نظرات نفسية في الصيام (4) ‘فَلْيَقُلْ: إنــي صائـــم‘

محمد كمال الشريف

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

 

  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجْزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنــي صائــم .." (متفق عليه).
 
   لقد كتب الله علينا الصيام في رمضان ليدربنا على التقوى ويجعلنا نجربها ونتذوقها، فننطلق من رمضان في رحلة تقوى تستمر طيلة العمر عاماً بعد عام، وفي كل عام نزداد تقوى لله من خلال صيامنا رمضان آخر.. ولا تكتمل تقوى المؤمن إلاّ بكظم الغيظ، إذ به يتجلى التحكم بالنفس وضبطها في جانب آخر غير الطعام والشراب والشهوة الجنسية، إنها شهوة الانتقام للنفس عند تعرضها لجهل الجاهلين واعتداء المعتدين، وهي شهوة مشروعة طالما بقي المؤمن عادلاً يعاقب بمثل ما عوقب به، فلا ينتقم ممن اعتدى عليه انتقاماً يفوق الإساءة التي تعرض لها فيصبح هو ظالماً لمن بدأه بالعدوان.. ولكننا في الصيام نمتنع عما أحل الله لنا من طعام وشراب وشهوة، ونمتنع معها عما أحل الله لنا من انتقام عادل لأنفسنا، وهو وإن كان امتناعاً مؤقتاً من الفجر إلى الغروب، لكنه يزيدنا قدرة على الامتناع الدائم عما حرم الله علينا من شهوات فيها الإثم والضرر.
 
   وفي رمضان يزداد المتقون حسن خلق، ويكظمون غيظهم فيكون صومهم أقرب ما يكون إلى الكمال، إذ لا قيمة للامتناع عن الطعام والشراب ما لم يرافقه حسن الخلق والامتناع عما يغضب الله من قول أو عمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري). لكن المؤسف أن البعض يزداد سوء خلق إذا صام في رمضان، ويقل صبره على أهله أو الناس الذين يتعامل معهم في عمله، ويحتج بأنه صائم وليس مستعداً لأن يتحمل أحداً.. إنه لا يصبر على مسبة أو مقاتلة، بل يثور في وجه من قد يلح عليه إلحاحاً بسيطاً طالباً منه حاجته، وصاحب الحاجة أرعن كما يقولون بحكم حرصه على حاجته.. ولو صح أن الصوم عن الطعام والشراب يؤدي إلى سوء الخلق لما كتبه الله علينا ليعلمنا التقوى من خلاله، ولو صح أن الجوع والعطش يجعلان الإنسان سيئ الخلق، لكنا قبلنا ذلك آخر النهار لا أوله، فالموظف الذي يسيء معاملة مراجعيه منذ الصباح الباكر متعللاً بأنه صائم، لا يمكن أن يكون الجوع والعطش سبباً لسوء خلقه وبخاصة إن كان قد تسحر كما يفعل أكثر الصائمين .
 
   قد يكون لدى البعض أسباب للعصبية في الصيام، لكن البعض الآخر يستفيد من رمضان كي يعطي نفسه هواها ويظهر غضبه وسوء خلقه مطمئناً إلى أن الصيام عذر مقبول، حيث يتسامح الناس معه على سوء خلقه أولاً لأنهم خير منه، فقد صـاموا عن الغضب وسوء الخلق مثلما صاموا عن الطعام والشراب، وثانياً لأنهم يحسنون الظن به ويصدقون أنه معذور حقاً في أن يكون سيئ الخلق بسبب الصيام، وهو لسوء خلقه المتأصل فيه يستغل هذه الفرصة ويظهر قلة أدبه.. ومثل هذا المؤمن الذي لم يكتمل إيمانه بعد مدعو لمراجعة نفسه والتذكر أن من الخير له أن يرضي ربه ويحسن خلقه ليدخل في عداد المتقين الذين تنتظرهم جنة عرضها السماوات والأرض .

 

 

نظرات نفسية في الصيام (1) ‘لعلـكم تتقون‘

 

نظرات نفسية في الصيام (2) ‘إن الله مبتليكم بِنَهَر‘

 

نظرات نفسية في الصيام (3) ‘فإنــه له وجـاء‘

 

نظرات نفسية في الصيام (5) ‘الصيـام لا يسبب العصبيـة‘

 

نظرات نفسية في الصيام (6) ‘لا حرج‘

 

نظرات نفسية في الصيام (7)

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات