عناصر الخطبة
1/ تعظيم الله تعالى 2/ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم؟ 3/ تعظيم الملائكة والأنبياء لربنا سبحانه 4/ تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لله تعالى 5/ توقير الخالق وتعظيمه 6/ هل نحن نعظّم ربنا الجليل؟اقتباس
أمَا والله لو رسخ تعظيم الله في قلوبنا، لما كان بيننا من يسمع نداء الحق ينادي للصلاة، فيرضى بأن يكون مع الخوالف المستنكفين عن إجابة النداء.. أما والله لو عظّمنا الله حق التعظيم لما تخلف متخلف عن صلاة الفجر حتى بال الشيطان في أُذنيه.. ما عظَّم الله تعالى قطيع المتزندقين الذين يستخفون بمقام رب العالمين، ويستهزئون بشرائع الدين، والتطاول على قامات المرسلين، ثم يتسترون بالأيمان الكاذبة.. ما عظَّم الله تعالى من ردَّ نصوص الوحيين، أو التفَّ عليها بتأويلات عقلية ..
إخوة الإيمان: كلماتٌ معدودات، وعباراتٌ مختصَرات، تهزُّ الكيان، وتوقِظُ الوجدان، تَلِين لها القلوبُ القاسية، وتصحو معها النفوسُ الغافلة، وتذوبُ لها الأحاسيسُ المتبلدة.
قالها أولُ رسولٍ من أولي العزمِ من الرسل، وعَظَ بها بعد أن دعا قومه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، فما كان من قومِه إلا الاستنكاف والإعراض والاستكبار حتى جعلوا أصابعَهم في آذانهم واستغشوا ثيابَهم، وأصروا واستكبروا استكبارًا.. عندها زفرت نفسُه وجاشتْ، بهذه الكلمات، وما أعظمها من كلمات، قال نوح عليه السلام واعظاً ومذكراً: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].
فما أحوجنا أن نتخلَّقَ بهذا الخُلقِ العظيمِ في قلوبنا! كم نحن بحاجةٍ لهذه الموعظةِ البليغةِ الموجَزة وقد تشتَّتْ قلوبُنا في مساربِ الدنيا وملهياتِها، وطنينِها ورنينِها، حتى فترتْ بذلك عباداتُنا، وتجرَّأتْ على الخطايا جوارحُنا!!
كم نحن بحاجةٍ أن نستشعرَ عظمةَ اللِه وقد أُمْطِرنا بالشهوات، والتفَّتْ حولنا الشبهات، وتعلقنا بالماديات، وتنافسنا في المظهريات.
فـ(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6- 8].
(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس: 17]، كلُّ نعمةٍ وفضلٍ وخيرٍ يتقلب فيه، فهو من الله، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53]، عيشه، نومه، يقظته، صحته، أكله، شرابه، عقله، وجوده، كلها نعم دارَّات من الله تعالى (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) [عبس: 18- 21].
عجباً منك أيها الإنسان، كيف تُخاصم وتَكفُرْ، وتُعرِضُ وتَفْجُرْ، (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس: 77].
يا أيها الإنسان.... قد خرَّتْ لعظمة ربِّك الجبالُ الراسيات، وتشققتْ من خشيتِه الصخورُ القاسياتْ (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشر: 21]..
(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13]... تأمل في إعظام المخلوقات لله جلَّ جلاله، فهذه الجبالُ العالياتُ الشاهقات، تطامنت، وأعظمت مما تفوَّه به بنو آدم (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 88- 95].
هذه السموات على ارتفاعها وانبساطها، وتلك الأرض على امتدادها واتساعها، هذه الشمس، وهذا القمر، ذاك الشجر، وتلك الدواب، كلُّ أولئك يعظمون الله، ويسبحون له إجلالا وخضوعاً (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [الحج: 18].
سبحان من (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44].
(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13]... يا ابن آدم تأمَّلْ في حجمك لتعرفَ قَدْرَك، ما حجمُك بالنسبة لبلدك الذي تعيش فيه؟! ثم ما حجمُ بلدِك بالنسبة لهذه الأرض؟! ثم ما حجمك أنت في هذه الأرض الواسعة، فأنت إذاً ذرَّة من ذرات الأرض. هذه الأرض يقبضها الرحمن يوم الدين فيقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون. هذه الأرض الواسعة الفسيحة ما هي إلا قطعة صغيرة جداً في حجم المجرات الكونية الكثيرة المتباعدة.
روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد، والطبراني في المعجم الكبير بسند صحّحه الذهبي وابن القيم عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله، وله حكم الرفع: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمس مائة عام، وبين كل سماء خمس مائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمس مائة عام، وبين الكرسي والماء خمس مائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
ثم تأمل في خَلْقٍ من مخلوقات الله، وهم الملائكة، يصف نبينا صلى الله عليه وسلم ملَكاً من ملائكة العرش فيقول: "أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن مَلَك من ملائكة حملة العرش ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" رواه أبو داود وصححه الألباني، فهذا الحجم الكبير _ الذي لا يمكن أن يتخيله ويدركه العقل _ هو لما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، فكيف بحجمه هو، وهذا ملَك واحد، فكيف ببقية حملة العرش (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) [الحاقة: 17].
أما جبريل عليه السلام فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية، له ستمائة جناح، قد سدَّ كل الأفق. متفق عليه من حديث ابن مسعود.
هذا الخَلْقُ العظيم لم يستنكف عن تعظيم الله تعالى وإجلاله، فهم من خشيته مشفقون، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل: 50].
وهذا الروح الأمين رآه سيد المرسلين ليلة أُسري به فإذا هو كالحِلْس البالي من خشية الله، رواه الطبراني وغيره، وصححه السيوطي وحسنه الألباني.
عباد الله: وعَرَفَ عظَمةَ الله، أنبياءُ الله فكانوا يسارعون في الخيرات ويدعون ربَّهم خوفًا وطمعًا، وكانوا لربهم خاشعين..
يأتي رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: إنا نَسْتَشْفِعُ بالله عليك.. فجَعَل النبيُّ صلى الله عليك وسلم يقول: "سبحان الله، سبحان الله"!! فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه رضي الله عنهم، ثم قال: "ويحك، أتدري ما الله ! إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه".
نعم.... لقد ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه المعاني في تعظيم الله وإجلاله وتوقيره، فكان الواحد منهم من أثر هذه التربية المحمدية سريع الدمعة، رقيق القلب، مرهف الإحساس، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت مثلها قط، ثم قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا"، قال أنس: " فغطَّى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهم ولهم خنين. والخنين انتشار صوت البكاء من الأنف".
لقد خرَّج نبينا صلى الله عليه وسلم للبشرية جيلاً فريداً في تعظيمه وإجلاله لربه جل جلاله. فها هو الصديق رضي الله عنه ، كان رجلاً أسيفًا، يبكي كثيرًا، كان إذا قام إلى مصلاه كأنه عود من خشية الله .. وهذا الفاروق رضي الله عنه كان في وجهه خطَّان من البكاء من خشية الله، يخرج عمر من بيته، فيسمع قارئاً يقرأ: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) [المدثر: 8- 10]، فتأثر مما سمع، وبكى، حتى سقط مغشياً عليه.
قال هشام بن الحسن: كان عمر يمر بالآية في ورده، فتخنقه، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته، حتى يعاد، يحسبونه مريضاً.
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد كان يتلون وجهه !! من ماذا ؟ من عدوٍّ؟ كلا... كان يتلون وجهه إذا حانت الصلاة، من شدة تعظيمه لمن سيقف بين يديه.
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أهلَ خشية لله وتوقير لكلامه، كانوا يعظمون الله بتعظيم أمره وحكمه، والرضا به ، والتحاكم إليه.
كانت الآية والآيات تنزل عليهم فلا اعتراض عليها ولا التفاف، ولا ارتياب فيها ولا استخفاف، وإنما هو التسليم والانقياد، شعارهم: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].
كان من تعظيمهم لله أنهم يقدمون أمر الله على كل محبوب ومرغوب، فها هم نفر من صحابة رسول الله عليه وسلم كانوا يشربون خمراً، ولا يطيقون عنها صبراً، فلما طرق أسماعهم قولُ الله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90] قالوا: انتهينا، انتهينا.. كان الواحد يمسك الكأس قد شرب نصفها، فيأتيه الحكم بتحريمها فما يُكْمِلُها.
هذه بعض أخبار سلفكم في توقير الخالق وتعظيمه، امتلأت قلوبهم له إجلالاً، فانطلقت بعد ذلك جوارحهم عملاً، وإخلاصاً، لم يكونوا أهل مهاترات ومجادلات، بل كانوا أهل خشية، وهدى، وعمل، ولذا أضحت سيرتهم سلفاً ومثلاً لكل جيل أتى بعدهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29]..
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله.....
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اجتبى، أما بعد: فيا إخوة الإيمان: هكذا كان أسلافكم وإجلالهم للحق تعالى، ولذا استحقوا العز والتمكين، فأصبحوا ظاهرين، وخلَّد التاريخ أخلاقهم وأعمالهم وأقوالهم، كل ذلك ببركة إخلاصهم وإجلالهم لله المستحق للجلال.
هكذا كانوا هم بالأمس، فما حالنا اليوم ؟ ما حالنا حقاً وصدقاً مع قول ربنا: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].
أمَا والله لو رسخ تعظيم الله في قلوبنا، لما كان بيننا من يسمع نداء الحق ينادي للصلاة، فيرضى بأن يكون مع الخوالف المستنكفين عن إجابة النداء.
أما والله لو عظّمنا الله حق التعظيم لما تخلف متخلف عن صلاة الفجر حتى بال الشيطان في أُذنيه.
أما والله لو عظمنا نهيَ الله تعظيماً لله، لما وجد بيننا من يفري في أعراض المسلمين غيبة، ونميمة، وسخرية، وقذفاً، وقد خالق خالقنا: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
أما والله لو عظَّمنا الله حق التعظيم لقمنا غيرةً على دينه، وذباً عن شريعته أمام كل ملبِّس ومحرف، (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39].
ما عظَّم الله تعالى قطيع المتزندقين الذين يستخفون بمقام رب العالمين، ويستهزءون بشرائع الدين، والتطاول على قامات المرسلين، ثم يتسترون بالأيمان الكاذبة (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) [التوبة: 74].
ما عظَّم الله تعالى من ردَّ نصوص الوحيين، أو التفَّ عليها بتأويلات عقلية، وإيرادات فلسفية، متَّبعاً لهواه، ومشرعناً لانحرافه.
ما قدر الله حق قدره من استخفى من الناس، فكان معهم ناسكاً متنسكاً، وإذا غاب عنهم كان فاجراً متهتكاً (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) [النساء: 108].
هل عظَّم الله تعالى من أرسل طرفه على محارم المسلمين، يتبع عوارتهم، ويستبيح حرماتهم، وهو يعلم أن الله يغار، وغيرة الله أن تُنتَهك محارمه؟!
أين تعظيم الله تعالى يا زوار المواقع الإباحية، ويا هواة الصور الغرامية، يا حسرتنا وأسفنا على شبابنا وفتياتنا حين يتعلقون بهذا المستنقع الأخلاقي.
وأين أين تعظيم الله وتعظيم حكمه ممن يتهربون من التكاليف، ويتتبعون شذوذ أقوال الفقهاء، ثم يتذرعون بعد ذلك بالخلاف للتحلل من الواجبات، حتى رقَّ الدين ولان، فكل مسألة فيها قولان.
أما والله لو عظمنا الله لاستحيينا من الله أن يرانا حيث نهانا، أو أن يفقدنا حيث أمرنا.
أما والله لو عظمنا مقام رب العالمين لما وجد فينا من يأكل الربا، ولا من يطلق بصره في مشاهدة الفجور والخنا.
ولو عظمنا حرمات الله لما عقَّ ولد، ولا قُطعت رحم، ولا ظلم باغٍ، ولا تزاهى متعالٍ.
وأخيرًا فيا أهل الإيمان اعلموا رحمكم الله أن إجلال الله تعالى وتوقيره، هو أساس الانقياد، والطريق الموصل لمقام الإحسان.
إجلال الخالق يورث العز بالإسلام، والثبات على الدين.
تعظيم الخالق يبعث على الإخلاص، والتوكل، والصبر، والرضا، وكلها أعمال قلبية يحبها الله، ويجزي عليها الجزاء الأوفى.
اللهم املأ قلوبنا إجلالاً لك، وأحيي نفوسنا من غفلتها ورقدتها
اللهم صل على محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم