مجالات تربية الشباب (3) التربية البدنية والصحية والنفسية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-04-11 - 1443/09/10 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية التربية البدنية والنفسية 2/مبادئ التربية الصحية والنفسية للشباب وسبل تعزيزها 3/ثمرات التربية الصحية والنفسية للشباب 4/علاقة الصحة الجسدية بالصحة النفسية.

اقتباس

اعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ تَرَابُطًا وَثِيقًا بَيْنَ الصِّحَّةِ الْجَسَدِيَّةِ وَالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ؛ فَإِنْ سَاءَتِ الْحَالَةُ النَّفْسِيَّةُ لِلشَّابِّ وَاعْتَرَاهُ الْقَلَقُ وَالتَّوَتُّرُ وَغَزَاهُ احْتِقَارُ النَّفْسِ وَرَكِبَهُ الْهَمُّ وَالْحَزَنُ، نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ -لَا مَحَالَةَ- وَهْنُ الْبَدَنِ وَالْقُعُودُ عَنِ الْعَمَلِ، بَلْ وَقَدْ تُودِي الشِّدَّةُ النَّفْسِيَّةُ بِصِحَّةِ الْجَسَدِ حَتَّى يَفْنَى...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ الشَّبَابَ قُوَّةً وَفُتُوَّةً، وَعَمَلًا وَجِدًّا، وَبِنَاءً وَإِعْمَارًا، فَأَغْلَبُ مَنْ نَبَغَ وَفَاقَ أَقْرَانَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي سِنِّ الشَّبَابِ، وَأَغْلَبُ مِنْ بَنَى وَشَيَّدَ وَأَنْجَزَ إِنَّمَا كَانُوا فِي فُتُوَّةِ الشَّبَابِ، وَلَقَدْ كَانَ أَغْلَبُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ قَامَ عَلَى أَكْتَافِهِمُ الدِّينُ مِنَ الشَّبَابِ، وَحَتَّى يَكُونَ شَبَابُنَا الْيَوْمَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ جِسْمٍ سَلِيمٍ وَنَفْسٍ قَوِيمَةٍ؛ لِأَنَّ مَرِيضَ الْجَسَدِ وَمُضْطَرِبَ النَّفْسِ لَا يَبْنِيَانِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ عُنِيَ الْإِسْلَامُ بِصِحَّةِ الشَّبَابِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ أَيَّمَا عِنَايَةٍ، فَهَا هُوَ نَبِيُّ الْإِسْلَامِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، يَقُولُ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "الْقُوَّةُ هُنَا الْمَحْمُودَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا فِي الطَّاعَةِ مِنْ شِدَّةِ الْبَدَنِ.. وَقَدْ تَكُونُ الْقُوَّةُ هُنَا فِي الْمِنَّةِ وَعَزِيمَةِ النَّفْسِ.. أَوْ تَكُونُ الْقُوَّةُ بِالْمَالِ وَالْغِنَى.. وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ ظَاهِرَةٌ فِي الْقُوَّةِ".

 

وَهَا هُوَ الْفَارُوقُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: "عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ"، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا تَقْوِيَةً لِأَبْدَانِهِمْ وَإِعْدَادًا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

 

وَصِحَّةُ الْبَدَنِ نِعْمَةٌ يَمْتَنُّ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَا عَلَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

كَذَلِكَ فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الْقَلْبِ وَصِحَّةَ النَّفْسِ مِمَّا جَاءَ الِاهْتِمَامُ بِهِ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ؛ فَهَذَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُنَا فَيَقُولُ: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، فَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا مَشْغُولُونَ بِدُنْيَاهُمْ فَكَيْفَ يَثْبُتُونَ فِي جِهَادٍ أَوْ يَخْشَعُونَ فِي صَلَاةٍ؟!

 

وَلِذَا قَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَخَلَّصُونَ مِنْ كُلِّ مَا يَشْغَلُ قُلُوبَهُمْ وَيُسَبِّبُ لَهُمْ مَيْلًا نَفْسِيًّا، فَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- بَاعَ جَمَلًا، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمْسَكْتَهُ! فَقَالَ: "قَدْ كَانَ لَنَا مُوَافِقًا، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَذْهَبَ بِشُعْبَةٍ مِنْ قَلْبِي فَكَرِهْتُ أَنْ يَشْتَغِلَ قَلْبِي بِشَيْءٍ"(رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِتَرْبِيَةِ الشَّبَابِ صِحِّيًّا وَنَفْسِيًّا مَبَادِئَ يَجِبُ أَنْ تُتَّبَعَ، وَمِنْهَا:

الْعِنَايَةِ بِأَبْدَانِهِمْ: فَيَجِبُ تَوْفِيرُ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ لَهُمْ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ"، بَلْ لَا يَجْدُرُ بِكَ التَّصَدُّقُ مَا لَمْ تُوفِّ حَاجَةَ مَنْ تَعُولُ، فَفِي الْبُخَارِيِّ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".

 

وَيُكْرَهُ إِنْهَاكُ أَجْسَادِ الشَّبَابِ وَلَوْ كَانَ فِي عِبَادَةٍ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتِ الْعَيْنُ، وَنَفَهَتِ النَّفْسُ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِمَا أَيْضًا: "فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا".

 

وَمِنْ مَبَادِئِ التَّرْبِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ لِلشَّبَابِ: مُشَارَكَتُهُمْ فِي مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ: فَهَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُشَارِكُهُمْ فِي مُمَارَسَتِهَا، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَابِيًّا فَسَبَقَهُ، فَكَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدُوا فِي نَفْسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْءٌ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ).

 

وَقَدْ كَانَ يَأْمُرُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّبَابَ أَنْ يُمَارِسُوا الرِّيَاضَةَ، بَلْ وَيُشَارِكُهُمْ فِيهَا، فَقَدْ مَرَّ عَلَى نَفَرٍ يَنْتَصِلُونَ فَقَالَ لَهُمْ: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ" قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟"، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَتَرْوِي أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَتَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا خَفِيفَةُ اللَّحْمِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "تَقَدَّمُوا" ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقَنِي فَسَبَقْتُهُ"، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ آخَرَ، وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "تَقَدَّمُوا"، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ"، فَسَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَضَرَبَ بِيَدِهِ كَتِفِي وَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

فَانْظُرْ -أَخِي الْمُسْلِمَ- كَيْفَ جَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ الْوَقَائِعِ بَيْنَ إِصْلَاحِ الْأَبْدَانِ بِمُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ وَبَيْنَ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ بِمُشَارَكَتِهِمْ وَمُسَابَقَتِهِمْ وَمُلَاطَفَتِهِمْ.

 

وَيُؤَصِّلُ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرِّيَاضَةَ قَائِلًا: "لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ أَوْ خُفٍّ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَقَائِلًا: "كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ إِلَّا أَرْبَعٌ: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْ مَبَادِئِ التَّرْبِيَةِ النَّفْسِيَّةِ: الْحِرْصُ عَلَى تَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَعَدَمِ كَسْرِهَا: يَحْكِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَيَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَيَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: "إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمِثْلُهَا مَا رَوَاهُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَفِي الْمَوْقِفَيْنِ حَرَصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمَا الْأَمْرَ وَيُوَضِّحَ لِتَسْتَقِيمَ نُفُوسُهُمَا.

 

وَمِنْ مَبَادِئِ التَّرْبِيَةِ النَّفْسِيَّةِ لِلشَّبَابِ: الْبُعْدُ بِهِمْ عَنْ مَوَاطِنِ الْفَوَاحِشِ وَاقْتِرَافِ الذُّنُوبِ: فَإِنَّهَا سَبَبُ صَدَأِ النَّفْسِ وَمَرَضِ الْبَدَنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الْمُطَفِّفِينَ: 14]"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَصَدَقَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ إِذْ يَقُولُ: "سَقَمُ الْجَسَدِ بِالْأَوْجَاعِ وَسَقَمُ الْقُلُوبِ بِالذُّنُوبِ"، وَيَذْكُرُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- نَمَاذِجَ لِلذُّنُوبِ الَّتِي تُمْرِضُ النُّفُوسَ وَتَفْتِنُهَا قَائِلًا: "بُنِيَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى ثَلَاثٍ: النِّسَاءِ وَهُنَّ فَخُّ إِبْلِيسَ الْمَنْصُوبُ، وَالشَّرَابُ وَهُوَ سَيْفُهُ الْمُرْهَفُ، وَالدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَهُمَا سَهْمَاهُ الْمَسْمُومَانِ، فَمَنْ مَالَ إِلَى النِّسَاءِ لَمْ يَصْفُ لَهُ عَيْشٌ، وَمَنْ أَحَبَّ الشَّرَابَ لَمْ يُمَتَّعْ بِعَقْلِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ كَانَ عَبْدًا لَهُمَا مَا عَاشَ".

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا إِنْ أَحْسَنَّا تَرْبِيَةَ الشَّبَابِ صِحِّيًّا وَنَفْسِيًّا أَثْمَرَ ذَلِكَ ثَمَرَاتٍ يَانِعَاتٍ، وَمِنْهَا:

أَوَّلُهَا: النُّبُوغُ الْعِلْمِيُّ وَالدِّرَاسِيُّ: فَهَذَا عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ يُرَبِّي الْإِمَامَ الذَّهَبِيَّ نَفْسِيًّا وَيُقَوِّمُهُ ذِهْنِيًّا، فَيَكُونُ سَبَبًا فِي نُبُوغِهِ وَبَرَاعَتِهِ، يَحْكِي عَنْهُ الذَّهَبِيُّ قَائِلًا: "وَكَانَ هُوَ الَّذِي حَبَّبَ إِلَيَّ طَلَبَ الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّهُ رَأَى خَطِّي فَقَالَ: خَطُّكَ يُشْبِهُ خَطَّ الْمُحَدِّثِينَ، فَأَثَّرَ قَوْلُهُ فِيَّ، وَسَمِعْتُ وَتَخَرَّجْتُ بِهِ فِي أَشْيَاءَ".

 

وَمِنْهَا: قُدْرَةُ الشَّبَابِ عَلَى الْعَمَلِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّعْمِيرِ: فَبِسَوَاعِدِ الشَّبَابِ الْقَوِيَّةِ وَبِعَزِيمَةِ نُفُوسِهِمُ الْفَتِيَّةِ الطَّمُوحَةِ الْمُتَوَثِّبَةِ إِلَى الْمَعَالِي تُبْنَى الْحَضَارَاتُ وَتُرْفَعُ مَنَارَاتُهَا.

شَبَابٌ قُنَّعٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ *** وَبُورِكَ فِي الشَّبَابِ الطَّامِحِينَ

 

وَمِنْهَا: حِمَايَةُ الشَّبَابِ لِلثُّغُورِ: كَحِمَايَةِ الدِّينِ وَالْوَطَنِ وَالذَّوْدِ بِاللِّسَانِ ضِدَّ مَنْ يُهَاجِمُونَهُ، فَيَنْشَأُ الشَّبَابُ غَيُورِينَ عَلَى الدِّينِ كَمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ اللَّذَيْنِ تَسَابَقَا أَيُّهُمَا يَقْتُلُ أَبَا جَهْلٍ، فَمَا زَالَا كَذَلِكَ حَتَّى أَجْهَزَا عَلَيْهِ، وَأَتَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُمَا: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَمَنْ زَرَعَ فِي أَجْسَادِ الشَّبَابِ قُوَّةً وَفِي نُفُوسِهِمْ فُتُوَّةً، حَصَدَ مِنْ ثَمَرَاتِ جُهْدِهِمْ خَيْرًا مِمَّا زَرَعَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ تَرَابُطًا وَثِيقًا بَيْنَ الصِّحَّةِ الْجَسَدِيَّةِ وَالصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ؛ فَإِنْ سَاءَتِ الْحَالَةُ النَّفْسِيَّةُ لِلشَّابِّ وَاعْتَرَاهُ الْقَلَقُ وَالتَّوَتُّرُ وَغَزَاهُ احْتِقَارُ النَّفْسِ وَرَكِبَهُ الْهَمُّ وَالْحَزَنُ، نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ -لَا مَحَالَةَ- وَهْنُ الْبَدَنِ وَالْقُعُودُ عَنِ الْعَمَلِ، بَلْ وَقَدْ تُودِي الشِّدَّةُ النَّفْسِيَّةُ بِصِحَّةِ الْجَسَدِ حَتَّى يَفْنَى، وَقَدْ قِيلَ: "الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ"، وَقَدِيمًا قَالَ الْمُتَنَبِّي:

وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً *** وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الْغُلَامِ وَيُهْرِمُ

 

وَكَمَا تَجْنِي الشِّدَّةُ النَّفْسِيَّةُ عَلَى الصِّحَّةِ الْبَدَنِيَّةِ، فَكَذَلِكَ -عِبَادَ اللَّهِ- تَقْوَى الْأَجْسَادُ وَتَنْشَطُ تَبَعًا لِلْحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ، وَهَذَا مُجَرَّبٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.

 

فَاحْرِصُوا -مَعَاشِرَ الْآبَاءِ- عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِكُمْ بَدَنِيًّا وَصِحِّيًّا وَنَفْسِيًّا، يَنْفَعُكُمُ اللَّهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِلَّا فَالْخَوْفُ كُلُّ الْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ جِيلُ الشَّبَابِ الَّذِي تَخَرَّجَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِينَا هَزِيلًا خَائِرًا ضَعِيفًا عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ.

 

فَاللّهُمَّ قَوِّمْ أَبْدَانَ شَبَابِنَا، وَأَصْلِحْ نُفُوسَهُمْ، وَاجْعَلْهُمْ أَطْهَارًا أَسْوِيَاءَ.

 

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

مجالات تربية الشباب (3) التربية البدنية والصحية والنفسية.pdf

مجالات تربية الشباب (3) التربية البدنية والصحية والنفسية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات