عناصر الخطبة
1/ عوامل الوحدة في دين الإسلام 2/ التحذير من العصبية الجاهلية 3/ قضية فلسطين قضية إسلامية وليست عربية 4/ مراحل سحب قضية فلسطين من أيدي المسلمين 5/ منطلقات اليهود في مذابح المسلمين 6/ المخرج من هذه الأزمةاهداف الخطبة
اقتباس
وما ظفر اليهود بفلسطين إلا على أنقاض الدولة العثمانية بعد أن عملت جمعياتهم عملها في المسلمين، ففرقتهم ومزقتهم، وأبدلت انتماءهم إلى القوميات العرقية بدل انتمائهم إلى دينهم؛ فاستبدل ملاحدة الترك القومية التركية الطورانية بدل الدين، كما استبدل ملاحدة العرب القومية العربية بدل دينهم، فقسمت الأمة الواحدة إلى عرب وترك، ثم إلى قوميات أخرى متفرقة، وقسمت بلدانهم إلى دول شتى ..
الحمد لله العلي الأعلى؛ كتب العز والنصر لمن حكم شرعه، وضرب الذل والهوان على من خالف أمره، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:20-21]. أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ابتلى العباد بالشر والخير، والكفر والإيمان، والمعصية والطاعة، وجعل لكل منهما أنصارا ودعاة يدعون إليهما؛ فدعاة على أبواب جهنم، ودعاة على أبواب الجنة (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الانبياء: 35] (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) [الفرقان: 20].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليهدي به من الضلالة، ويبصر به من العماية، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله تعالى حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أقاموا العدل، ورفعوا الظلم، ونشروا دين الله تعالى، وحكموا بين الناس بشريعته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فلا رافع للذل والهوان، ولا منجي من العذاب والنكال إلا الله تعالى، وإنما تنال رحمته، وينجى من عذابه، ويتنزل نصره بتقواه سبحانه في كل الأمور صغيرها وكبيرها، حقيرها وجليلها.
أيها الناس: أكرم الله تعالى هذه الأمة بدين جمع شتاتها، ووحد كلمتها، وأزال أسباب فرقتها، وألف بين قلوب أبنائها (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
فتآخى في دين الإسلام الحبشي بلال، والروماني صهيب، والفارسي سلمان، مع العربي القرشي، واجتمعت قبائل العرب على الإسلام وقد فرقتها الجاهلية سنوات عدة، وأفنت أبناءها حروب سعرت في سبيل فرس سبقت، أو ناقة عقرت، أو كلمة قيلت، يتم بسببها أطفال، ورملت نساء، وأزهقت أرواح.
لقد جاء الإسلام برابطة هي أقوى من رابطة الدم والنسب، والتراب والوطن، والجنس والعرق، واللسان واللغة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم" رواه أبوداود.
ومثلهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تألمت سائر الأعضاء الأخرى بسببه، وقطع عليه الصلاة والسلام كل طريق للنعرات والعصبيات الجاهلية فأعلن في أصحابه قائلا: "إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن".
ولما عير رجل رجلا بنسبه أغلظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إنك امرؤ فيك جاهلية".
ولما تفاخر بعض الأنصار بأيامهم في الجاهلية، وانتخوا بها غضب عليه الصلاة والسلام وقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم".
وكل هذا النكير لأي عصبية إلا عصبية الإسلام إنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحد الأمة على دين الله تعالى؛ ليكون أقوى لها، وأجمع لأمرها، وأمضى لعزمها، وليس شيء أعظم سببا للفشل والهزيمة من التفرق والاختلاف (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
وفي قضية فلسطين التي تعد أطول قضية معاصرة للمسلمين، وأكثر قضاياهم تعقيدا، وظهر فيها فشل المسلمين في حسمها حربا، كما فشلوا في حلها سلما؛ نجد أن أعظم سبب لهذا الفشل: التفرق والاختلاف، الذي نتج عن تبديل الرابطة الدينية بروابط قومية ووطنية، ونقلت بسببه القضية من ميدانها الشرعي إلى ميادين الجاهلية.
لقد افتتح العربي القرشي المسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس، واستلمه من أئمة النصارى، وكان في جيشه رومان وفرس وأحباش مسلمون، كما كان في جيشه أخلاط من قبائل العرب المختلفة لا ينتخون إلا بالإسلام، ولا يعرفون رابطة غير رابطة الإيمان.
ولما احتل الصليبيون بيت المقدس في وقت ضعف فيه المسلمون واختلفوا وتفرقوا أعادها إلى حضيرة الإسلام بعد تسعين سنة من الاحتلال صلاح الدين الأيوبي الكردي المسلم، وكان جيشه أخلاطا من العرب والفرس والكرد والترك وغيرهم، لا يجمعهم إلا الإسلام، فلم ينسبوا هذه المنقبة العظيمة لجنس دون جنس، ولا استعلى بها عرق على عرق، بل كانت منقبة للمسلمين كمسلمين وكفى.
ولما ضعفت الأمة الإسلامية في القرن الماضي، وطمع في ضعفها شياطين الغرب من أحفاد الصليبيين، وأبناء الصهاينة، ورأوا أن الفرصة مواتية؛ لتوطين اليهود في فلسطين تمسك بها السلطان العثماني التركي عبد الحميد الثاني، وأصدر القرارات تلو القرارات للحفاظ عليها، ومنع اليهود من الهجرة إليها، ورغم ما كانت تعاني منه الدولة العثمانية من الضعف والانحطاط، وانهيار الاقتصاد، وتراكم الديون؛ فإن السلطان العثماني التركي لم يبع فلسطين العربية الإسلامية لليهود، وقد حاول كبراء اليهود والنصارى المرة بعد المرة؛ لإغرائه بذلك، وقابله كبير الصهاينة آنذاك هرتزل ثلاث مرات لشراء فلسطين من الخلافة العثمانية التركية، ولكن السلطان رفض ذلك، وكاتبوه فيها كثيرا فلم يفلحوا، وأراد -رحمه الله- تعالى أن ييأسهم من طمعهم فيه فأرسل رئيس وزرائه إليهم برسالة يقول فيها: "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض؛ فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها، وروتها بدمائها؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى أرض فلسطين قد بترت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة".
لقد حافظ السلطان رحمه الله تعالى عليها من منطلق إسلامي لا من منطلق قومي أو وطني أو عرقي، وإلا لباعها لليهود وسلمت له دولته التركية، وليلق العرب مصيرهم مع اليهود.
وما ظفر اليهود بفلسطين إلا على أنقاض الدولة العثمانية بعد أن عملت جمعياتهم عملها في المسلمين، ففرقتهم ومزقتهم، وأبدلت انتماءهم إلى القوميات العرقية بدل انتمائهم إلى دينهم، فاستبدل ملاحدة الترك القومية التركية الطورانية بدل الدين، كما استبدل ملاحدة العرب القومية العربية بدل دينهم، فقسمت الأمة الواحدة إلى عرب وترك، ثم إلى قوميات أخرى متفرقة، وقسمت بلدانهم إلى دول شتى، ففرقتهم العصبيات الجاهلية وقد جمعهم الإسلام.
وفي أخريات القرن الماضي زادوا التفرق تفرقا باختلافهم في التحالف مع القوتين العظميين؛ فدول منهم أعلنت ولاءها للمعسكر الإلحادي الشيوعي الشرقي، ودول أخرى انضمت إلى المعسكر الإلحادي الليبرالي الغربي، واشتدت العداوات بينهم في سبيل تلك التحالفات التي لم تكن في صالحهم، وسعرت حروب في بلدانهم تستنزف أموالهم، وتدمر عمرانهم، وتهلك شعوبهم، ليس لهم فيه نصر، وهزيمتها عليهم، فنصرهم فيها للدول العظمى التي تحركهم.
ثم لما استفاقوا بعد خسارتهم للعديد من الحروب مع اليهود، وانتهاء الحرب الباردة، وبدل أن يجتمعوا على رابطة الإسلام وقد تجرعوا غصص التفرق عقودا متتابعة؛ عادوا مرة أخرى إلى تفرق جديد باسم الوطنية والقطرية، وصار دعاة القومية بالأمس يلعنونها اليوم، ويسخرون من رفاق الأمس، ويهزئون بشعاراتهم، ويدعون إلى الانكفاء على الأوطان، وعدم الاهتمام بالآخرين مهما كانت حاجتهم إلينا، ولو كانوا إخوة لنا.
وفي مراحل هذا التحول من الأمة الجماعة التي تنضوي تحت لواء الإسلام إلى دويلات وجماعات متفرقة مختلفة، بينها من التناحر والعداوات أشد مما بينها وبين أعدائها من اليهود والنصارى، نجد أن القضية المركزية وهي قضية فلسطين انتقلت إلى مراحل التفرق هذه، وتأثرت بكل مرحلة منها؛ فانتقلت في أول مرحلة من كونها قضية إسلامية، جاءت نصوص شرعية في فضلها وفضل مسجدها إلى قضية عربية لا دخل لغير العرب فيها؛ فأدخل غير المسلمين فيها من نصارى العرب ويهودهم وملاحدتهم، وأخرج المسلمون غير العرب منها، وهم أكثر من العرب وأقوى، فضعف حظ العرب فيها، ولم يخجلوا حين أخرجوا أعاجم المسلمين منها وهم يقرئون في التاريخ أن كرديا أعادها إليهم من براثن الصليبيين، وأن تُركيَّاً خسر سلطانه ولم يتنازل عنها، ومزقت دولته بسببها، ثم لما انفرد العرب بقضيتهم أضاعوها.
