رمضان مع كورونا - خطب مختارة

الفريق العلمي
1442/09/17 - 2021/04/29 14:17PM

إنا لنذكر هذا اليوم من العام الماضي؛ يوم أن أعلنوا أنه لا صلاة في المساجد، وقاموا بغلقها جميعًا خوفًا من انتشار جائحة كورونا... يومها سُقط في أيدينا؛ فما كنا نتصور ولا نتخيل أن تُغلق بيوت الله وتوصد في وجوه الراكعين والساجدين والعاكفين! لكنها إرادة الله -عز وجل-، ورضينا بقضاء الله وقدره وفي القلوب ما بها من مرارة وحسرة وكمد... ومر رمضان من ذلك العام ونحن نفطر وحدنا في بيوتنا، ونصلي وحدنا في بيوتنا، ونتهجد وحدنا في بيوتنا... فلم نحس بهجة رمضان التي كنا نحس بها كل عام، كما اختفى كثير من روحانياته.

 

***

 

ولقد كنا نوقن أن لله في هذا حكمة بالغة؛ فإن للعطاء بعد المنع لذة، وإن من الناس من لا يعرف طعم النعمة إلا إذا حُرِمَها حينًا... وإن من حِكَمِ الله -تعالى- في ابتلائنا بهذا الوباء تطهير العباد من الذنوب والمعاصي، فعن عبد الرحمن بن أزهر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الرعد والحمى، كمثل حديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها"(رواه الحاكم).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه".

 

وكل بلاء ومحنة ووباء هو في واقع الأمر خير ونعمة على المؤمنين؛ فعن صهيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له"(رواه مسلم).

 

ويتساءل متساءل: وأين الخير لمن جاءه الوباء فقتله؟! ويجيبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "الطاعون شهادة لكل مسلم"(متفق عليه)، بل إن من لم يمت بالوباء، وعاش صابرا موقنًا بقضاء الله وقدره فإن له أجر شهيد؛ فعن أم المؤمنين عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرني: "أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد"(رواه البخاري).

 

***

 

ثم مرت الأيام بعد ذلك بطيئة متثاقلة، وطويلة كأنه لا آخر لها! وراح المؤمنون يجأرون إلى ربهم: متى الفرج؟ وكيف الخلاص؟!... وبدأ وعد الله -تعالى- بالفرج بعد الشدة تشع خيوط نوره: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 6]، وبدأت الغمة تنكشف شيئًا فشيئًا، وأعداد المصابين بالوباء تقل حينًا بعد حين، حتى أَذِن الله -تعالى- بفتح المساجد للمسلمين.

 

وأهل هلال رمضان هذا العام، وهبت معه نسائم البهجة والروحانيات والبركات والفيوضات، وانطلق المؤمنون الصادقون إلى بيوت الله التي كانوا يتقلبون حرقة وشوقًا إليها، وصاروا يصلون التراويح في المساجد سعداء مبتهجين، وحُقَّ لهم؛ فإنها -والله- لنعمة جليلة عظيمة تحتاج إلى شكر.

 

***

 

أقول: هذا حال "المؤمنين الصادقين" عمَّار بيت الله، فهم الرجال بحق: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ)[النور: 36-37].

 

أما ضعاف الإيمان وأشباه الرجال ومرضى القلوب فإنهم يتذرعون بأي ذريعة كي يتفلتوا من طاعة الله، ويتعذرون بأي عذر لترك صلاة الجماعة في بيت الله! فإنا نخاف عليهم والله أن يصيروا فرائس سهلة للشيطان؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية"(رواه النسائي)، وذئب الإنسان الشيطان، أو أن يؤخروا في الجنة إن دخلوها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها"(رواه أحمد).

 

نعم، فهم يتخذون من وباء كورونا متكأً ومسوغًا للتمادي في لهوهم وغفلتهم وتقصيرهم! وهذا تالله من عجيب الأمور؛ فبدلًا من أن يتعظوا بموت من يموت حولهم في كل ساعة وبحال من يسلب منه ثوب العافية فيحبس في سرير المرض، بدلًا من أن يستيقظوا من غفلاتهم إذا بهم يسدرون في غيهم، وإذا بهم يهجرون المساجد ويتركونها في الجماعات وفي صلاة التراويح التي يحرص عليها غيرهم؟! فواأسفى عليهم، متى تخشع أفئدتهم متى تلين قلوبهم: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد: 16].

 

ولو أنهم إذ قعدوا عن الذهاب إلى المساجد احتبسوا في بيوتهم فلم يخرجوا منها، وانعزلوا عن الناس فلم يختلطوا بهم لالتمسنا لهم بعض العذر، لكنهم يخرجون ويروحون ويجيئون، ويخالطون ويتزاورون ويتنزهون، ويتصافحون ويتعانقون، وبعد ذلك يقولون: لا نذهب إلى المساجد لئلا تتنقل إلينا العدوى!! فبالله بأي عقل يحكمون؟! وبأي لسان ينطقون؟!

 

***

 

ولا يفهمن أحد أننا نهون من أمر الأخذ والالتزام بالإجراءات الاحترازية، اللهم كلا أبدًا، بل الأخذ بها من الواجبات المتحتمات، لتمام نعمة الله علينا برفع الوباء واختفائه اختفاءً تامًا، وكذلك لدوام نعمته تعالى بفتح المساجد للركع السجود؛ ولكننا نقصد أن نأتي المساجد ولا نهجرها ملتزمين تمام الالتزام بـ"الكمامات" وبالمصلى الشخصي وبالتباعد وبعدم المصافحة مع اصطحاب المطهرات إلى آخر تلك الإجراءات الطبية الوقائية.

 

ونفسح الآن المجال لخطبائنا ليزيدوا الأمر وضوحًا وجلاءً وتأصيلًا وتأطيرًا... فإليكم بعض خطبهم

الابتلاء في رمضان - إبراهيم بن محمد الحقيل.

 

الوباء في رمضان - إبراهيم بن محمد الحقيل.

 

نفحات رمضان تزيل الآلام - صلاح بن محمد البدير.

 

شهر رمضان.. نفحات إيمانيَّة وخطوات إصلاحيَّة - عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس.

 

وأشرق رمضان - أحمد بن عبد العزيز الشاوي.

 

امتحان كورونا والعشر الأخير - ملتقى الخطباء - الفريق العلمي.

 

رمضان بين العطاء والوباء - ملتقى الخطباء - الفريق العلمي.

 

 

المشاهدات 714 | التعليقات 0