نظرات نفسية في الصيام (2) ‘إن الله مبتليكم بِنَهَر‘

محمد كمال الشريف

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

 

 

 

 

   قال تعالى: "يا أيها النبي حرِّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون" (الأنفال 65) ، إذن بالصبر تتضاعف قدرة المؤمن على القتال وقوته في الحرب والبأس عشر مرات.. هذا هو الحال المثالي الذي يتحقق فيه للمؤمن أقصى درجات الصبر وأعلاها، ويبقى المثال فوق الواقع ، ولا عيب في ذلك، إذ المثال هو القمة التي يصبو إليها الإنسان ويسعى لبلوغها، والإنسان على الطريق الصحيحة ما دام متجهاً صوب المثال مهما تعثر وقام وتكرر تعثره وقيامه، ويبقى للضعف البشري أثره في جعل الواقع دون مستوى المثال.. لذا فإن المولى تعالى بعد أن حدثنا عن المؤمن الذي بلغ صبره مستوى المثال والكمال فتضاعفت قوته وقدرته على التغلب على عدوه عشر مرات، بعدها يحدثنا عن الواقع وعن رضاه منا وقبوله بما هو دون المثال بكثير، يقول تعالى: "الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين" (الأنفال 66)، فبالصبر تتضاعف قوة المؤمن أمام عدوه مرتين رغم الضعف الذي يمنع من بلوغ الصبر المثالي.
 
   ولنتفكر في ضوء ذلك بقصة بني إسرائيل الذين بعث الله لهم طالوت ملكاً عليهم يقودهم في القتال في سبيل الله، وكان ذلك إجابة لطلبهم "فلما كتب عليهم القتال تولَّوْا إلاّ قليلاً منهم" (البقرة 246).. وبعد أن شكل طالوت جيشاً من بني إسرائيل، وانطلق بهم مجاهداً في سبيل الله أراد له الله ألاّ يصحبه في جهاده إلاّ الصابرون منهم، فاختبرهم اختباراً بسيطاً يُظهر مدى صبرهم وبالتالي كفاءتهم المتوقعة في القتال الذي هم مقبلون عليه.. لقد كانوا عطاشاً وكان الاختبار هو أن يمتنعوا عن شرب الماء من نهر يمرون عليه في طريقهم، وكان في عذوبة ماء النهر إغراء لهم بالشرب منه، لكن كان مطلوباً منهم مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع إلى أن يأذن الله لهم بذلك بعد أن يجتازوا هذا الاختبار لصبرهم، ورحمة بهم رخص لهم أن يغترفوا من النهر غرفة باليد تبل الريق وترطب الفم.. قال تعالى: "فلما فصل طالوت بالجنود قال إنَّ الله مبتليكم بِنَهَر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنّه مني إلاّ من اغترف غرفة بيده.. فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم" (البقرة 249) ، ولم يرغب طـالوت إلاّ بهذه الفئة القليلة الصابرة كي تكمل معه مسيرة الجهاد والقتال في سبيل الله: "فلمـا جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قـال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفْرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنـا على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله .." (البقرة 249 – 251) .
 
   ألا يذكرنا اختبار الصبر الذي اختار طالوت جنوده على أساسه، ألا يذكرنا بصومنا في رمضان حيث نتدرب فيه كل عام على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع والتحكم بالنفس عموماً، وبالتالي على الصبر؟ والصبر على الطاعات وعلى حرمـان النفس من هواها الذي لا يتفق مع أمر الله، هذا الصبر من عناصر التقوى التي لا تقوم إلاّ بها، فالصوم في رمضان درس في الصبر وتربية للنفوس المؤمنة على تقوى الله.

 

نظرات نفسية في الصيام (1) ‘لعلـكم تتقون‘

 

نظرات نفسية في الصيام (3) ‘فإنــه له وجـاء‘

 

نظرات نفسية في الصيام (4) ‘فَلْيَقُلْ: إنــي صائـــم‘

 

نظرات نفسية في الصيام (5) ‘الصيـام لا يسبب العصبيـة‘

 

نظرات نفسية في الصيام (6) ‘لا حرج‘

 

نظرات نفسية في الصيام (7)

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات