السؤال
هل مقولة: من نقل انتقل، ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه ـ تعّد من الاستهزاء بالدين؟ حيث يقولها التلاميذ وقت الاختبار لمن لا يريد أن يغش، وكثير منهم يقولها مزاحا، وكنت أضحك من ذلك، علما بأنني لا أغش، بل كنت أعتبرها تسلية، وذات مرة كانت أستاذة الانجليزية تحدثنا عن صديقتها التي هي وأسرتها يتحدثون العربية الفصحى في منازلهم، علما أن لهجتنا الجزائرية من أبعد اللهجات عن الفصحى، فبدأ التلاميذ يضحكون وقالت لي إحداهن: فيلم الرسالة؟ ولتتوقف عن هذا وتجد غيره، قلت لها ضاحكة: فيلم مدبلج وكذلك زميلة أخرى بدأت تحاول الحديث بالفصحى ضاحكة وهي تقلد نغمة وطريقة العرب القدماء، ولتتوقف عن هذا قلت لها: لا بل يبدو الأمر وكأنه فيلم مدبلج، وقلدت بعض أصوات شخصيات المسلسلات المشهورة المدبلجة والتي كان يعشقها هؤلاء التلاميذ، كما أنّ هاتين الفتاتان لو قرأت لهم حديثا شريفا أو قصة رسول بالفصحى لا تضحكان، فما حكم كل هذا؟ علما بأنني أحب الحديث بالفصحى ولا أجد فيه غضاضة، لكنني خجلت أمام التلاميذ، ومرة أخرى مع زميلتي مررنا على أب يقول لابنه:أعطني حقيبتك ـ يقصد المحفظة كما هو شائع عندنا، فضحكت زميلتي وابتسمت، فما حكم ذلك؟ لم يقبل أبي أن ندعو ضيوفا في عرس أختي واكتفى بحد صغير جدا من النساء، وبقي لنا شخصان ـ جارتنا التي شرفتها مطلة على منزلنا، أو ابنة عم أمي، والتي تسكن في حيّنا، فقالت أختي إن جارتنا أولى، وأختي هذه أعلم من الأخريات بأمور الدين، فوافقتها، فما حكم ذلك؟ لدي أخت أخبروني هل هي كافرة أم لا؟ حدثتنا أنها خائفة من تأنيب الأستاذ لها، أو لسبب آخر سخيف: إن حدث ذلك فتلك هي الطامة الكبرى، والمعروف أنّ الطامة الكبرى في القرآن هي الداهية العظمى، وهي النفخة الثانية، التي يكون معها البعث يوم القيامة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من سؤال السائلة أن عندها تخوفاً شديداً من الاستخفاف، وهذا قاطع بأنها بعيدة عن الكفر ـ بحمد الله ـ لم ينشرح به صدرها، وإنما هي وساوس، وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 78372، 3086، 60628.
ولا بد مع ذلك أيضاً من العلاج الطبي، فما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، كما في صحيح البخاري، وهذا المرض الآن تقدمت وسائل علاجه ـ بفضل الله ـ وأما مقولة: من نقل انتقل، ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه ـ فلا تعد استهزاء، ولكنها كذب، ودعوى إلى الغش، والغش حرام، وراجعي الفتويين رقم: 2937، ورقم: 26858.
وأما السخرية ممن يتكلم بالفصحى: فلا تجوز، بل إن تعظيم العربية من تعظيم الإسلام، كما نبه عليه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في اقتضاء الصراط المستقيم، وحتى لو قصد الاستهزاء بالفصحى، فلا بد من إعلامه أولاً أنها لغة القرآن، وأنها مقصودة شرعاً، ولا يُكفر بمجرد ذلك، فإن كون العربية لازمة لفهم الإسلام، ليس معلوماً بالضرورة.
وتقديم الجارة على القريبة البعيدة في دعوة العرس لا حرج فيه، وعلى العموم فهي دعوة مباحة ليست واجبة، فأمرها واسع، ولو دعوتم الاثنتين فحسن.
وأما مقولة: فتلك هي الطامة الكبرى... فاعلمي أن الطامة الكبرى يقصد بها يوم القيامة، وعلى أي حال فلا يمنع من إطلاقها مراداً بها بعض طوام الدنيا التي هي أكبر من غيرها، فهو إطلاق مجازي، ولم يزل العلماء يستخدمونه، كالغزالي في الإحياء، وابن رجب، وغيرهما وبهذا تعلمين أنه لا يحكم على أختك بالكفر، وقد ذكرت أمورا أخرى كلها وساوس لا نطيل بالحديث حولها، ولكن نحيلك إلى الفتاوى السابقة، نسأل الله تعالى أن يذهب عنك تلك الوساوس ويعافيك منها.
والله أعلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم