بيعة العقبة - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

وعاد القوم بعد البيعة إلى ديارهم، وأرسل معهم رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- من يعلمهم أمر دينهم ويقيم لهم الصلاة ويقرؤهم القرآن؛ ذاك هو سفير الإسلام الأول: مصعب بن عمير -رضي الله عنـه- فأسلم على يديه من أهل المدينة الكثير...

 ما على وجه الأرض دعوة من الدعوات -محقة أو مبطلة- انتصرت وانتشرت وعاشت على الأرض فترة من الزمان إلا -ولا بد- قامت على أكتاف رجال حملوها وساروا بها ووفوا لها ونصروها وضحوا من أجلها بالغالي والنفيس... ومن أجل تلك الدعوات، بل هي أجلها وأعظمها على الإطلاق: دعوة الإسلام، التي بدأها رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- فردًا لا سند له من أهل الأرض، ثم انطلق -صلى الله عليه وسلـم-  يصطفي أو قل: يصطفي الله له رجال ليحملوا معه تلك الأمانة الثقيلة وتلك الدعوة الوليدة. 

 

فكان رجال من مكة هو أو من تحملوا العبء وحملوا الدعوة الجديدة، ثم صار النبي -صلى الله عليه وسلـم- يعرض نفسه في موسم الحج من كل عام على القبائل لعل الله يفتح قلب رجل منهم للإسلام، فيغنم هو إذ ينجو من النار، ثم يستعمله الله في نصرة الإسلام، ولقد كان ما أراده الله؛ وأسلم ست من الخزرج على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-، وكان هؤلاء الستة نواة ومقدمة لما عقدنا هذه المختارة للكلام عنه؛ إنها بيعة العقبة الأولى. 

 

لقد رجع هؤلاء الستة بعد حجهم إلى المدينة المنورة، بل إلى يثرب؛ فلم تكن قد تشرفت بعد بهجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- إليها، أقول رجع هؤلاء الستة من الخزرج إلى موطنهم فكانوا دعاة لما دعاهم إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-، فانضم إليهم خمسة آخرون من قبيلتهم؛ الخزرج، بل وهدى الله بهم اثنين ممن كانوا أعداءهم؛ أعني من الأوس، فصار إجمالي عددهم ثلاثة عشر أنصاريًا، منهم اثنا عشر رجلًا هم أهل بيعة العقبة الأولى، لأن جابر بن عبد الله -وهو أحد الستة الأوائل- لم يستطع القدوم إلى مكة من العام القدام.  

 

الآن: مر عام كامل على إسلام الرجال الست من الخزرج، وفي موسم الحج من السنة التالية؛ أي السنة الثانية عشرة من البعثة، جاء الرجال الاثنا عشر؛ عشرة من الخزرج واثنان من الأوس، وأسماؤهم كالتالي: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث بن رفاعة، ومعاذ بن الحارث بن رفاعة، ورافع بن مالك بن العجلان، وذكوان بن عبد قيس، وعبادة بن الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبه البلوي، والعباس بن عبادة، وعقبة بن عامر، وقطبة بن عامر، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة -رضي الله عنهـم أجمعين، جاءوا فأسلموا وبايعوا النبي -صلى الله عليه وسلـم- عند عقبة منى التي ترمى منها جمرة العقبة، وهي مدخل منى من الغرب، لذا سميت "بيعة العقبة الأولى.  

 

لكن علام كانت البيعة؟ وما أخذ النبي -صلى الله عليه وسلـم- عليهم؟ يجيبنا شاهد عيان ممن حضر تلك البيعة ذاك هو عبادة بن الصامت -رضي الله عنـه- فيقول: "كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلًا، فبايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب؛ على: "أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئًا، فأمركم إلى الله إن شاء عذبكم، وإن شاء غفر لكم"(أحمد).  

 

وعاد القوم إلى ديارهم، وأرسل معهم رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- من يعلمهم أمر دينهم ويقيم لهم الصلاة ويقرؤهم القرآن؛ ذاك هو سفير الإسلام الأول: مصعب بن عمير -رضي الله عنـه- فأسلم على يديه من أهل المدينة الكثير، "فكان مصعب يسمى في المدينة بـ "المقرئ"، وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس؛ أبي أمامة، وكان يصلي بهم"(السيرة النبوية لابن هشام).   

 

هذه كانت أحداث تلك البيعة المباركة باختصار، ولقد وضعت تلك البيعة النواة للمدينة الإسلامية والدولة الإسلامية التي أقيمت من بعد في المدينة المنورة، والمتأمل في هذه البيعة يرى فيها الكثير من الدروس التي ينبغي علينا تعلمها، ومنها ما يلي:

 

أولًا: اجتهاد الداعية في دعوته: فها هو النبي -صلى الله عليه وسلـم- لا يكتفي بدعوة قومه من أهل مكة وحدهم، بل يسعى -صلى الله عليه وسلـم- ليقابل الناس في موسم الحج وفي كل تجمع ويستغل كل فرصة لعل الله -عز وجل- يقيض منهم من ينصر دينه.  

 

ثانيًا: الإسلام يرفض العنصرية: فلم يخص به -صلى الله عليه وسلـم- أهل مكة ويقول: "قومي وأهلي وهم أحق بالشرف"، بل البشرية كلها سواسية، ومعاير التفاضل الوحيد هو التقوى، كذلك فهو دين واسع الأفق؛ فكما جاءت نصرة الإسلام من غير مكة؛ من المدينة المنورة التي خرج منها جيش فتح مكة، فكذلك لا نستبعد أن تشرق شمس هذا الدين -في زماننا هذا- من بلاد أخرى غير بلاد العرب؛ من بلاد الصين أو جنوب أسيا أو بلاد الغرب... من أي مكان قد تأتي صحوته الإسلام فتنير العالم أجمع بنورها.  

 

ثالثًا: مراعاة حال المدعوين: فلو توقفنا عند قول عبادة بن الصامت: "فبايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب"، لثار في أذهاننا سؤال: لماذا لم يطلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلـم- نصرته بالسلاح والجهاد في سبيل الدين ومنعهم إياه مما يمنعون منهم أنفسهم وأولادهم كما طلبها -صلى الله عليه وسلـم- من غيرهم من القبائل؟   والإجابة: أنه -صلى الله عليه وسلم- "يراعي إمكانيات المبايعين له، فهم مجموعة من الشباب لا يستطيعون بحجمهم هذا أن يأخذوا قرار استضافة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا قرار الدفاع عنه، والجهاد في سبيل الله، وتعريض القبائل اليثربيَّة بكاملها لحرب العرب والعجم"(مقال بيعة العقبة الأولى، أ.د. راغب السرجاني، موقع قصة الإسلام).  

 

رابعًا: الإسلام يوحد أهله ويسوي بينهم: فقد كان الأوس والخزرج أعداءً، فلما فتح الله قلوب ست من الخزرج تساموا عن عدوات الجاهلية واصطحبوا معهم اثنان من الأوس، ثم صارت القبيلتان بعد ذلك إخوانًا في الله، وصاروا يعرفون باسم واحد هو: "الأنصار".  

ثم الدروس والعبر كثيرة لا نستطيع حصرها في هذه العجالة، وقد استعنت على ذلك ببعض خطب لإخواننا من الخطباء النابهين الواعين، فدونك هي:  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
العنوان
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 2018/12/23 12168 493 8
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

لقد عاش سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- في مكة وحيدًا شريدًا، يبحث عن النصرة، ويتطلع إلى المناصرين؛ فلم يجد أمة تنصره، ولا قبيلة تؤازره، وكان أصحابه مستضعفين مستذلين، تطالهم يد..

المرفقات

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life