عناصر الخطبة
1/ أهمية العلاقات الاجتماعية في دين الله 2/ الإخوة والأخوات أولى الناس بالصلة بعد الوالدين 3/ حقوق الأخوات على إخوانهن 4/ وجوب رعاية الأخ لأخواته إن لم يكن لهن عائل غيره 5/ من حقوق الأخوات 6/ التواصل بالأخت بعد زواجهااقتباس
والأخوات أضعف من الإخوة؛ لأن الذكر أقوى من الأنثى، فكان لهن من الحقوق على إخوانهن ما يقوي ضعفهن، ويزيل عجزهن، ويوفر الرعاية والحماية لهن، سواء كن أخوات شقيقات، أم أخوات لأب، أم أخوات لأم؛ فلكل واحدة منهن حقوق على أخيها؛ فالأصل أن الأخت تحب أخاها وتعتز به، وتحس بالأمن معه، ترفع به رأسها، وتقوي به ركنها ..
(الحَمْدُ لله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1-3]؛ نحمده على ما خلق وهدى، ونشكره على ما منح وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ كان أتقى الناس لربه، وأنصحهم لخلقه، وأوصلهم لرحمه؛ دعاهم للإيمان ليرفعهم، وحذرهم من الشرك لينقذهم، وصدع بالحق فيهم، وتحمل أنواع الأذى في دعوتهم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا حق الرحم كما عظمها الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
أيها الناس: للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية في الإسلام مقام عظيم، وعناية كبيرة، ومن أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- التي وصفته بها خديجة -رضي الله عنها- إبان نزول الوحي عليه قولها -رضي الله عنها-: "كَلاَّ والله ما يُخْزِيكَ الله أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ...". متفق عليه.
ومن عظيم ما يدل على أهميتها أن الأمر بها مقرون بالأمر بالتوحيد، كما أن النهي عنها مقرون بالنهي عن الشرك؛ ففي العهد المكي وقبل أن يجهر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة، وما آمن به إلا أبو بكر وبلال -رضي الله عنهما- أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى أرسله "بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ". رواه مسلم.
وفي حديث جعفر بن أبي طالب للنجاشي وحديث أبي سفيان لهرقل ذكرا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرهم بصلة الرحم وينهاهم عن قطيعتها؛ ما يدل على حضور هذا الحق للقرابة في كل مناقشة عن الإسلام، وأنها من أوجب فرائضه، وأهم خصائصه.
والإخوة والأخوات من أقرب القرابات، وهم أولى الناس بالصلة بعد الآباء والأمهات، ولا يحجبهم في الميراث إلا الآباء والأبناء.
والأخوة تكون في الدين، وتكون في النسب، وتكون في الرضاع، وكل أخوة عداها فهي من اختراع الناس، ولا اعتبار لها في شرع الله تعالى. وأعلى الأخوة أخوة الإسلام، وإذا اجتمعت معها أخوة النسب كان لصاحبها من الحقوق ما ليس لغيره، وللإخوة من الرضاعة حقوق هي أقل من حقوق أخوة النسب.
والأخوات أضعف من الإخوة؛ لأن الذكر أقوى من الأنثى، فكان لهن من الحقوق على إخوانهن ما يقوي ضعفهن، ويزيل عجزهن، ويوفر الرعاية والحماية لهن، سواء كن أخوات شقيقات، أم أخوات لأب، أم أخوات لأم، فلكل واحدة منهن حقوق على أخيها.
والأصل أن الأخت تحب أخاها وتعتز به، وتحس بالأمن معه، ترفع به رأسها، وتقوي به ركنها، تفرح لفرحه، وتحزن لمصابه، وتبكي لفراقه، ومن قرأ رثاء الخنساء -رضي الله عنها- لأخيها صخر بان له منزلة الأخ في قلب أخته.
وقد تُقدِّم الأخت أخاها في حال الخطر على زوجها وولدها من شدة محبتها له، ووجدها عليه، ووفائها لعهده، وحفظها لعشرته، وعدم نسيانها لطفولته؛ كما ذكر أهل السير أن الحجاج قال لامرأة أَسَرَ في بعض حروبه زوجَها وابنَها وأخاها: "اختاري واحدًا منهم، فقالت: الزوج موجود، والابن مولود، والأخ مفقود، أختار الأخ. فقال الحجاج: عفوت عن جماعتهم لحسن كلامها".
ولو لم يكن بين الأخ وأخته من رباط إلا أنهما من صلب واحد، أو حواهما رحم واحد، أو رضعا من ثدي واحد؛ لكان ذلك حقيقًا بحفظ حقها، ووفور مودتها، ورسوخ مكانتها، فكيف إذا اجتمع ذلك كله، وأغلب الإخوان والأخوات عاشوا طفولة واحدة، وكانوا تحت سقف واحد، واشتركوا في الطعام والشراب، وتقاسموا الأفراح والأحزان، وكبر أخوها وهي لا تحس به من شدة قربها منه، وطول عشرتها له، فوالله لا ينسى العشرة في أروع أيام العمر إلا من باعد عن الوفاء، وتنكر لأوثق روابط الإخاء.
عباد الله: تعرفوا على عناية الأخت بأخيها ومحبتها له في خبر ولادة موسى -عليه السلام-، وتسريب أمه له في التابوت ليحل في منزل فرعون، فأمرت الأم أخته باستطلاع خبره: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:13]، فما نعم موسى -عليه السلام- بلبن أمه وحجرها وحنانها إلا على يد أخته التي عرفت حق أمها وأخيها عليها، حتى إن الله تعالى لما كلم موسى -عليه السلام- ذكَّره بسعي أخته على مصلحته: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) [طه:40]، يا لها من أخت عظيمة سعت في مصلحة أخيها، وجمعته بأمه بعد ألم الفراق!! ولا يكاد يوجد أحد من الناس إلا وله أخوات أو أخت عظيمة تحس به، وتتمنى الخير له، وتسعى فيما يصلحه، وقد لا يحس بذلك ولا يشعر به ولا ينتبه له.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان وحيد أبويه، ولكن كان له إخوة من الرضاعة، ووقع له قصة مع أخته الشيماء بنت الحارث حين وقعت في الأسر مع بني سعد قالت: يا رسول الله: إني أختك من الرضاعة، قال: "وما علامة ذلك؟!"، قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العلامة فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه وخيرها وقال: "إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلتُ"، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فنحلها غلامًا وجارية وردها إلى قومها. وفي رواية قال لها: "سلى تعطي، واشفعي تشفعي".
وكل أمر جاء في الشريعة بصلة الأرحام أو نهى عن قطيعتها فالأخوات من أوائل الداخلات فيه، فلا أحد أقرب منهن إلى إخوانهن إلا الآباء والأمهات والزوجات والأولاد.
وإذا انتقلت ولاية الأخت إلى أخيها بوفاة والدها أو عجزه وجب عليه أن يحسن إليها، ويتفانى في خدمتها، ويوفر احتياجاتها، وأن يكون لها كأبيها؛ كما فعل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مع أخواته لما استشهد أبوه في أحد وخلفهن، وكن ست أخوات، فتزوج جابر -رضي الله عنه- امرأة تقوم عليهن، وضحى برغبته لأجلهن، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَزَوَّجْتَ؟!"، قلت: نعم، قال: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟!"، قلت: بَلْ ثَيِّبًا، قال: "أَفَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟!"، قلت: إِنَّ لي أَخَوَاتٍ؛ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. وفي رواية: إِنَّ لي أَخَوَاتٍ فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ. رواه الشيخان. فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما فعل لأجل أخواته.
والغيرة قد تشتعل بين أخت الرجل وزوجته، فعليه أن يكون عدلاً حكيمًا، لا يظلم زوجته لأجل أخته، ولا يبخس أخته حقها إرضاءً لزوجته، ولا يميل مع إحداهما على الأخرى، بل يحفظ لكل واحدة منهما حقها.
وإعالة الأخ لأخواته كإعالته لبناته في الثواب واستحقاق الجنة؛ كما في حديث أبي سَعِيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَكُونُ لأَحَدٍ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، أو ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أو أُخْتَانِ، فيتقي الله فِيهِنَّ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إلا دخل الْجَنَّةَ". رواه أحمد.
وصلة الأخت بالمال والهدية أولى من الصدقة على غيرها، ولما استشارت ميمونة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جارية تريد عتقها قال لها: "أَعْطِيهَا أُخْتَكِ، وَصِلِي بها رَحِمَكِ تَرْعَى عليها؛ فإنه خَيْرٌ لَكِ". رواه مالك مرسلاً.
ورحم الله تعالى زوجًا أعان زوجته على صلة أخواتها، وأمرها بذلك، ولم يمنعها منهن.
ومن إحسانه إلى أخواته أن يحفظ حقهن من ميراث أبيه، فلا يحتال لأخذه، ولا يفرط في صرفه، ومنعهن حقهن في الميراث هو من أفحش الظلم، وأعظم الجرم؛ لضعفهن عن أخذ حقهن، ولثقتهن بأخيهن، ولحاجتهن لميراث أبيهن.
وإذا خطبها كفؤ فلا يعضلها، ولا يحول بينها وبين الزواج؛ طمعًا في مالها، أو عدم مبالاة بحاجتها، أو يبادل بأخته فيقول: زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي، فهذا الشغار الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-. أو يساوم عليها الأغنياء، فيكرهها على من لا تريد لأجل ماله أو صحبته، أو يأخذ شيئًا من مهرها، فهو لها، ولا يحل له شيء منه إلا عن طيب نفس منها.
فإن طلقت أخته بعد زواجها، وانتهت عدتها، وعاد طليقها يريدها وهي تريده فلا يقف عثرة في سبيل رغبتها؛ لما روى مَعْقِلُ بن يَسَارٍ -رضي الله عنه- أن آية (فلا تَعْضُلُوهُنَّ)، نَزَلَتْ فيه، قال: "زَوَّجْتُ أُخْتًا لي من رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حتى إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جاء يَخْطُبُهَا، فقلت له: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا! لا والله لا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وكان رَجُلا لا بَأْسَ بِه، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إليه، فَأَنْزَلَ الله هذه الآيَةَ: (فلا تَعْضُلُوهُنَّ)، فقلت: الآنَ أَفْعَلُ يا رَسُولَ الله، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ". رواه البخاري.
وكم من أخ أحسن إلى أخواته فرفع الله تعالى ذكره، وأعلى شأنه؟! وكم من فقير أغناه الله تعالى بسبب قيامه على أخواته بعد أبيهن، وإعالته لهن، وإحسانه إليهن؟!
وكتبت إعلامية أمريكية مشهورة سيرتها الإعلامية الطويلة الناجحة في كتاب سمته: "تجربتي مع قادة العالم ومشاهيرهم"، أجمل ما فيه أنها أهدته لأختها المتخلفة عقليًّا، وقدمت له بمقدمة ضافية ذكرت فيها أنها سمت ابنتها على اسم أختها، وأن إحساسها منذ الصغر بمسؤوليتها تجاه أختها حفزها للجد والاجتهاد، حتى حازت هذا النجاح. فتأملوا وفاءها لأختها رغم تخلف عقلها، ولعلها وفقت في عملها بسبب قيامها عليها.
وفي الإسلام ما يدعو المؤمن إلى أكثر من ذلك؛ لما يرجو المؤمن من الثواب في الإحسان إلى أخواته، وقيامه عليهن.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل البر والصلة، وأن يجنبنا العقوق والقطيعة: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:22-24].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:131-132].
أيها الناس: كثير من الناس ينسون أخواتهم بعد زواجهن، فلا يصلونهن في بيوت أزواجهن، وسبب ذلك أنهم يرون أخواتهن أثناء زيارتهن لوالديهم، فيغفلون عن عظيم أثر اختصاصهن بالصلة، وهذا تقصير كبير في حقهن.
وإكرام الأخ زوج أخته هو إكرام لها؛ لأن زوجها سيكرمها بسبب إكرام أخيها له، ولا تسل عن فرح الأخت بزيارة أخيها لها في بيت زوجها، واعتزازها به عند أهله، وإحساسهم بعنايته بأخته، فيزداد إكرامهم لها؛ لما يرون من إكرام أخيها لها، فليست عندهم بدار مذلة ولا مضيعة، ولم يتخل عنها أهلها، وكم يفرح أولادها بخالهم ويعتزون به كما يعتزون بأعمامهم، ولا أجمل من تكرار صلتها حسب المستطاع.
فإن كانت أخته في بلد غير بلده فلا أقل من أن يتعاهدها بالمهاتفة بين حين وآخر، وإن شدَّ رحله لزيارتها فقد أدى طاعةً من أجلِّ الطاعات وأعظمها أجرًا في الآخرة، وأكثرها أثرًا في الدنيا، ولا تقتصر الصلة على الزيارة والمكالمة وإن كانت أشهرها عند الناس، بل ينبغي أن يصلها بالهدية، وبالصدقة إن كانت فقيرة، وبالسؤال عنها وعن أولادها، وبالكلمة الطيبة بحضرتها، والتبسم في وجهها، وأعلى ذلك وأهمه الدعاء لها ولذريتها.
وبُعْدُ الأخ عن أخته في طفولتهما لفراق أبويهما واقتسامهما، أو لقطيعة بين زوجات الأب أو أزواج الأم، كل أولئك يجب أن لا يكون سببًا في قطيعة الأخ لأخته؛ فإنها ضحية مثله، وجناية أبويهما عليها أشد من جنايتهما عليه، فليطهر قلبه عليها، ولينس الماضي بما فيه من سوء، وليصلها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وعلى الأخ أن لا يفرق في المعاملة والحفاوة بين عيال إخوانه وعيال أخواته بحجة أن عيال أخوانه يحملون لقبه؛ فإن الأخوات يلحظن ذلك، ويحزنهن ويؤثر في قلوبهن، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد عدَّ ابن الأخت من القوم؛ فقد دعا الأنصار في شأن خاص فقال: "هل فِيكُمْ أَحَدٌ من غَيْرِكُمْ؟! قالوا: لا، إلا ابن أُخْتٍ لنا، فقال: ابن أُخْتِ الْقَوْمِ منهم". رواه الشيخان.
ومن الإحسان إلى الأخت بعد موتها: تفقد ولدها وزوجها، والدعاء لها، وإبراء ذمتها مما عليها من الحقوق؛ لما روى ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رَسُولَ الله: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قال: "أَرَأَيْتِ لو كان على أُخْتِكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟!"، قالت: بَلَى، قال: "فَحَقُّ الله أَحَقُّ". رواه ابن ماجه.
ألا فاتقوا الله ربكم، واعرفوا حقوق أخواتكم عليكم، وصلوهن بما تستطيعون من أنواع الصلة؛ فإن في الصلة بسطًا في الرزق، وطولاً في العمر، مع ما فيها من أجر عظيم في الآخرة، ولا يحرم فضل ذلك إلا محروم.
وصلوا وسلموا على نبيكم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم