وقفات مع معبري الرؤى

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الهدي النبوي في التعامل مع الرؤى والأحلام 2/أقسام الرؤى والأحلام 3/نصائح وتوجيهات لمعبري الرؤى 4/عدم الاغترار بالرؤيا الصالحة

اقتباس

إنَّ على من رأى رؤيا -ذكراً كان أو أنثى- أن لا يغتر بتأويل المعبِّر حتى وإن كانت بشرى؛ فإن الرؤيا المبشِّرة تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه, وكذلك لا يجزم بصحة تأويل من عبرها له؛ ذلك أنَّ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدلله الذي أعطانا من جزيل عطاياه, وهدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, فالحمد كله له -سبحانه وتعالى- حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- وجاهدوا أنفسكم بفعل الطاعات واجتناب المحرمات, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].

 

معاشر المسلمين: إنَّ بعض الناس يجعل جُلَّ اهتمامه بما يراه من أحلام في منامه, يسأل هذا وذاك, وقد يدخل عليه من الغم والكدر والحزن ما يُنغِّص عليه حياته؛ بسبب منام رآه, كرهه وفزع منه حتى يصل به الحال إلى الوسوسة, ولمثل هؤلاء يقال: إنَّ كل رؤيا تكرهها فعليك حين تستيقظ أن تنفث ثلاث مرات عن يسارك, وتتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضرك, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ", وفي رواية عند البخاري: "ولا يُحدِّث بها أحداً", وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الجَبَلِ؛ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا"(متفق عليه).

 

هذا هو الصحابي الجليل أبو سلمة -رضي الله عنه- كان يرى الرؤيا أثقل عليه من الجبل, وفي رواية صحيحة: "أنَّها تُمرضه"؛ وذلك من شدة وقعها عليه, فلمَّا سمع بهذا الحديث لم يعد يبالي بها, قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "إذا رأى الرجل أو المرأة أنه يضرب أو يهدد بقتل أو نحو ذلك؛ فإن ذلك من الشيطان فعليه حين يستيقظ أن ينفث عن يساره ثلاث مرات بريق خفيف, ويقول: أعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأيت, ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا"(ينظر مجموع فتاوى ابن باز).

 

معاشر المسلمين: إنَّ الأحلام والرؤى على أقسام ثلاثة: رؤيا حق, وحلم حديث نفس, وحلم من تخويف الشيطان وتلاعبه, وقليل هم أولئك الذين يُفرِّقون بينها؛ سواء كانوا من الرائين أو من المعبِّرين.

 

وأنت -أيها الرائي- عندما ترى رؤيا إن كانت تسرُّك فلا تذكرها إلا لمن تُحب, ولا تطلب تعبيرها إلا من المحب الثقة الحاذق للتأويل، فإن لم تجد فلا تسأل عنها من هبَّ ودب؛ فإنَّ بعضاً من الناس لا يبالي بسؤال الجهلة ومن ليس له علم بالتأويل, فإن لم يُعجبه تأويل فلان انتقل إلى آخر وهكذا ديدنه؛ حتى تصبح رؤياه شغله الشاغل, وهذا خطأ ينبغي على من وقع فيه التنبه له.

 

عباد الله: لقد راجت سوق معبِّري الرؤى حتى تجرأ عليها جاهل لا يفقه التأويل, فأساء وما أحسن, وأفسد وما أصلح, وإليكم وقفات مع معبري الرؤى:

الوقفة الأولى: وقفة نصح إلى من تجرأ على تأويل الرؤى وليس أهلا لها بأن يتقي الله ولا يُدخل نفسه في أمر يأثم عليه ولا يسلم عاقبته؛ ذلك أنَّ تأويل الرؤيا فتوى لا يصلح أن تصدر إلا من أهلها, قِيلَ لِمَالِكٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟! وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا؛ فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ, وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ, قِيلَ: فَهَلْ يَعْبُرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا, ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ, فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ".

 

الوقفة الثانية: أنّ بعضاً من معبري الرؤى يجزم بصحة تأويله, وفي هذا تزكية للنفس؛ إذ إنَّ تفسير الرؤيا اجتهاد, قد يُصيب المفسِّر وقد يخطئ, وقد يكون الخطأ أكثر من الصواب, وقد يكون تأويله لها خطأ بالكامل.

 

أما من كان أهلا للتأويل واجتهد في تأويل رؤيا؛ فإنَّه يربط ذلك بقوله للرائي: إن صدقت رؤياك وصدق تأويلي لها, فهي كذا وكذا والله أعلم بالصواب؛ إذ إنَّه قد تكون الرؤيا صادقة وقد لا تكون صادقة, بأن تكون حديث نفس, أو تخويف شيطان وتحزينه وتلاعبه, وإن كانت رؤيا صادقة فقد لا يصدق تأويل المعبِّر لها؛ فلينتبه لهذا الأمر فإنَّه مهم جداً.

 

الوقفة الثالثة: أنَّ على المعبِّر أن يكون نبيهاً فطناً؛ فقد يكذب الرائي فيسأله عن رؤيا لم يرها, أو يكذب في أثنائها, وقد كان أئمة السلف الذين عُرفوا بتأويل الرؤى إذا شكُّوا في صدق الرائي قالوا له: "اتق الله؛ فإنَّك لم تر شيئاً".

 

الوقفة الرابعة: على المعبِّر أن يسأل الرائي إن كان يفكِّر فيما رآه؛ فإن كان كذلك فهو حديث نفس لا تعبير له, فبعضهم قد يبيت على جوع أو على عطش؛ فيرى أنَّه يأكل أو يشرب, فهذا من حديث نفس لا تأويل له.

 

الوقفة الخامسة: على المعبِّر إذا سُئل عن رؤيا خافها الرائي أو كرهها أو أفزعته أن يُبيِّن له أنَّها من الشيطان, وينصحه بالاستعاذة من شرها وأن لا يُحدِّث بها أحداً, ويُطمئنه بأنَّها لا تضره, لا أن يعبرها له.

 

الوقفة السادسة: على المعبِّر أن ينصح ويعظ ويوجِّه الرائي التوجيه الصحيح عندما يؤول رؤياه, بما يتناسب مع ما رأى من حاله.

 

الوقفة السابعة: من معبِّري الرؤى -وهم قلة إن شاء الله- من يتسبب بتأويله لرؤيا رآها أحدهم في إذكاء عداوة بين متخاصمين, وقد يُفرِّق بين الصديق وصديقه, والزوج وزوجته, وبين الأخ وأخيه أو أخته, وبين أبناء العم والأقارب؛ فيفسد ولا يُصلح ويُفرِّق ولا يجمع, ويُخبِّب الزوجة على زوجها, أو يُبغِّض الزوج في زوجته, كل ذلك لأجل تأويله الذي لا يسلم من الخطأ, وجرأته التي جرَّته إلى ما فيه إثم وقطيعة رحم وإفساد؛ فليتق الله أولئك؛ فإنَّهم عن تأويلهم مسؤولون, ويوم القيامة محاسبون.

 

الوقفة الثامنة: إنَّ على المعبِّر إن لم يعرف تأويل الرؤيا أن يقول: لا أعلم, أو لم يتبين لي فيها شيء, وإن لم يتبين له التأويل الحسن فلا يعبِّر الرؤيا؛ لأنَّ بعض الرؤى تحتمل تأويلا حسناً طيباً قد يُوفق إليه غيره من حُذَّاق المعبِّرين.

 

الوقفة التاسعة: أنَّ بعض المعبِّرين يصرف وقتاً طويلاً لتعبير الرؤى, بل قد يجعل ذلك شغله وهمَّه الأول, وهذا خطأ؛ فإنَّ عليه حقوقاً أخرى يجب أن يعطيها حقَّها؛ فلنفسه عليه حق, ولأهل بيته حق, ولأقاربه وجيرانه حق, ولسعيه في طلب الرزق حق.

 

الوقفة العاشرة: أنَّ بعضاً من المعبِّرين لا يكتم على الناس رؤاهم ولا ما تبيَّن له من أحوالهم, وهذا خطأ يقع فيه بعضهم, والواجب على المعبِّر أن يكون كتوماً لا يُخبر برؤيا فلان أو فلانة, فإنَّ فيها أسراراً لا ينبغي البوح بها.

 

وعلى المعبِّرين أن يتقوا الله في تعبيرهم للرؤى، وأن لا يُقدم أحدهم على تعبير رؤيا لا يعرف لها تأويلاً.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فإنكم تعلمون -يا عباد الله- أنَّ الرؤيا لا يُبنى عليها حكم, ولكن قد يكون فيها بشرى للرائي أو من رؤيت له.

 

الوقفة الحادية عشرة: أنَّ من المتطفلين على تعبير الرؤى من جعل يتسلى بالكلام مع الرائي, وقد يكون محبَّاً للتطفل على أحوال الرائي ودقائق حاله, ومنهم من لا يَعبُر الرؤى إلا للنساء؛ فليُحذر ممن هذه صفته.

 

عباد الله: إنَّ على من رأى رؤيا -ذكراً كان أو أنثى- أن لا يغتر بتأويل المعبِّر حتى وإن كانت بشرى؛ فإن الرؤيا المبشِّرة تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه, وكذلك لا يجزم بصحة تأويل من عبرها له؛ ذلك أنَّ المعبِّر -ولو كان حاذقاً- قد يُصيب وقد يُخطئ بالكامل, أو يُخطئ في جزء من أجزائها.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

المرفقات

وقفات مع معبري الرؤى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات