اللغة العربية ماض ومستقبل - ملف علمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الملفات العامة

اقتباس

ما كل هذا الحقد على اللغة العربية! وما هذا الكم من التهم لها! أي شيء جنت؟! لقد أدركنا أن ذلك الهجوم الممنهج على لغتنا لا يستهدفها لذاتها، وإنما المقصود من وراء ذلك الهجوم...

هي فتاة في ريعان شبابها، مشرقة الوجه ممشوقة القد رائعة السمت، لكنهم مع ذلك اتهموها "ظلمًا" بالشيخوخة والهرم!... هي ما زالت قوية فتية ورغم ذلك فقد نعتوها "كذبًا" بالضعيفة العيية!... وهي غنية ثرية محسنة متصدقة لكنهم افتروا عليها فقالوا: فقيرة شحيحة في عوز وحاجة إلى غيرها!... قالوا: "عقيم عاقر" وما عقمتْ بل هي الودود الولود!... قالوا: "مسنة شاخت" وما شاخت، بل هي الشابة الفتية الأبية!... قالوا: "كليلة عاجزة" وهي المبدعة الآمرة القاهرة!... قالوا: "متلعثمة عيية" وهي الفصيحة الآسرة!  

 

تراك أدركت من هي تلك المتهمة البريئة؛ إنها لغتنا العربية، تلك اللغة المفترى عليها، فقد كالوا لها الاتهامات، وعدَّدوا عليها الافتراءات، وأبشع وأكذب التهم التي ألصقوها بها أنها لغة شحيحة الألفاظ لا تفي باحتياجات الناس في كلامهم ولا تستطيع اللحاق بتطورات العصر ولا تستوعب مستجداته!   وقد أجاد حافظ إبراهيم -رحمه الله- في تفنيد تلك التهمة الواهية قائلًا:

رموني بعقم في الشباب وليتني *** عقمت فلم أجزع لقول عِداتي

وسعتُ كتاب الله لفظًا وغاية *** وما ضقت عن آيٍ به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيق أسماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي  

 

ونحن نزيد على ما قاله حافظ فنقول: إن اللغة العربية قد فرضت نفسها على لغات الأرض؛ فإن لغات كالتركية والفارسية ولغة الملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف العربية، ولما دخلت اللغة العربية إلى بعض البلاد قدَّمها وفضَّلها أهلها على لغتهم الأصلية، مما أدى إلى انقراض لغاتهم وحلول اللغة العربية محلها، مثال ذلك ما حدث في العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد الأرض، بل لقد غزت ألفاظ العربية الكثير من اللغات الأوروبية مثل الإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والألمانية وأصبحت تستخدم فيها على نطاق واسع. (نقلًا عن موقع: http://www.arabiclanguageic.org)   وكفى اللغة العربية شرفًا وفضلًا وفخرًا أن الله -عز وجل- قد اختارها على جميع اللغات لينزل بها كتابه الخاتم القرآن الكريم على خاتم أنبيائه ورسله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.   

 

ويتعجب المرء؛ لما كل هذا الكيد، ولما كل هذا الحقد! ولما هذا الكم من التهم والافتراءات والسباب واللعنات الذي يوجهونه إلى اللغة العربية! ماذا اقترفت اللغة العربية في حقهم حتى يحملوا لها كل هذا البغض والكراهية؟! أي شيء جنت؟!   وبعد ما ذكر ندرك أن ذلك الهجوم على لغتنا لا يستهدفها لذاتها، فما هي إلا لغة يتفاهم بها بعض البشر ويتواصلون، وإنما المقصود من وراء ذلك الهجوم عليها أسوأ وأنكى مما نظن أو نتخيل؛ إن أعداءنا أرادوا بهجومهم على اللغة العربية القضاء على القرآن والسنة والشريعة والدين كله، ثم القضاء على الأمة الإسلامية جمعاء!   إخواني: إن القرآن قد نزل بالعربية، فإن ضاعت اللغة العربية فقد وقع القرآن في عزلة مطبقة، ولن يكون القرآن أبدًا -إذا ما ضاعت اللغة العربية- كتابًا يتلى ويرتَل فيُفهم ويُطبق ويُعمل بما فيه!   قد يسمحون أن تُصنع منه "الأحجبة" كنوع من الطلاسم التي لا تُفهم؛ لتمنع الضر -كما يقول الجاهلون-، وقد تصاغ منه التمائم التي تجلب الحظ -كما يعتقد الخراصون-، لكنهم لن يسمحوا أبدًا أن تكون اللغة العربية لغة خطاب وحوار خصبة ثرية أو لغة سائدة منتشرة تُتعلَّم وتُتناقل جيل بعد جيل!... هذه غايتهم وتلك أمنيتهم! لكننا نقرر في حزم وعزم وفي ثقة وبأس: أن هذا لن يكون أبدًا، وكيف يكون والذي تكفل بحفظ القرآن -عز وجل- متكفل أيضًا بحفظ اللغة العربية؛ فإن من تمام حفظ القرآن حفظ لغته التي تنزل بها على قلب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.   

 

وما يفعله أعداؤنا ضد لغتنا العربية واضح السبب والغاية، ولا يحق لنا أن نلقي باللوم عليهم؛ فإنهم إنما يعملون لصالح أمتهم ولمصلحة لغتهم، وإنما الذنب كله واللوم كله يقع على أبناء أمتنا، الذين قصَّروا في حق لغتهم وفي حقهم قرآنهم وفي حق دينهم وفي حق أمتهم... فكأن اللغة العربية تصيح فيهم وتقول:  

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني *** ومنكم وإن عزَّ الدواء أساتي

فلا تكلوني للزّمانِ فإنني *** أخاف عليكم أن تحين وفاتي

أرى لرجال الغرب عزا ومنعة *** وكم عَزَّ أقوام بعِزِّ لغات

أتوا أهلهم بالمعجزات تَفَنُّنًا      *** فيا ليتَكُمْ تأتون بالكلمات

أيُطرِبُكُم من جانب الغرب ناعب *** ينادي بِوَأدي في ربيع حياتي

أيهجرني قومي-عفا الله عنهم- *** إلى لغة لم تتصل برواة

سرت لوثة الافرنج فيها كما سرى *** لعاب الأفاعي في مسيل فرات

فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة *** مشكَّلة الألوان مختلفات  

نعم، لكأني باللغة العربية لغة القرآن تستصرخ أبناءها الذين فضَّلوا غيرها عليها، والذين يستحيون من التحدث بها، والذين يتفاخرون التكلم بغيرها، والذين يجهلون قواعدها وأسرارها ولا يتذوقون جمالها ورونقها، والذين يلقون عليها الاتهامات جزافًا كحال من لا يعلم ولا يبصر، لكأنها بها تصرخ فيهم:  

أشكو الزمان وقلة النصراء *** وتوثب الحساد والأعداء

وأرى الحراب تجمعت   لتنوشني *** وتعيث في دوحي وفي أفيائي

ويعقني من كنت أرجو حبهم *** وودادهم في الليلة الظلماءِ وأرى 

ازورارًا في وجوه أحبتي *** وتنكبًا عن أيكتي الخضراءِ

لكن قلبي ليس يصدعه سوى *** جحد الحبيب وقسوة الأبناءِ

ربيتهم في دوحتي أعطيتهم *** من جنتي وكسوتهم بردائي

لكنهم لم يدفعوا عن حرمتي *** أو يُعْظِمُوا قدري وحق وفائي

أنا أمهم، أم اللغات جميعها *** فضلٌ خُصِصْتُ به على النُّظراءِ  

قد صارت الفصحى يتيمًا ضائعًا *** ما بين أبناء لها جهلاءِ

لا يعرفون أصولها وجذورها *** أو يغتذون بروضها المعطاءِ

هجروا الكتاب فضاع سمت كلامهم *** واعتاص نطق حروفهم بصفاءِ

كم من خطيب بينكم لحانة *** مسخت لديه ملامح الأشياءِ

رَفَعَ المضافَ ولم يوقر حقه *** أو جر أسماءً بلا استحياءِ

ولربما نصبَ الكلام جميعه *** من غير ما فرق ولا استثناءِ

وإذا تحدَّث في الدروس معلِّمٌ *** هجر الأصيل إلى لُغَىْ الدهماءِ

ما بالهم لا يعبؤون بحرمتي *** أو يشفعون لذلتي وعنائي؟!  

