عناصر الخطبة
1/تذكير بما كان في رمضان الماضي 2/نعمة فتح المساجد في رمضان هذا العام 3/وجوب شكر الله على هذه النعمة 4/وصايا ونصائح للصائمين 5/وجوب الزكاة وتحري مستحقيهااقتباس
أدركنا قبل عام وصلاتنا لا يقيدها وقت, ولا تربطها جماعة, تفتقد روحانية المساجد وبهاء الجماعات, واليوم يعود لنا رمضان بلا حظر ولا حجر, وأسواقنا عامرة وبيوت الله مفتوحة تقام فيها الجمع والجماعات, وتزدان بالتراويح, وتعمر بالذاكرين الله كثيرا والذاكرات...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي نعمه تترى, وآلاؤه لا نقدر لها حصراً, وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة أدخرها ليوم الحشر ذخراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, من صلى عليه صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فيا معشر المسلمين: اتقوا ربكم واحمدوه, واشكروا له ولا تكفروه.
في مثل هذه الأيام وقبل عام أدركتنا ليالي شهر الصيام والقيام, ولكن بصورة تجتر الأحزان وتورث الآلام, أدركنا شهر رمضان والوباء قد بلغ أشده؛ قد أغلق مساجدنا, وحصرنا في بيوتنا, وقيد حركتنا, وأورثنا أمواتا ومصابين ومحزونين، يخرج أحدنا خائفا يترقب ويمشي بحذر, والشوارع خالية إلا من رجال أمننا الذين يرابطون لينضبط الآخرون.
أدركنا رمضان وبيوت الله قد انطفأت منها المصابيح, وتعطلت فيها الجمع والجماعات والتراويح, نسمع نداء: "صلوا في بيوتكم", فما أقساه من نداء على رجال قلوبهم معلقة بالمساجد!؛ (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 37].
أدركنا قبل عام وصلاتنا لا يقيدها وقت, ولا تربطها جماعة, تفتقد روحانية المساجد وبهاء الجماعات.
واليوم يعود لنا رمضان بلا حظر ولا حجر, وأسواقنا عامرة وبيوت الله مفتوحة تقام فيها الجمع والجماعات, وتزدان بالتراويح, وتعمر بالذاكرين الله كثيرا والذاكرات, فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين, وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
جاء رمضان من جديد ليذكرنا كم هي عظيمة نعمة الأمن في الأوطان, والصحة في الأبدان, ونعمة الاستقرار النفسي, وراحة البال, فما أعظمها من نعم!, فيا ليتنا نكون لها من الشاكرين, وعليها من المحافظين.
جاء رمضان من جديد ليعلمنا قيمة المساجد وصلاة الجماعة, فهل تستوي صلاة في بيت الله في وقت محدد؛ تأنس فيها برؤية إخوانك وجمال الجماعة, ولذة انتظار الصلاة, وصلاة في البيوت لا يحدها وقت, ولا يميزها خشوع, وتفقد فيها معنى التآلف والوحدة بين المسلمين؟!.
جاء رمضان من جديد؛ ليبلوكم أيكم أحسن عملا, وأصدق لله حبا, وأكثر للجنة شوقا, وليميز الذين يريدون الآخرة والذين يحبون العاجلة, ويذرون وراءهم يوما ثقيلا.
كم هي نعمة كبرى أن يمن الله عليك بإدراك شهر رمضان المبارك؛ لتنعم بأجواء الإيمان, حينما تفتح أبواب الجنان, وتغلق أبواب النيران, وتقبل القلوب والنفوس إلى طاعة الرحمن.
كم أنت مميز يوم أن يدركك شهر الصيام وأنت تنعم بأمن في الوطن, وصحة في البدن, ورغد في العيش واستقرار في السكن؛ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[العنكبوت: 67].
ألا ما أجدرك يوم أن تدلف باب هذا الشهر المبارك آمنا معافى, أن تعلن شكرك لله على نعمته يوم أن بلغك شهر رمضان؛ لأنه يريد أن يقودك إلى المغفرة ورفيع الدرجات؛ ولأن الكريم يريد أن يسوقك إلى الجنة ولو بالسلاسل.
واجعل مع الشكر سؤالا لله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته, وأن يسخر لك فعل الخيرات, واجعل مع الشكر والسؤال دعاء لمن حرموا بلوغ الصيام أو لذته, ممن هم تحت الثرى يتمنون لله سجدة أو تسبيحة, أو ممن فارقهم النوم والكرى لآلام يعانونها أو ديون يقاسونها أو هموم يصارعونها, أو سجون يساكنونها, أو عدو تسلط عليهم؛ فسامهم سوء العذاب, يقتل أبناءهم ويستحل نساءهم.
إن قضاء هذا الشهر كما ينبغي وفقاً لسنة البشير النذير شرف عظيم, لا يحظى به ولا يوفق له إلا الربانيون, المقتدون بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل غزو بدر ينادي في المسلمين جميعا: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض", ونحن نناديكم اليوم مع حلول رمضان: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض".
أبواب الجنة فتحت لك؛ فقم كما قام أنس يوم غزوة أحد قائلا: "واها لريح الجنة؛ إني لأجد ريح الجنة دون أحد", وقل: "واها لريح الجنة؛ إني لأجد ريح الجنة دون رمضان", قم وكفى غفلةً ورقادًا, واستشعر أن الصيام عبادة لا عادة, وأن ثمرته المفترضة هي التقوى.
ارتبط بكتاب الله حفظاً وقراءة وتدبراً, واطلع على ما تيسر من تفاسيره الموثوقة, ولنعد تلك الصور المشرقة لبيوت الله وهي تغص بالتالين لكتاب الله بعد كل صلاة.
اجعل صيامك كما كان عليه حال سلفنا الصالح, تنافساً في الطاعات, وتزوداً من النوافل والقربات، وسلامة من المفسدات؛ من نظر وسماع محرم, وقول للباطل, وشهادة للزور.
عظِّم حرمة هذا الشهر؛ فوقت رمضان أنفس وأغلى من أن يضيع بسمر, وأشرف من أن يقضى بلهو عابث وسهر, على برامج ومسلسلات تافهة لا تزيد القلب إلا قسوة, ولا تورث الإيمان إلا ضعفاً, وكل عمل لا تحب أن تلقى الله عليه فاتركه, ثم لا يضرك متى فاجأك الموت.
يا أيها المسلم: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم", فما أجمل أن تستفتح شهرك بالعفو والصفح, وتطهير القلب من الشحناء والبغضاء؛ (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ)[المدثر: 54، 55], (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)[الأعلى: 10].
واستغفر الله لي ولكم من كل ما يسخطه ويغضبه, أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
يا معشر الصائمين: الزكاة شعيرة وشريعة, وركن من أركان الإسلام, لا يجوز أن تتخذ مغرما؛ وإنما هي زكاة وتطهير للمال والنفس والبدن, فأخرجوها طيبة بها نفوسكم, مدركين أنها عبادة وقربة إلى الله, موقنين أن ما تنفقون سيخلفه الله, وما اشتكى فقير إلا بقدر ما قصر غني, وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, فتعلموا أحكامها وأدوا حقها, واحذروا من التهرب من دفعها بالحيل؛ فالله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
واجتهدوا في البحث عن مستحقها من أفراد وجمعيات موثوقة, ولا تكونوا ضحية للكاذبين المخادعين من أفراد أو جهات خارجية؛ يأكلون أموال الناس بالباطل, ويستجدون الزكاة تكثرا وتفاخرا, ستجدون المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا, فآتوهم من مال الله الذي آتاكم, (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)[محمد: 38].
وأخيرا, أيها المسلم: رمضان أيام معدودات وزمن قصير لا يحتمل التقصير, وقدومه عبور لا يقبل الفتور, فكلما ضعفت همتك فتذكر: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184].
رمضان شهر بين أحد عشر شهرا؛ كيوسف بين أحد عشر كوكبا, فلا تقتلوه بالغفلة, ولا تلقوه في غيابة جب الشهوات والشبهات, ولا تبيعوه بثمن بخس, بل أكرموا مثواه؛ فعسى أن ينفعنا أو نتخذه شفيعا يوم الحساب.
أسأل الله أن يبارك لنا بشهر رمضان, وأن يوفقنا فيه لكل عمل صالح ينفعنا يوم التلاق.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم