خطبة عيد الفطر المبارك 1437هـ (دين الحق)

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ شكر الله على نعمتي الصيام والقيام 2/ ضرورة الاستمرار على الطاعة بعد رمضان 3/ الثقة واليقين بالله رب العالمين وبدينه القويم 4/ المستقبل لهذا الدين 5/ تهاوي مذاهب أهل الضلال 6/ وصايا للمرأة المسلمة 7/ مظاهر العيد عند المسلمين.

اقتباس

إِنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي مُحَاوَلَاتِهِمْ لِوَأْدِ الْحَقِّ مَا تَرَكُوا سَبِيلًا إِلَّا سَلَكُوهُ، وَلَا سِلَاحًا إِلَّا جَرَّبُوهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ سَحَقُوا الْحُرِّيَّةَ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّهَا أَعْلَى قِيمَةٍ يَمْلِكُونَهَا، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيَأْتِيهِمْ مِنْ بَابِهَا، وَتِلْكَ أَعْظَمُ هَزِيمَةٍ فِكْرِيَّةٍ فِي التَّارِيخِ المُعَاصِرِ، وَإِنَّ سُقُوطَ الْأَفْكَارِ مُؤْذِنٌ بِسُقُوطِ مَنْ يَحْمِلُونَهَا، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ فِي أَحْدَاثِ هَذِهِ السَّنَوَاتِ سُقُوطَ الْفِكْرِ الْقَوْمِيِّ الْعَلْمَانِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ اللِّيبْرَالِيِّ الْغَرْبِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ الْبَاطِنِيِّ، فَمَا عَادَ لَهَا مَحَلٌّ فِي قُلُوبِ عَامَّةِ المُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَضَائِحِ المُتَوَالِيَةِ لِأَرْبَابِهَا وَحَمَلَتِهَا وَدُعَاتِهَا.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلهِ الْمَحْمُودِ بِلِسَانِ المُؤْمِنِينَ، المُتَفَضِّلِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، لَا نُحْصِي نِعَمَهُ، وَلَا نَعُدُّ آلَاءَهُ، وَلَا نُحِيطُ بِإِحْسَانِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

 

الْحَمْدُ لِلهِ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ يُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ جُودِهِ وَبِرِّهِ، فَلَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ، وَلَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَدَبَّرَهُمْ وَرَزَقَهُمْ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ وَمَآبُهُمْ، وَعَلَيْهِ حِسَابُهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ، لَا يَعْدِمُ الْخَلْقُ مِنْهُ خَيْرًا وَبِرًّا، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، آجَالُهُمْ وَأَرْزَاقُهُمْ بِيَدِهِ، وَحَاجَاتُهُمْ وَمَسَائِلُهُمْ عِنْدَهُ، لَا يَخِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَلَا يَضِيعُ مَنْ رَجَاهُ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ يُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَرْفَعُ وَيَضَعُ، وَيُغْنِي وَيُفْقِرُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ خَرَجَ المُؤْمِنُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ لِتَعْظِيمِهِ وَتَكْبِيرِهِ، فَمَا أَرْوَعَ جُمُوعَهُمُ الْعَظِيمَةَ وَهِيَ تَخْرُجُ لِعِيدِهَا مُكَبِّرَةً لِرَبِّهَا سُبْحَانَهُ، مُعَظِّمَةً لِشَعَائِرِهِ! تَتَدَفَّقُ مِنَ الْأَزِقَّةِ وَالطُّرُقِ لِتَحْتَشِدَ فِي مُصَلَّيَاتِهَا؛ فَسُبْحَانَ مَنْ هَدَاهَا إِلَيْهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ دَلَّهَا عَلَيْهِ! وَسُبْحَانَ مَنْ سَيَّرَهَا لِتَشْهَدَ صَلَاتَهَا وَتَفْرَحَ بِعِيدِهَا! (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ شَرَعَ لِأُمَّتِهِ الْأَعْيَادَ الشَّرْعِيَّةَ فَأَغْنَاهَا عَنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَاهَا عَنِ الْأَعْيَادِ الْبِدْعِيَّةِ، وَأَمَرَهَا بِالتَّمَسُّكِ بِالشِّرْعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَا خَيْرَ إِلَّا أَحَبَّهُ لَنَا وَدَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا كَرِهَهُ لَنَا وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ الْغُرِّ المَيَامِينِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

اللهُ أَكْبَرُ؛ صَامَ لَهُ المُؤْمِنُونَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ قَامَ لَهُ الْقَائِمُونَ مَحَبَّةً وَذُلًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ بَذَلَ لَهُ الْمُحْسِنُونَ رَجَاءً وَخَوْفًا، فَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَوْلَانَا، وَللهِ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَللهِ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَللهِ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية: 36- 37].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ- لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، اتَّقُوا مَنْ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَلَا فَلَاحَ لَنَا إِلَّا بِتَقْوَاهُ، وَلَا حَوْلَ لَنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَلَا نَجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ، فَاللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ نَلْقَاكَ، وَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَالْأَهْوَاءِ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: هَنِيئًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِإِيمَانِهِمْ، وَهَنِيئًا لِلصَّائِمِينَ بِصِيَامِهِمْ، وَهَنِيئًا لِلْقَائِمِينَ بِقِيَامِهِمْ، وَهَنِيئًا لِلْمُحْسِنِينَ بِإِحْسَانِهِمْ، يَحْضُرُونَ الْعِيدَ وَهُمْ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، رَجَاءِ الْقَبُولِ وَخَوْفِ الرَّدِّ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 60- 61] اللَّهُمَّ فَاقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ المُسْلِمِينَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ وَسَائِرَ الْأَعْمَالِ، وَبَارِكْهَا لَنَا، وَزِدْنَا مِنْ طَاعَتِكَ، وَاصْرِفْنَا عَنْ مَعْصِيَتِكَ؛ فَإِنَّ قُلُوبَنَا بِيَدِكَ تُقَلِّبُهَا كَيْفَ تَشَاءُ.

 

وَأَمَّا مَنْ فَرَّطُوا فِي رَمَضَانَ، وَأَضَاعُوهُ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَمَشَاهِدِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، وَلَمْ يَصُونُوا الصِّيَامَ، وَلَمْ يُحْسِنُوا الْقِيَامَ، وَلَمْ يُمْسِكُوا اللِّسَانَ، وَلَمْ يَحْفَظُوا الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ عَنِ الْحَرَامِ؛ فَخَسَارَتُهُمْ فِي رَمَضَانَ أَعْظَمُ مِنْ رِبْحِهِمْ، اللَّهُمَّ فَاهْدِهِمْ صِرَاطَكَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ طَاعَتَكَ، وَبَغِّضْ إِلَيْهِمْ مَعْصِيَتَكَ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

 

وَأَدِيمُوا -عِبَادَ اللهِ- عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْبَدُ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ؛ وَبِئْسَ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ -تَعَالَى- إِلَّا فِي رَمَضَانَ. حَافِظُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَبَكِّرُوا لِلْمَسَاجِدِ، وَأَدُّوا النَّوَافِلَ، وَلَا تَهْجُرُوا المَصَاحِفَ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدُهُ الْيَوْمِيُّ مِنْ الْقُرْآنِ، وَحَظُّهُ اللَّيْلِيُّ مِنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْرٌ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْبَذْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَشَيْءٌ مِنَ الصِّيَامِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلِلهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الْهِدَايَةُ لِلْإِسْلَامِ هِدَايَةٌ لِلْحَقِّ، وَهُوَ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ سَعَادَةَ الْعِبَادِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُرْتَهَنَةٌ بِإِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ. وَالْإِسْلَامُ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ رَبٍّ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهِيَ الْعِبَادَةُ الْحَقَّةُ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ غَيْرِ اللهِ -تَعَالَى- عِبَادَةٌ بَاطِلَةٌ، لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ سَبَبُ عَذَابِهِ وَشَقَائِهِ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) [الحج:62].

 

وَرَسُولُهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ رَسُولُ الْحَقِّ، وَكُلُّ دَعْوَةٍ لَا تَخْتَطُّ مَنْهَجَهُ فَهِيَ دَعْوَةُ ضَلَالٍ، وَكُلُّ إِصْلَاحٍ لَا يَنْطَلِقُ مِنْ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ فَهُوَ إِفْسَادٌ؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْبَاطِلِ المُعَارِضِ لِلْحَقِّ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [البقرة: 119] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) [النساء: 170].

 

 

وَكِتَابُهُ حَقٌّ، وَجَاءَ بِالْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَأَخْبَارِهِ  (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) [فاطر: 31]. فَأَخْبَارُهُ صِدْقٌ (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) [آل عمران: 62] وَأَحْكَامُهُ عَدْلٌ (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48] وَقَدْ جَمَعَ اللهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) [الأنعام: 115].

 

وَأَهْلُ الْإِيمَانِ هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ، وَأَمَّا سِوَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ وَالمِلَلِ وَالنِّحَلِ فَهُمْ أَهْلُ الْبَاطِلِ، فَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلَّا إِيمَانٌ وَكُفْرٌ، وَحَقٌّ وَبَاطِلٌ (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) [محمد: 3].

 

وَأَعْظَمُ النِّعَمِ هِيَ الْهِدَايَةُ لِلْحَقِّ؛ فَإِنَّ الضَّالِّينَ عَنْهُ هُمْ أَكْثَرُ الْبَشَرِ، وَمَا كَانَ ضَلَالُ أَكْثَرِهِمْ إِلَّا بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ بِالْحَقِّ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 24].

 

وَمَنْ عَلِمَ الْحَقَّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَاسْتَكْبَرَ عَنِ اتِّبَاعِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْسُدَ أَتْبَاعَهُ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109]، فَالْحَقُّ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَتْبَاعَهُ، بَلْ يُحَارِبُونَهُمْ أَبَدَ الدَّهْرِ. وَهُمْ جَادُّونَ مُجْتَهِدُونَ فِي صَرْفِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِمْ، وَأَخْذِهِمْ إِلَى بَاطِلِهِمْ (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) [الكهف: 56].

 

وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ بِحَقِّهِمْ أَقْوَى مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ بِبَاطِلِهِمْ، وَلَوْ كَانَ أَهْلُ الْبَاطِلِ يَمْلِكُونَ الْقُوَّةَ الْعَسْكَرِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ وَالْإِعْلَامِيَّةَ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18]؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مُرَادُ اللهِ -تَعَالَى-، وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7- 8].

 

وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَانْتِشَارِهِ رَغْمَ ضَعْفِ المُسْلِمِينَ وَتَفَرُّقِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ. وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ رَغْمَ حَمَلَاتِ التَّشْوِيهِ الْقَوِيَّةِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الزخرف: 43] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل: 79]  وَلَا يُزَعْزَعُ فِي حَمَلَاتِ التَّشْكِيكِ وَالتَّشْوِيهِ إِلَّا ضِعَافُ الْإِيمَانِ، وَلَا يَبِيعُ إِيمَانَهُ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ الدُّنْيَا.

 

وَأَمَّا أَهْلُ اللهِ -تَعَالَى- وَطُلَّابُ آخِرَتِهِ فَلَا تَزِيدُهُمْ حَمَلَاتُ الْأَعْدَاءِ إِلَّا رُسُوخًا فِي الْحَقِّ، وَثَبَاتًا عَلَى الْإِيمَانِ، وَقُوَّةً فِي الْيَقِينِ (لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [يونس: 94- 95]، وَلَا تَزِيدُهُمُ الْفِتَنُ وَالْمِحَنُ إِلَّا صَلَابَةً فِي الْحَقِّ، وَقُوَّةً فِي الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَعَزْمًا عَلَى دَحْضِ الْبَاطِلِ بِهِ.

 

فَلَا يَهُولَنَّكُمْ -عِبَادَ اللهِ- مَكْرُ الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَمَا يُدَبِّرُونَهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ كَيْدٍ لِوَأْدِهَا وَإِنْهَائِهَا، وَتَبْدِيلِ دِينِهَا وَطَمْسِ شَرِيعَتِهَا، وَتَمْكِينِ الْبَاطِنِيِّينَ مِنْ رِقَابِهَا وَبُلْدَانِهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ -مَعَ شِدَّتِهِ وَعِظَمِهِ- لَنْ يَغْلِبَ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ.

 

وَمَا أَحْدَاثُ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ إِلَّا الْفَضَائِحُ الَّتِي كَشَفَتِ المَسْتُورَ، وَأَظْهَرَتِ الْحَقَائِقَ، وَأَزَالَتِ الْأَغْشِيَةَ الرَّقِيقَةَ عَنِ الْأَبْصَارِ؛ لِتُبْصِرَ الْحَقَّ وَتَسْلُكَ طَرِيقَهُ، وَأَمَّا عُبَّادُ الْأَهْوَاءِ وَعَبِيدُ الدُّنْيَا فَلَنْ يَتْرُكُوا بَاطِلَهُمْ، وَلَنْ يَتَّبِعُوا الْحَقَّ (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 97].

 

إِنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي مُحَاوَلَاتِهِمْ لِوَأْدِ الْحَقِّ مَا تَرَكُوا سَبِيلًا إِلَّا سَلَكُوهُ، وَلَا سِلَاحًا إِلَّا جَرَّبُوهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ سَحَقُوا الْحُرِّيَّةَ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّهَا أَعْلَى قِيمَةٍ يَمْلِكُونَهَا، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيَأْتِيهِمْ مِنْ بَابِهَا، وَتِلْكَ أَعْظَمُ هَزِيمَةٍ فِكْرِيَّةٍ فِي التَّارِيخِ المُعَاصِرِ، وَإِنَّ سُقُوطَ الْأَفْكَارِ مُؤْذِنٌ بِسُقُوطِ مَنْ يَحْمِلُونَهَا، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ فِي أَحْدَاثِ هَذِهِ السَّنَوَاتِ سُقُوطَ الْفِكْرِ الْقَوْمِيِّ الْعَلْمَانِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ اللِّيبْرَالِيِّ الْغَرْبِيِّ، وَسُقُوطَ الْفِكْرِ الْبَاطِنِيِّ، فَمَا عَادَ لَهَا مَحَلٌّ فِي قُلُوبِ عَامَّةِ المُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَضَائِحِ المُتَوَالِيَةِ لِأَرْبَابِهَا وَحَمَلَتِهَا وَدُعَاتِهَا.

 