كم من لغات في الورى مطموسة *** نَبُهَتْ بفضل رجالها النجباءِ

فبنو اليهود تمسكوا بلسانهم *** أحيوه من موت وطول عفاءِ

وأرى بني تنكروا لجلودهم *** واستعبدتهم ألسن الغرباءِ

وتنكبوا ظهر الطريق لأمهم *** أفبعد ثدي الأم من أثداءِ؟

(ديوان فارس الأحلام القديمة، د. وليد قصاب)  

 

وقبل أن نفتش بين أروقة هذا الملف العلمي ونتقلب بين مواده، دعونا نتعرف على الحكم الشرعي لهجر اللغة العربية والتحدث بغيرها على لسان ابن تيمية -رحمه الله- الذي يقول: "وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم..   ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عوَّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديمًا..   واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.   وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"(اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية: 1/526-527).   

 

 وأخيرًا، فها هي اللغة العربية تنادي وتستعيذ وتستنجد وتستغيث:

إلى معشر الكتاب والجمع حافلٌ *** بَسَطْتُ رجائي بعد بسط شكاتي

فإما حياة تبعث الميْتَ في البلى *** وتنبت في تلك الرموس رُفاتي

وإما ممات لا قيامة بعده *** ممات لعمري لم يقس بممات   

 

واستجابة منا -في ملتقى الخطباء- لتلك الاستغاثة المؤلمة، نعرض هذا الملف العلمي الذي نتناول في محوره الأول أهمية اللغة العربية، وأسرارها، وأفضالها على الناطقين بها، ويبلغ بنا الأسى والكمد مبلغه ونحن نستعرض في محورنا الثاني الهجمة الشرسة المسعورة ضد اللغة العربية، تلك الحملة ضد اللغة العربية لنبين المكائد والمؤامرات والحيل التي تحاك لها!   ثم لا نتمالك دموع قلوبنا ونحن نعاين في المحور الثالث حال أمتنا الإسلامية والعربية مع لغتها وهجرهم لها واستحيائهم منها، ثم يأتي أهم المحاور -في نظرنا- وهو المحور الرابع، وهو محور عملي يدور حول واجبات أبناء الأمة الإسلامية والعربية تجاه لغتهم العربية، نسأل الله -تعالى- أن يجعل هذا الملف لبنة يرفع الله -عز وجل- بها صرح لغة القرآن لغة الضاد الذي يعيد إليها به أمجادها..

المحور الأول: أهمية اللغة العربية، وأسرارها، وأفضالها على الناطقين بها.
المحور الثاني: الهجمة الشرسة ضد اللغة العربية.
المحور الثالث: حال الأمة اليوم مع لغتها، والجناية عليها:
المحور الرابع: واجبات الأمة تجاه لغتها.
المحور الخامس: كتب ومراجع وإحالات.
العنوان
خطب إعجاز نظم القرآن 2013/05/07 6743 1424 25
خطب أهمية اللغة العربية 2014/01/15 84416 1521 123
خطب مكانة اللغة العربية 2014/11/03 14985 938 31
خطب عقود الجمان في فضل لغة القرآن (1) 2014/12/25 4924 489 18
خطب لغتي لغة القرآن وكفى 2014/12/30 16408 806 45
خطب البيان في أهمية لغة القرآن 2015/01/26 19438 633 15
خطب خصائص اللغة العربية 2017/06/19 6729 525 12
خطب اللغة العربية رمز الهوية والانتماء 2018/12/21 7250 485 27
مقالات العربية هي أم اللغات!! 2019/12/11 785 0 0
مقالات القرآن الكريم واللغة العربية 2019/12/11 915 0 0
مقالات اللغة العربية في نظر السلف الصالح 2019/12/11 1470 0 0
مقالات أهمية اللغة العربية ومميزاتها 2019/12/11 2925 0 1
مقالات تأثير اللغة العربية على الثقافة الإسلامية 2019/12/11 1899 0 0
مقالات دور العربية في البعث المنشود بين الواقع والآمال 2019/12/11 753 0 0
فتاوى العربية هي اللسان الأول 2019/12/11 708 0 0
فتاوى اللغة العربية لا تضاهيها لغة عراقة واستيعابا وحضارة 2019/12/11 675 0 0
فتاوى حكم تعلم اللغة العربية والقراءة والذكر والدعاء بغيرها 2019/12/11 726 0 0
فتاوى سبب أفضلية اللغة العربية عن غيرها 2019/12/11 674 0 0
فتاوى فضل اللغة العربية على سائر اللغات واللهجات 2019/12/11 1010 0 0
فتاوى كلام أهل العلم عن أفضلية اللغة العربية واسم الجلالة (الله) 2019/12/11 702 0 0
فتاوى كيف تتعلم قواعد اللغة العربية 2019/12/11 710 0 0
فتاوى منزلة اللغة العربية 2019/12/11 928 0 0
صوتيات وفديوهات اللغة العربية هي أول لغة في العالم وهي لغة أهل الجنة - الشيخ عبد العزيز الفوزان 2019/12/14 0 0 0
صوتيات وفديوهات فضل اللغة العربية - الشيخ محمد سعيد رسلان 2019/12/14 0 0 0
صوتيات وفديوهات فضل اللغة العربية على غيرها - د. عائض القرني 2019/12/14 0 0 0
صوتيات وفديوهات روائع اللغة العربية - الدكتور عمر عبد الكافي 2019/12/14 0 0 0
صوتيات وفديوهات تعلم بعض قواعد اللغة العربية في اربع كلمات (ذلك الكتاب لا ريب فيه) - الشيخ محمد متولي الشعراوي 2019/12/14 0 0 0
صوتيات وفديوهات سبب نزول القران باللغة العربية لا غير (1) - د. مصطفى محمود 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات مميزات اللغة العربية - الدكتور فاضل صالح السامرائي 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات منزلة اللغة العربية من بين اللغات لفضيلة الشيخ: عبدالمجيد الطيب 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات تطور اللغة في العلوم اللغوية العربية - أ د. سعد مصلوح 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات اللغة العربية لغة القران - الدكتور محمد راتب النابلسي 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات لغة القرآن وتميزها على سائر لغات العالمين - الدكتور عبدالمجيد الطيب عمر 2019/12/14 0 0 0
ندوات وحوارات دور اللغة العربية في بناء وتقوية الوحدة الوطنية - للشيخ أحمد ظريف 2019/12/14 0 0 0
دراسات وأبحاث الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية 2019/12/11 843 2435 0
دراسات وأبحاث اللغة العربية معناها ومبناها 2019/12/11 792 0 0
دراسات وأبحاث اللغــة العـربيــة ومكانتهـا بيـن اللغــات - الأستاذ الدكتـور فرحـان السـليـم 2019/12/11 1483 0 1
دراسات وأبحاث خصائص العربية بين القديم والحديث 2019/12/11 653 0 0
دراسات وأبحاث عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن-سليمان العايد 2019/12/11 710 0 0
دراسات وأبحاث عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن-أحمد الخراط 2019/12/11 671 0 0
دراسات وأبحاث فضائل وميزات لغة القرآن 2019/12/11 751 0 0
المرفقات
بوست076-اللغة-العربية-–-ملف-علمي-01.jpg
بوست076-اللغة-العربية-–-ملف-علمي-02.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life