قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة 183).. إذن التقوى هي الثمرة المرجوة من الصيـام. ولكن كيف يؤدي الصيام إلى التقوى؟ إن التقوى اتقاء لغضب الله، والسبيل إلى اتقاء غضبه هي اجتناب ما حرم، والامتناع عن الوقوع فيما نهى عنه، لكن أهواء النفوس ودواعي الانحراف عن هدي الله تحيط بالمؤمن وتغريه بالوقوع فيما حـرم الله، والشيطان قد كرس حياته ليزين للناس معصية الله، ويجعلهم يشتهونها، لما يظنون فيها من متعة أو منفعة.. والتقوى تتطلب قدراً كبيراً من التحكُّم بالنفس ومقاومة هواها: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى" (النازعات 40 – 41). والإنسان لا يولد متحكماً بنفسه ومسيطراً على أهوائه، بـل الطفل الصغير لا يكاد يصبر عن شهوة أو حاجة، إنما يطلب إشباع رغباته على الفور، ويزعجه ألاّ يحصل على ما اشتهاه، فيصرخ ويبكي ويصر على ما أغراه وحرك هواه، لكن هذا الصغير الذي تتحكم به أهواء نفسه وشهواتها يكبر ويتعلم من والديه والآخرين من حوله أن عليه أن يتحكم بأهوائه ويمنع نفسه عن شهواتها أحياناً، وأنـه لا يمكنه أن يفعل ما يشاء دائماً، ولا أن يتمتع بكل ما ترغب به نفسه، بل هنالك ممنوعات إذا وقع فيها وقعت عليه العقوبة وناله الألم النفسي أو الجسدي أو كلاهما معاً.. لذا كان الطفل المدلل الذي يغرقه والداه بكل ما يشتهيه من متع وأشياء، كان هذا الطفل أضعف الناس من حيث التحكم بأهوائه وضبط نفسه أمام المغريات. وعلماء النفس المعاصرون يرون أن التحكم بالنفس (Self Control) يتركب من مكوّنتين الأولى هي مقاومة الإغراء (Resistance to Temptation)، والثانية هي تأجيل الإشباعDelay of Gratification) )، حيث تعني مقاومة الإغراء أن يمتنع الإنسان عن فعل ما حُرِّم عليه رغم قدرته على ذلك وتوفر الفرصة أمامه للوقوع فيه، ويعني تأجيل الإشباع أن يحرم الإنسان نفسه من رغبة ومتعة عاجلة كي يحصل على متعة آجلة أعظم منها .. فالذي يمتنع عن أخذ ما ليس له رغم سنوح الفرصة لذلك مع أَمْنِ العقوبة فإنه يكون قد قاوم الإغراء، وأما الطالب الذي يحرم نفسه من اللعب والتسليـة كي يدرس أملاً في نجاح مشرِّف يستطيع بعده أن يلعب ويتسلى وهو يتمتع بالنجاح في الوقت نفسه، هذا الطالب يكون قد أجّل إشباع رغبته في اللعب والتسلية.. وبالتمرس على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع تنمو قدرة الإنسان على التحكم بنفسه ومقاومة هواه.
والذي يتأمل صيامنا في رمضان يجد فيه دورة سنوية مكثفة على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع وبالتالي على التحكم بـالنفس الذي يشكل أساساً هاماً للتقوى .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزَكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
نظرات نفسية في الصيام (2) ‘إن الله مبتليكم بِنَهَر‘
نظرات نفسية في الصيام (3) ‘فإنــه له وجـاء‘
نظرات نفسية في الصيام (4) ‘فَلْيَقُلْ: إنــي صائـــم‘
نظرات نفسية في الصيام (5) ‘الصيـام لا يسبب العصبيـة‘
نظرات نفسية في الصيام (6) ‘لا حرج‘
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم