا وخطبائنا ليوضحوا ما أجملناه، ويؤكدوا على ما أغفلناه، ويبينوا ما تركناه، فها هي بين يديك بعض خطبهم:
التعليقات