وما مضت سنوات قلائل إلا ودخلت القضية المرحلة الثانية من التفرق، فانتقلت من كونها قضية عربية تهم كل عربي إلى قضية قطرية وطنية، شأنها لأهلها وللمجاورين لها من دول الطوق، ولا علاقة لبقية العرب بها.
ثم دخلت القضية مرحلة التفرق الثالثة فأضحت قضية فلسطينية لا شأن لأحد بها إلا أهلها، وانفردت دول الطوق بصلح واتفاقات مع العدو الغاصب؛ ليتركوا إخوانهم في الدين والعروبة يواجهون عدوهم وحدهم. ولربما أعان بعضهم اليهود على إخوانهم من باب المصلحة الوطنية التي استقر العرب في آخر تفرق لهم عليها، ملغين كل الروابط الشرعية والعرقية واللغوية بينهم وبين إخوانهم.
بل تجري محاولات حثيثة من اليهود وأعوانهم لمشروع تفرق رابع بين الفلسطينيين أنفسهم، وإشعال الحروب والفتنة بين فصائلهم وأحزابهم؛ ليفني بعضهم بعضا، ويستريح اليهود من حربهم معهم.
وأمراض التفرق التي أصابت المسلمين حتى حلت الأثرة محل الإيثار، وسادت الأنانية في الناس، واستعلت المصالح الشخصية الآنية على المصالح العامة ليس أهل فلسطين بمنأى عنها؛ فهي أوبئة انتشرت في المسلمين لما استبدلوا الروابط الجاهلية التي فرقتهم وأضعفتهم، برابطة الدين التي جمعتهم وقوتهم.
وأعجب من ذلك أن الأعداء الصهاينة والصليبيين لم يرضهم بعد ما في المسلمين من أدواء التفرق والاختلاف، ويريدون تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، بإثارة النعرات العرقية والطائفية في الدولة الواحدة ليقسموها إلى دويلات أخرى، ويعلنون ذلك على الملأ، وينشرونه في وسائل إعلامهم، وما حرك ذلك ساكنا في المسلمين، ولا دفعهم للإحساس بالخطر على دولهم، ومحاولة جمع أمرهم، وتوحيد صفهم، ومقاومة تلك المشاريع التوسعية الصهيونية.
وفي ذات الوقت نرى الصهاينة يجمعون في فلسطين ما تفرق من أبناء اليهود على اختلاف بلدانهم وأعراقهم ولغاتهم، ففيهم من أتوا بهم من أسواق البورصات العالمية في الدول المتقدمة، وفيهم من أتوا بهم جبال اليمن وأدغال أفريقية، ولم يمنعهم هذا التباين بينهم من أن تجمعهم الرابطة اليهودية، حتى جمعوهم في دولتهم النشاز مما يزيد على ستين دولة في الشرق والغرب.
فواعجبا لأهل الحق وهم لم يجتمعوا على حقهم، وواعجبا لأهل الباطل وقد اجتمعوا على باطلهم، وإلى الله تعالى المشتكى من أهل الذلة والمسكنة وقد صاروا في هذا الزمن أهل عزة وقوة، ومن أهل العزة والقوة وقد فرطوا في أسباب عزتهم وقوتهم، فصاروا إلى ما ترون من الضعف والهوان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌإِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:54-56].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ناصر أوليائه، ومذل أعدائه، أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - أيها المسلمون - وأطيعوه؛ فإن ما في المسلمين من أدواء التفرق والضعف والهوان لا يرفع إلا بنصر من الله تعالى، ونصره سبحانه لا ينال إلا بتقواه وطاعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
أيها المسلمون: ينطلق اليهود في مذابحهم ضد أهل فلسطين من منطلقات دينية يزعمون أنهم يتقربون بها إلى الله سبحانه، تعالى الله عن ظلمهم وإجرامهم علوا كبيرا.
ولا يرى اليهود فرقا بين المقاتلين وغير المقاتلين، ولا بين الرجال والنساء والأطفال؛ فالجميع هدف لذابحهم التوراتية التلمودية، بل إن في عقائدهم المحرفة أنهم إذا سيطروا على الأرض أبادوا المسلمين، وأبادوا النصارى معهم، وأبادوا كل من لم يكن يهوديا، وهذه العقيدة مقررة في كتبهم التي يتعبدون بها، ويصدرون عنها، وترسم سياستهم مع الآخرين ويعلن بها حاخاماتهم على الملأ دون خوف ولا وجل، يقول الحاخام أبراهام شابير في رسالة وجهها للشبيبة اليهود: "نريد شباباً يهودياً قوياً أو شديداً، نريد شباباً يهودياً يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم من الأرض، يجب أن نتخلص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم".
ويصرحون بأن الدين الإسلامي والتزام تعاليمه، وأن القرآن الكريم والعمل به هو العقبة الكأداء التي تحول بينهم وبين مشاريعهم التوسعية الإجرامية، يقول الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل مردخاي الياهو: "لنا أعداء كثيرون، وهناك من يتربص بنا وينتظر الفرصة للانقضاض علينا، وهؤلاء بإمكاننا عبر الإجراءات العسكرية أن نواجههم لكن ما لا نستطيع مواجهته هو ذلك الكتاب الذي يسمونه (قرآناً) هذا عدونا الأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته) ويقول الحاخام إسحاق بيريتس (إذا استمر ارتفاع الأذان الذي يدعو المسلمين للصلاة كل يوم خمس مرات في القاهرة وعمان والرباط فلا تتحدثوا عن السلام".
إذن؛ فالمراد هو إبعاد المسلمين عن كتاب ربهم مصدر قوتهم وعزتهم، وسلخ المسلمين من دينهم حتى لا ينادى بالأذان فيهم، هذا ما يريده اليهود كما هو واضح من نصوصهم، وهذا ما يقوم به وكلاء اليهود في بلاد المسلمين من تجفيف منابع التدين، ومحاربة الدعوة، وحلقات تحفيظ القرآن، والسعي للقضاء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باسم محاربة التطرف والإرهاب الذي هو الإسلام عند اليهود والنصارى ووكلائهم.
والعجيب أن من أدبيات اليهود، ومقتضيات عقائدهم: عدم التورع عن قتل وكلائهم، والناشرين لمشاريعهم، والمسوقين لمبادئهم في البلاد العربية، ولا يخرجونهم من أهدافهم؛ لأنهم يحتقرون عرقهم وجنسهم، ولو كانوا ذوي خدمة لهم، وفي حرب ثلاثة وسبعين وزع على قواتهم التي تخوض الحرب كتابا يتضمن تعليمات لجندهم قالوا فيه: "ينبغي عدم الثقة بالعربي في أي ظرف من الظروف، حتى وإن أعطى انطباعاً بأنه متمدن، ففي الحرب يسمح لقواتنا وهي تهاجم العدو بل إنها مأمورة بقتل حتى المدنيين الطيبين أي: المدنيين الذين يبدون طيبين في الظاهر".
تلك عقائدهم التي ينطلقون منها في قتل إخواننا في فلسطين، وقد سمعتم ورأيتم المذابح التي قاموا بها هذه الأيام، ولم يفرقوا فيها بين طفل ولا امرأة ولا شيخ مسن، وقد عجز العرب عن فعل شيء كما يعجزون في كل مرة.
إنه لا مخرج للمسلمين من هذا الضعف والهوان إلا باجتماع كلمتهم، والقضاء على أسباب تفرقهم، ولن يجمعهم إلا دين الله تعالى، كما لم يجتمع العرب في تاريخهم، ولم ينالوا العزة والسيادة إلا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وانضواء العرب تحت لواء الإسلام، ولن يتم للمسلمين اجتماع وتتوحد كلمتهم إلا بالتوبة من الذنوب، والرجوع إلى الله تعالى، وتعظيم أمره، واجتناب نهيه، وتحكيم شريعته.
يجب على أهل السياسة من المسلمين أن يتوبوا إلى الله تعالى من خطاياهم السياسية التي يبنون بها العلاقات على المذاهب البراجماتية النفعية بعيدا عن الولاء والبراء والمبادئ والقيم.
كما يجب على أهل الاقتصاد أن يتوبوا من خطايا الربا والغش والاحتكار وغيرها من أنواع المعاملات المحرمة.
ويجب على أهل الإعلام أن يتوبوا من خطايا تزوير الحقائق، والكذب على الناس، والاستماتة في صرفهم عن دينهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم، وإفسادهم بأنواع الشهوات.
ويجب على كل عاص من المسلمين أن يتوب من معصيته؛ طلبا لنصر ربه، وجلبا لعزة أمته، وليشعر أن ذنبه كان سببا في تسلط اليهود على إخوانه في فلسطين، وهو سبب لتسلط الأعداء على المسلمين في كل مكان؛ فإن أحس كل مسلم بهذا الإحساس، وسيطر عليه هذا الشعور، نجوا بإذن الله تعالى من تبعة الذنوب، ومن التقصير في حق إخوانهم المستضعفين، وتنزل نصر الله تعالى عليهم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].
وصلوا وسلموا على نبيكم...
التعليقات