التاجر الأمين - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-07-18 - 1446/01/12
التصنيفات:

اقتباس

فطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن جعل من تجارته سلمًا إلى جنة ربه ورضوانه... طوبى ثم طوبى لمن لحق بركب التجار الصالحين من أمثال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ذلك التاجر الصدوق الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر...

سامٍ هو أمر ديننا، وحكيم هو مبدأ ديننا؛ يربط دنيانا بآخرتنا فلا يجعل بينهما فصام ولا انفصال تضاد، بل الدنيا والآخرة في الإسلام مرتبطتان متحدان تترتب الآخرة منهما على الأولى؛ فمن أحسن في حياته الدنيا جوزي بالخير في الآخرة، ومن أساء فعلى آخرته جنى! (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)[الجاثية: 15]؟

 

ويتضح هذا في كل أمر ونهي من أوامر الدين ونواهيه، ولا يشذ عن هذا أبدًا موضوع مختارتنا اليوم؛ فإن من خاف الله -تعالى- واتقاه في بيعه وشرائه وتجارته كانت له الجنة جزاءً، ومن غش في تجارته واحتكر ودلَّس واستغل حاجة الناس فله النار -والعياذ بالله-.

 

والدليل على الأولى هو ما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء"(رواه الترمذي، وصححه الألباني لغيره)، ومال التاجر الصدوق من أطيب الأموال، وكسبه من أفضل الكسب؛ تقول أم سلمة -رضي الله عنها-: "خرج أبو بكر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تاجرًا إلى بصرى، لم يمنع أبا بكر الضن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبته على نصيبه منه، ولم يمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر شخوصًا مع حبه صحابته وحبه أبا بكر وشحه بصحابته.. لاستحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التجارة، وإعجابه بها"(رواه الطبراني، وأورده الألباني في الصحيحة).

 

أما الدليل على الثانية فحديث رفاعة بن رافع الأنصاري أنه خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التجار"، فاستجابوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله، وبر، وصدق"( رواه الترمذي، وصححه الألباني)... ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة الذين يُعْرِض الله عنهم يوم القيامة؛ فإذا باثنان منهم من التجار أو ممن له علاقة بالتجارة، ففي الصحيحين: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال رجل مسلم...".

 

***

 

والسؤال الآن: تُرى ما هي صفات التاجر المسلم الذي تُدخله تجارته الجنة، والذي يكون مع النبيين والصديقين والشهداء؟ ونجيب: هو التاجر الذي يخشى الله -تعالى-، وفيما يلي بعض مظاهر خشيته من الله:

 

المظهر الأولى: لا تلهيه تجارته عن عبادته: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 37]، مستجيب للتحذير القرآني: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9]، فهو على صلاته محافظًا، وبحدود دينه متقيدًا.

 

الثاني: أمين لا يغش ولا يخون: يبتغي البركة من ربه بأمانته في تجارته، فعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"(متفق عليه).

 

الثالث: صدوق لا يكذب: فهو يعلم علم اليقين أن "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب"(اللفظ لابن حبان، والحديث متفق عليه).

 

الرابع: متصدق يخرج حقوق ماله: ويبتغي بماله ما عند ربه، فتراه خائفًا وجلًا كلما كثر المال عنده، نصب عينيه دومًا قول الله -عز وجل-: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 10-11].

 

التاجر المسلم تاجر قد انتفع بنصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي حكاها قيس بن أبي غرزة -رضي الله عنه- فقال: كنا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسمى "السماسرة" فمر بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمانا باسم هو أحسن منه، فقال: "يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

الخامس: يبكِّر إلى تجارته: لتصيبه دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي نقلها إلينا صخر الغامدي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، "وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

***

 

فطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن جعل من تجارته سلمًا إلى جنة ربه ورضوانه... طوبى ثم طوبى لمن لحق بركب التجار الصالحين من أمثال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ذلك التاجر الصدوق الذي قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر..."(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

ومن أمثال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ذلك التاجر الماهر الخبير، فعن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال له سعد: أي أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالًا، فانظر شطر مالي، فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فذهب فاشترى وباع وربح، فجاء بشيء من أقط وسمن، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه ردع زعفران، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مهيم"، فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال: "ما أصدقتها؟" قال: وزن نواة من ذهب، قال: "أولم ولو بشاة"، قال عبد الرحمن: "فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا لرجوت أن أصيب ذهبًا أو فضة"(رواه البخاري وأحمد واللفظ له).

 

ولقد قالوا قديمًا: "تسعة أعشار الرزق في التجارة"... فجعل الله رزق تجارنا رزقًا حلالًا، ووفقهم إلى إنفاقه في حلال، وزرع في قلوبهم الرحمة والشفقة على المسلمين...

 

وبتلك الدعوات الخارجة من القلب اختتم خطباؤنا حديثهم عن التُّجار وعن التجارة بعد أن أصَّلوا ثم فصَّلوا ثم بعثوا الرسائل للتجار، وفيما يلي بعض خطبهم.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
العنوان
التاجر الصدوق الأمين 2023/03/02 8193 618 19
التاجر الصدوق الأمين

اليومَ نَحنُ في أَشدِّ الحاجةِ في أسواقِنا إلى التَّاجرِ الأمينِ الصادقِ، الذي قالَ فيه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"، وواللهِ إن الصدقَ في البيعِ والشراءِ من أعظمِ أسبابِ البركةِ في الرزقِ...

المرفقات

التاجر الصدوق الأمين.doc

التاجر الصدوق الأمين.pdf

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life