الرؤى والأحلام - خطب مختارة

الفريق العلمي
1444/08/20 - 2023/03/12 10:57AM

لماذا هَمَّ وعزم إبراهيم الخليل -عليه السلام- بذبح ولده؟ وبأي وسيلة بلغه الأمر الإلهي؟ نجيب: لقد رأى ذلك في رؤيا منامية: (قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)[الصافات: 102]، وربما كانت هذه هي أشهر رؤيا منامية عرفها تاريخ الأرض على وجه الإطلاق.

 

ويلي هذه الرؤيا في الصدق والشهرة: رؤيا نبي الله يوسف -عليه السلام-: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف: 4].

 

ولقد رأى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- العديد من الرؤى قبل نبوته وبعدها، بل كان أول نبوته الرؤيا الصالحة، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"(متفق عليه).

 

لذا كانت: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"(متفق عليه)، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة"(متفق عليه)؛ إذن فقد يرى غير الأنبياء في منامهم رؤى صالحة تتحقق كما رأوها، وهذا كثير مجرب مشاهد... وكلما كان المسلم صادقًا كلما كانت رؤياه كذلك؛ فعند مسلم: "وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا".

 

وهذا لا يمنع أن يرى الكافر غير المسلم رؤى صادقة تقع واقعًا كما رآها؛ لحكمة يريدها الله -عز وجل-، أليس قد رأى ملك مصر رؤيا كانت سبب خروج يوسف -عليه السلام- من السجن، وتجنيبه لمصر من خطر المجاعة؟ (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)[يوسف: 43].

 

***

 

لكن لو رأيت أنا في منامي أو رأيت أنت في منامك أننا نذبح أولادنا -كما رآها الخليل إبراهيم-، فهل يُشرع لنا أن نذبحهم؟! الإجابة القاطعة هي : "لا"، لكن لماذا؟ والجواب: أن رؤيانا غير رؤيا الأنبياء؛ فرؤيا الأنبياء حق وصدق لا يحتمل خطأً، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "رؤيا الأنبياء وحي"(رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي)، وقد انعقد إجماع الأمة على ذلك.

 

أما رؤيا من سوى الأنبياء والرسل فهي نوع من أنواع ثلاث، نقلها إلينا أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه"(رواه مسلم).

 

نعم، رؤيا غير الأنبياء لا يؤخذ منها أحكام ولا أوامر؛ فإن الشيطان قد يتلاعب بالبشر في أحلامهم؛ فعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: "لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك"(رواه مسلم).

 

***

 

وإذا رأى المسلم في منامه ما يكرهه فليعلم أنه من الشيطان؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان"(متفق عليه).

 

وينبغي له حينئذ أن يفعل هذه الآداب التي أمرنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"(رواه مسلم)، فهذه آداب ثلاثة.

 

وأدبان آخران ذكرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر قائلًا: "فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس"، فهي بهذا خمسة آداب لمن رأى في منامه ما يكرهه.

 

وهذا بعكس الرؤيا الطيبة التي أمرنا -صلى الله عليه وسلم- بحمد الله عليها، وأن نقصصها، فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره"(رواه البخاري).

 

وإذا أردنا أن نقص الرؤيا الطيبة فلا نقصصها إلا على من نحبه، ويحب لنا الخير دون غيره؛ ألا ترى أن يعقوب قال ليوسف -عليهما السلام-: (يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)[يوسف: 5]، وفي الصحيحين: "الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب".

 

***

 

ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يهتم برؤيا الصحابة ويسألهم عنها ويؤولها لهم، فعن سمرة بن جندب قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟" قال: فإن رأى أحد قصها(متفق عليه).

 

فتعبير الرؤى علم كريم شريف يلهمه الله -تعالى- من شاء من عباده، وأولهم الأنبياء والرسل، فقد قال الله -تعالى- عن نبي الله يوسف: (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)[يوسف: 21]، "يعني عبارة الرؤيا وتفسيرها"(تفسير الخازن).

 

فليس لكل أحد أن يعبر الرؤى، فإن لتعبير الرؤى آداب وأحكام لابد من التزامها، وإلا كانت الفوضى والزلل، يقول ابن أبي زيد القيرواني: "ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها"، ثم يزيد النفراوي شارحًا: "(ولا ينبغي) أي يحرم، (أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها) لأنه يكون من الكذب؛ لأن الإخبار من غير العالم كذب، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[الإسراء: 36]".

 

ثم يوضح بعض الشروط التي يجب توافرها فيمن يفسر الأحلام فيقول: "ومفهوم كلامه: أنه إن كان له علم بها؛ بأن كان يعلم أصول التعبير: وهو الكتاب والسنة وكلام العرب وأشعارهم وأمثالهم، وكان له فضل وصلاح وفراسة، يجوز لها حينئذ تعبيرها"(الفواكه الدواني، للنفراوي).

 

فليحذر من يتصدر لتفسير الأحلام بغير إخلاص وتأهل وعلم ودراية، أن يبيع للناس الأوهام، فيحمل أوزار الأنام، ويقف أمام الواحد الديان صاغرًا يوم القيامة، يحاسب بجرم الكذابين، وبجرم من أفتى بغير علم، وبجرم الخراصين المفترين، وبجرم المضللين المخببين...

 

وإن كان كلامنا هذا مختصرًا مجملًا، ففيما يلي من خطب النبهاء والبلغاء من الخطباء التفصيل والبيان والتوضيح:

 

تنبيه الأنام بما جاء في الرؤى والأحلام، الشيخ محمد المهوس

 

 

الرؤيا أحكامها وآدابها، الشيخ محمد الشرافي

 

 

الرؤى والأحلام في ضوء الكتاب والسنة - الشيخ د عبدالرحمن السديس.

 

 

الرؤى والأحلام - عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي.

 

 

وقفات مع معبري الرؤى - عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري.

 

 

منهج في التعامل مع الرؤى - حمزة بن فايع آل فتحي.

 

 

آداب الرؤى والأحلام - صالح بن عبد الرحمن الخضيري.

 

 

حول الرؤى والأحلام - عبد الله بن محمد الطيار.

 

 

أهمية الرؤى وتعبيرها, وما أصلها وحقيقتُها, وما فوائدها ومنافعها؟ (1) - أحمد بن ناصر الطيار.

 

 

هل تعبير الرؤى والأحلام علم أم إلهام؟ مع ذكر أخطاء بعض المعبرين في هذا الزمان - أحمد بن ناصر الطيار.

 

 

علامات الرؤى الصادقة, والأحلام الكاذبة, والمشروع لمن رآها - أحمد بن ناصر الطيار.

 

 

 

الرؤى والأحلام - عبد الله اليابس.

 

 

الرؤى والأحلام - إسماعيل القاسم.

 

 

الرؤيا آداب وضوابط - محمود بن أحمد الدوسري.

 

 

الرؤيا وجهلة بعض المعبرين - عبد الله بن محمد الطيار.

 

المشاهدات 129 | التعليقات 0