وَعَادَ الْإِسْلَامُ النَّقِيُّ الصَّحِيحُ هُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي لَمْ يَسْقُطْ، وَلَنْ يَسْقُطَ، وَسَتَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ قُلُوبُ النَّاسِ لِيَعُودَ المُسْلِمُونَ إِلَيْهِ، وَيَدْخُلَ الْكُفَّارُ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَثُوبَ المُسْلِمُونَ إِلَى رُشْدِهِمْ، وَيُفَارِقُوا مَعَاصِيَهُمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي دَعْوَةِ غَيْرِهِمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي عِنْدَهُمْ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32- 33].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلهِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الْحَلِيمِ الْعَظِيمِ؛ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، الْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا الْأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا إِلَّا ذَرَّةٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا كَسَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ؛ وَلِذَا أَعْطَاهَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَمْ تَزِنْ عِنْدَهُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ فَتَحَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ بِالْقُرْآنِ، فَفَتَحُوا بِهِ الْأَمْصَارَ وَالْبُلْدَانَ، وَسَاحُوا يُبَلِّغُونَ دِينَ اللهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَلَمْ تُقْعِدْهُمْ شَهْوَةٌ، وَلَمْ تُوقِفْهُمْ قُوَّةٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُهَا المُسلمونَ: إِنَّ الحقَ قويٌ لكونهِ حقًا ولو كانَ حَمَلتُه ضِعافًا، وهو يَدحضُ الباطلَ ولو كانَ الباطلُ منتَفِشًا بالعلو، مُنتَشيًا بالقوة. وَلنْ يَضيرَ الحقَ أو يُلغيَهُ حَملاتُ أَهلِ البَاطلِ المُتتابعةِ عليهِ، كما لنْ يَقضيَ على الحقِ تَصرُفاتُ أهلِ الغلوِ والتكفيرِ بغير حقٍ، وأربابِ التفجيرِ والتخريبِ في بلادِ المسلمين، أُولئكَ الأغرارُ الذينَ غَشِيَتُهم ظُلماتُ الجهلِ والهوى حَتى رَانَتْ عَلى قُلوبِهِم، وَأفْسَدَتْ عُقُولَهُم  فَاسْتَحَلُوا دِمَاءَ أَرْحَامِهِم وَأَقارِبَهُم، وَقَصَدُوا قَتْلَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِم، ثُمَّ استَبَاحُوا الغَدْرَ بِالصَائمينَ فِي خِتَامِ رمضانَ، في حَرَمِ المدينةِ النبويةِ، وَقدْ لَعنَ اللهُ تَعالى مَنْ أَحْدثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَكيفَ بِحَدثٍ جَمعَ الغَدْرَ واستِحْلَالَ أَنُفسِ الصَائِمينَ بِقُربِ حرمِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَروَّعَ المُجاورِين والمُصلِّين.

 

وَلكنَّها القلوبُ الفَاسدةُ إِذَا أُشْرِبتْ الفِتَنَ فَلَا يُسْتَغربُ عَلَى أَصْحابِهَا أَيُّ جُرْمٍ مَهْمَا كَانَ عظيمًا قَبيحًا، نَسألُ اللهَ تَعالى أنْ يَكْبِتَهُم، وَيَكْفِيَ المُسلمين شَرَّهُم، وَيَحفظَ أَولادَ المسلمينَ ممن يُريدُ إِغْواءَهُم وَإِضْلَالَهُم.

 

أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ الْحَمَلَاتِ المَسْعُورَةَ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ وَحِجَابِهَا وَنِقَابِهَا وَمَا خَصَّهَا اللهُ -تَعَالَى- بِهِ مِنَ السَّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْعَفَافِ يِزْدَادُ أَوَارُهَا، وَيَتَفَنَّنُ مَرْضَى الْقُلُوبِ فِي إِشْعَالِهَا، وَيُحَاصِرُونَ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ بِالمَقَالَاتِ وَالْقِصَصِ وَالرِّوَايَاتِ وَالمُسَلْسَلَاتِ وَالْحِوَارَاتِ وَغَيْرِهَا.

 

وَيَسْتَأْجِرُونَ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الْقَذِرَةِ عَمَائِمَ وَلِحًى تَشْتَرِي بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا؛ لِإِقْنَاعِ المُسْلِمَةِ بِأَنَّ أَحْكَامَ دِينِهَا مُجَرَّدُ عَادَاتٍ لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ يَهُمُّهَا أَمْرُ دِينِهَا، وَلَا تُرِيدُ إِغْضَابَ رَبِّهَا، وَلَا مُخَالَفَةَ نَبِيِّهَا؛ وَلِذَا يُهَوِّنُونَ عَلَيْهَا الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ.

 

وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ مُؤْمِنَةٍ أَنْ تَرُدَّ الْأَعَادِيَ مِنْ مَرْضَى الْقُلُوبِ عَنْ دِينِهَا، وَأَنْ تَذُبَّ عَنْ حِجَابِهَا وَعَفَافِهَا، وَأَنْ تُلْقِمَ أَعْدَاءَ اللهِ -تَعَالَى- أَحْجَارًا تَرُدُّهُمْ عَنْ غَيِّهِمْ. فَإِذَا مَا خَرَجَ مُفْسِدٌ يَدْعُو لِهَذَا الِانْحِرَافِ رَدَّ قَوْلَهُ مِئَاتُ الْفَتَيَاتِ بَلْ أُلُوفٌ وَمَلَايِينُ؛ لِيَعْلَمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّ سُور المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ حَصِينٌ، وَأَنَّ دِرْعَهَا مَنِيعٌ، وَأَنَّ دِينَهَا مَتِينٌ، فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى حِمَاهَا.

 

يَجِبُ أَنْ يَنْتَشِرَ بَيْنَ الْفَتَيَاتِ المُسْلِمَاتِ ثَقَافَةُ رَدِّ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَدَحْضِهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَحْتَقِرِ الْفَتَاةُ كَلِمَاتٍ تُلْقِيهَا، أَوْ أَسْطُرًا تَخُطُّهَا فِي الذَّبِّ عَنْ دِينِهَا وَعَفَافِهَا؛ فَلَعَلَّ اللهَ -تَعَالَى- يُوجِبُ لَهَا بِهَا رِضَاهُ سُبْحَانَهُ.

 

وَلْتَحْذَرْ مِنْ تَأْيِيدِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ وَلَوْ أَحَاطُوهُ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ المُؤَيِّدَ لِلْبَاطِلِ وَالرَّاضِي بِهِ كَالدَّاعِي إِلَيْهِ. وَرُبَّمَا أَوْجَبَ سَخَطَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْهَا مَوْقِفٌ تَقِفُهُ، أَوْ رَأْيٌ تُبْدِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، مُوجِبٌ لِغَضَبِهِ. حَفِظَ اللهُ -تَعَالَى- فَتَيَاتِ المُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ، وَجَعَلَهُنَّ أَنْصَارًا لِدِينِهِ، حِرَابًا فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ.  

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الْيَوْمَ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ بِأَدَاءِ الصِّيَامِ، فَلْنُظْهِرِ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ فِيهِ، وَلْنَنْشُرِ الْبَهْجَةَ بِهِ فِي بُيُوتِنَا وَأُسَرِنَا وَمُجْتَمَعِنَا؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِهِ مِنْ شَعَائِرِهِ. لِنَبَرَّ فِي عِيدِنَا وَالِدِينَا، وَلْنَصِلْ أَرْحَامَنَا، وَلْنُكْرِمْ جِيرَانَنَا، وَلْنَلْتَزِمْ فِي فَرَحِنَا بِشَرْعِ رَبِّنَا، فَلَا نُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى المُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِفَرَحِ الْعِيدِ، مُوجِبٌ لِسَخَطِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، مُنَافٍ لِشُكْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 

وَلْنَتَذَكَّرْ فِي عِيدِنَا إِخْوَةً لَنَا تَسَلَّطَتْ عَلَيْهِمْ قُوَى الشَّرِّ وَالطُّغْيَانِ فَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَسَلَبَتْهُمْ أَمْنَهُمْ وَرَاحَتَهُمْ، فَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَشَرِيدٍ وَطَرِيدٍ وَأَسِيرٍ، فَرَّجَ اللهُ -تَعَالَى- كَرْبَهُمْ، وَخَذَلَ أَعْدَاءَهُمْ. فَلْنَخُصَّهُمْ فِي عِيدِنَا بِمُوَاسَاتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ.

 

وَلْنُتْبِعْ رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتَةِ أَيَامٍ مِنْ شَوَالَ، فَإِنَّ مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَحِيحِ.

 

أَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

 

 

المرفقات

عيد الفطر 1437هـ (دين الحق)

عيد الفطر المبارك 1437هـ (دين الحق) - مشكولة1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات